الجمعة, نوفمبر 22
Banner

قمة المبادرة العربية للسلام

كل الانظار منصبّة على الرياض ترقّباً لما ستقرره القمة العربية الطارئة في شأن إنهاء العدوان الاسرائيلي على غزة التي تعيش جحيماً منذ غداة السابع من تشرين الاول، حيث كانت عملية «طوفان الاقصى» التي زعزعت أركان الكيان الاسرائيلي وجعلته على شفير الهاوية. فهل ستكون قمة العودة الى المبادرة العربية للسلام التي اقترحتها المملكة العربية السعودية وأقرّتها قمة بيروت العربية عام 2002 والقائمة على مبدأ «الارض مقابل السلام» وضمنها إعطاء الفلسطينيين حقهم في اقامة دولتهم على حدود 4 حزيران 1976 وعاصمتها القدس الشرقية؟

يقول ديبلوماسي مخضرم يتابع بدقة التطورات المحلية والاقليمية والدولية انّ هذه القمة العربية التي ترأسها المملكة العربية السعودية كان لا بد لها من ان تنعقد، ولو بعد شهر على الحرب التدميرية للبشر والحجر التي تشنّها اسرائيل على قطاع غزة، هي أولاً ضرورة في حد ذاتها بالمعنى الانساني نظراً لحجم المجازر التي ترتكبها اسرائيل ضد الفلسطينيين، وهي ضرورة ثانياً لاجتماع العرب وتوحيد كلمتهم، ولو بالحد الادنى، خصوصا انّ بعضهم يخضعون لضغوط اميركية غير مسبوقة مقرونة بتهديدات، حيث ان الولايات المتحدة الاميركية تمارس بواسطة وزير خارجيتها انتوني بلينكن ما يُشبه سياسة «العصا والجزرة» لدفعهم الى السير كما تريد وإلّا الويل والثبور وعظائم الامور، وهذه التهديدات تطاول بعض الدول الخاضعة للنفوذ الاميركي المباشر وغير المباشر.

ولذلك، يضيف هذا الديبلوماسي، إنّ قمة الرياض اليوم ستحاول ان توازن بين موقف الدول الخاضعة للتأثير الاميركي وبين موقف الدول الخاضعة لتأثير اقل، وبين تلك المتحررة من هذا التأثير، لأنّ الضغوط الاميركية تتفاوت في حجمها بين دولة واخرى. وبالتالي، فإن هذه الدول لا ترى مصلحة لها في تخريب العلاقة بينها وبين واشنطن. وهذا ما سيتيح للقمة الخروج بموقف توافقي بالحد الادنى على بنود جدول اعمالها، لكنها ستعلن التمسّك بالمبادرة العربية للسلام السعودية المنشأ، مقروناً بدعوة صارمة الى وقف اطلاق نار شامل في غزة، وهو ما بدأت واشنطن تطالب به منذ امس، على ان تكون المبادرة العربية للسلام خريطة الطريق الى الحل المنشود والتي ربما يتم إدخال بعض التعديلات عليها بحيث يكون لكل كلمة فيها وزنها. وينتظر ان يكون للسعودية دور محوري خلال القمة في هذا الاتجاه كونها صاحبة هذه المبادرة منذ البداية وما زالت، علماً ان الاميركيين كانوا قبل حرب غزة يُجرون مفاوضات معها تتعلق بإمكان حصول تطبيع للعلاقات بينها وبين اسرائيل، وكان ابرز مطالب المملكة واكثرها الحاحاً للسير في اي تطبيع إقرار اسرائيل بحق الفلسطينيين في اقامة دولتهم المستقلة، فضلاً عن المطالب الكبرى السعودية الامنية والتسليحية والبرامج النووية وغيرها.

ومن المنتظر ان يندرج ضمن «خريطة الطريق» لوقف الحرب على غزة موضوع الاسرى، ولكن ذلك لن يكون في إطار «الهدن المؤقتة» التي يتحدث عنها الاميركي ولم يقبل بها الاسرائيلي، وإنما في اطار وقف شامل لإطلاق النار، علماً ان الانطباع لدى الجميع كان ولا يزال انّ الحرب ستكون طويلة، وانّ الجانب الاسرائيلي نفسه يركّز على تكرار تأكيد ان «الحرب طويلة» لأنّ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يدرك انّ مصيره عند انتهاء الحرب سيكون كمصير اولمرت بعد حرب تموز 2006.

ويكشف الديبلوماسي نفسه انّ الرئيس الاميركي جو بايدن «غاضب جداً» على نتنياهو، وقد بَدا هذا من خلال تغيّر لهجته تجاهه منذ ايام، ولكنه يتحاشى إظهار هذا الغضب في هذه العجالة، علماً انّ بايدن ونتنياهو متساويان او متشابهان في المصائب التي يعانيها كل منهما. فنتنياهو لديه مشكلة ذات وجهين داخلي وخارجي، الداخلي هو ان غالبية الاسرائيليين (بنسبة 90 % بحسب آخر الاستطلاعات) ولا سيما منهم الذين يعيشون في المستوطنات الشمالية على الحدود مع لبنان والجنوبية في غلاف غزة يقولون ان «دولتنا لا تحمينا ولا تستطيع ان نعود الى بيوتنا التي نَزحنا منها»، ويتخوّف «الشماليون» من ان يتكرر معهم ما حصل مع سكان مستوطنات غلاف غزة يوم انطلاق «طوفان الاقصى». اما المشكلة الخارجية التي يواجهها نتنياهو فهي التبدّل الكبير والسلبي في الموقف الدولي من اسرائيل نتيجة المجازر التي ترتكبها في حق اطفال غزة ونسائها وكهولها، فهناك 5 دول في اميركا اللاتينية قطعت العلاقات الديبلوماسية معها، في موازاة ضغوط اوروبية كبيرة بدأت تمارس على تل ابيب وهي ضغوط تكاد تفوق الضغوط العربية، علماً انّ الأوروبيين كانوا قد شجعوا اسرائيل على مهاجمة غزة غداة «الطوفان»…

وفي المقابل إنّ بايدن هو الآخر يواجه مشكلة ببُعدين داخلي وخارجي، فداخلياً تسجّل شعبيته تراجعا كبيرا فيما هو يخوض حملته الانتخابية طامحاً للفوز بولاية رئاسية ثانية عام 2024، وهذا التراجع يتعاظم يومياً. وما يُقلقه انّه يُسَجّل بمقدار كبير جدا في 5 ولايات اساسية، منها ميشيغن التي تسكنها غالبية عربية واسلامية كلها تحوّلت ضده نتيجة وقوفه الى جانب اسرائيل في حربها على غزة، وهناك نواب محليون في هذه الولايات يقيمون الآن الدنيا في وجهه ولا يقعدونها.

ويتبيّن من خلال كل هذا، يضيف الديبلوماسي نفسه، انّ بايدن ونتنياهو يعيشان حالة من الضياع بين مشكلاتهما الداخلية والخارجية، ففيما تتذَبذب مواقف نتنياهو وتصرّ على المضي في قتل الغَزيين بشرا وحجرا رافضة الهدن الانسانية ووقف النار، تشهد مواقف بايدن التذبذب نفسه بحيث يؤيّد الهدن ولا يؤيّد الآن وقفاً فورياً وعاجلاً لوقف النار ولجم آلة الحرب الاسرائيلية غير آبه بالتظاهرات الشعبية الاميركية المُنددة بها، وهو يستعد حالياً لمواجهة تظاهرة ضخمة تحت عنوان «الزحف الى البيت الابيض» الاحد المقبل، علماً انّ واشنطن كانت قد شهدت الاحد الماضي تظاهرة ضخمة جدا امام «البيت الابيض» عُدّت على انها الاولى بهذه الضخامة منذ ايام مارتن لوثركينغ الذي قاد ثورة للقضاء على التمييز يين البيض والسود في الولايات المتحدة الاميركية. وكل ذلك يحصل لبايدن فيما شعبيته تتراجع فضلاً عما يُنشر عنه من انه «بات خَرفاً»، بل اكثر من ذلك يُشاع في المجتمع الاميركي وينشر في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي الاميركية من انّ الانتخابات الرئاسية المقبلة سيخوضها مرشحان أحدهما «خرفان»، في اشارة الى بايدن، والآخر «مجرم» في اشارة الى الرئيس السابق دونالد ترامب.

وفي أي حال، يستبعد الديبلوماسي إيّاه انزلاق المنطقة الى حرب مفتوحة على جبهات عدة، فنتنياهو الذي يعتبر انّ لديه فرصة سانحة لاغتنام الدعم الدولي له في حرب غزة لكي يشنّ حرباً على «حزب الله» وايران وسوريا، يصطدم بحقيقة ان الجيش الاسرائيلي الذي بات مُنهكاً لا يجاريه في شن هذه الحرب بعدما كان بعض قادته يرددون انّ اسرائيل لا تستطيع ان تعيش في سلام في ظل تهديد غزة جنوباً و»حزب الله» شمالاً. كما انّ عملية «طوفان الاقصى» كشفت مدى الفشل العسكري والاستخباري الاسرائيلي اللذين جعلا شعبية نتنياهو في الحضيض، وبات عاجزا حتى عن الهروب الى الامام عبر خوض حرب جبهات طويلة في المنطقة، وقد فشل في ان يظهر نفسه للاسرائيليين انه «الحامي لهم»، وهو ما سيحصد نتائجه دماراً لمستقبله الشخصي والسياسي فور انتهاء حرب غزة. وفي المحصّلة، يستنتج الديبلوماسي انّ مصير بايدن مهدد رئاسياً، فيما مصير نتنياهو لن يكون افضل من مصير اولمرت.

ويعود الديبلوماسي المخضرم الى القمة العربية الطارئة اليوم ليتوقّع ان تعلن مواقف كبيرة في شأن مبادرة السلام العربية ودعوة شديدة اللهجة الى وقف اطلاق النار، والتحذير من التمادي في الاعتداء على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، والتشديد على «حل الدولتين» الذي تحدث عنه بايدن في الايام الاولى لحرب غزة. ولكن الديبلوماسي لا يرى في المقابل انّ هذا الحل قابل للحياة بعد كل ما يجري في غزة من تدمير للحجر ومجازر في حق البشر ومحاولات تهجير للغزيين الى سيناء وغيرها، وكذلك ما يجري من محاولات مماثلة في الضفة الغربية على يد المستوطنين البالغ عددهم 800 الف، حيث يقتلون من يريدون من الفلسطينيين ويطالبونهم بالنزوح الى الاردن، علماً انّ «الدولة الفلسطينية» الموعودة بحسب اتفاق اوسلو على اساس «حل الدولتين» تتكوّن جغرافياً من قطاع غزة والضفة الغربية.

طارق ترشيشي – الجمهورية

Leave A Reply