تبدو الحرب الاسرائيلية على غزة مستمرة من دون أيّ أفق زمني معروف أو يمكن تقديره، ما دامت إسرائيل متمسكة بالاهداف غير القابلة للتحقيق التي رفعتها منذ اليوم الاول. يشجعها على ذلك، وياللأسف، موقف أميركي ومعه الكثير من الدول الغربية، ولو بدرجات مختلفة من حيث التأييد للموقف الاسرائيلي، في رفض وقف اطلاق النار وإكمال الحرب، حرب “إلغاء حماس في غزة”. ويُستبدل ذلك بهدن انسانية، أو من خلال بلورة مفهوم جديد عُرف بـ”التوقف (pause) الانساني” لعدد من الساعات يوميا. تعمل إسرائيل على إحداث تغيير ديموغرافي ضمن القطاع من خلال دفع السكان من شماله نحو جنوبه باعتبار ان ذلك يسهل العملية العسكرية الاسرائيلية لتحقيق اهدافها بإقامة نظامها الامني في القطاع بعد التخلص كلياً من “حماس”. وقد بدأ البحث، إسرائيلياً بشكل خاص، في الصيغة السياسية الادارية التي ستتولى مسؤولية القطاع بعد تحقيق الاهداف الاسرائيلية التي اشير اليها. صيغة يجري الحديث حول من تكون اطرافها من فلسطينية وعربية ودولية. كلها طروحات ترفضها الاطراف التي يشار اليها، بالاسم أو بشكل غير مباشر ولكن واضح، للمشاركة في ادارة القطاع بعد تحقيق الاهداف الاسرائيلية، باعتبار ان دور هذه الاطراف سيكون شرعنة الاحتلال الاسرائيلي غير المباشر بعد التخلص من “حماس”. الاحتلال الذي سيبقى ممسكاً كلياً بالوضع على الارض… ويذكر نتنياهو بان “الجيش (الاسرائيلي) سيظل مسيطراً على غزة بعد الحرب ولن يسلّمها لقوة دولية”.
حرب الدمار والقتل الاسرائيلية المستمرة ضد غزة لتحقيق اهداف لا يمكن لأسباب موضوعية وواقعية تحقيقها، لا بل انها ترفع مستوى التوتر والصراع، والذهاب نحو المجهول، أدت الى ازدياد ردود الفعل الشعبية، من منظور أخلاقي وإنساني ومبدئي وقانوني. ردود اخذت في الانتشار على الصعيد العالمي، وفي الدول الغربية بالطبع، ردود معارضة بقوة لاستمرار هذه الحرب. يشكل ذلك مع الوقت عنصر ضغط على الدول التي ما زالت تؤيد استمرار الحرب من خلال رفضها الوقف الفوري والكلّي لاطلاق النار وذلك للبدء بمراجعة مواقفها ولو بشكل تدريجي ومحدود، ونظراً لما لهذه الحرب اذا ما استمرت من مخاطر على الاستقرار والامن على المستوى الاقليمي والذي هو مصلحة دولية ايضا، ولو لأسباب مختلفة بين القوى الدولية المتنافسة أو المتصارعة. بداية التغير عند هذه القوى، متى حصل، لن تكون نتائجه مؤثرة بشكل آني بالطبع ولكنها تخدم هدف الاستقرار ووقف الدمار .
تحصل وتتصاعد الحرب الاسرائيلية على غزة فيما نرى مزيدا من الاعتداءات والاعمال العنيفة التي يقوم بها المستوطنون في الضفة الغربية ضد المواطنين الفلسطينيين بغية تهجيرهم بوسائل متعددة.
سياسة تندرج في الاستراتيجية الرسمية والمعلنة للحكومة الاسرائيلية الحالية التي تهدف الى تسريع استكمال تهويد الضفة الغربية ارضاً وشعباً، وتحقيق حلم أو هدف اقامة إسرائيل الكبرى. والكثير من المؤشرات تدل على احتمال تصاعد درجة التوتر وانتشاره في الضفة الغربية.
كما ان مخاطر توسع الحرب الى جنوب لبنان ما زالت قائمة، رغم ان قواعد الاشتباك التي تبلورت غداة حرب 2006 لم يتم اسقاطها، ولو انها شهدت وتشهد تصعيدا متدرجا مقيدا حتى الآن مع تصاعد التوتر وازدياد القتال حدّةً ومساحة واهدافاً. “حزب الله” لا يريد تكرار “سيناريو 2006″، ويلجأ الى استراتيجية “المشاغلة والمساندة” كعنصر ضاغط على إسرائيل في ما يتعلق بحربها المفتوحة على غزة. وإسرائيل لا ترغب، لانها لا تستطيع لأسباب عسكرية بالطبع، بفتح جبهتين في آن واحد. فالتصعيد المتعدد الابعاد كما اشرنا سابقا يندرج في “لعبة” الردع المتبادل، من دون ان يعني ذلك عدم وجود احتمال للانزلاق نحو تصعيد مفتوح، قد لا يمكن احتواؤه اذا ما حصل.
فهل ستتحرك القوى الغربية الصديقة لإسرائيل للاسباب التي اشرنا اليها سابقا لتغيير موقفها والدفع نحو وقف اطلاق النار لتلافي إمكان الذهاب الى حرب مفتوحة في الزمان ومتدرّجة في المكان؟ حرب تكون تداعياتها سلبية على الجميع بأشكال واثمان واوقات مختلفة. ويبرز في هذا الصدد دور اللجنة الوزارية التي انبثقت من القمة العربية الاسلامية لهذا الهدف، في العمل على دفع القوى الدولية الفاعلة الى الضغط على إسرائيل للتوصل بداية الى وقف اطلاق النار. انه الشرط الضروري، ولكن غير الكافي بالطبع، لولوج تدريجي لباب العملية السياسية لتحقيق السلام بحسب القواعد والقرارات الدولية والمبادىء المعروفة. عملية دونها الكثير من الصعوبات والعوائق ولكنها تبقى اكثر من ضرورية لتحقيق السلام الشامل والعادل والدائم في المنطقة.
الدكتور ناصيف حتي – النهار