تطغى التطورات العسكرية في الجنوب على المشهد العام في لبنان مع الخشية من انزلاق المعارك اذا ما قررت حكومة بنيامين نتنياهو توسيع دائرة المواجهات ضد “حزب الله” الذي يشكل رأس حربة في “محور الممانعة”. وثمة من يرفض دخول فصائل عسكرية لبنانية وفلسطينية على خط الاشتباكات وسط تحذير من استعادة مشاهد تعود الى ما قبل 1982 اذا تدحرجت الامور على الحدود بعد تعرّض القرار 1701 لأكثر من اهتزاز. مع التذكير بان جهات سياسية ودينية وكتلاً نيابية لا تؤيد مقاومة “حزب الله” في الاصل وتنبّه من جر لبنان الى حرب في لحظة قمة جنون حكومة اليمين في تل ابيب. فكيف اذا ظهرت فصائل عسكرية تسرح وتمرح على ارض الجنوب وفي البلدات الحدودية، كان اخطر فصولها تنفيذ حركتي “حماس” و”الجهاد الاسلامي” عمليات واطلاق صواريخ في اتجاه اسرائيل من منصات في سهل القليلة وبلدات في العرقوب، الامر الذي يرفضه الجيش اللبناني ولا تتقبله “اليونيفيل”. واذا كان كثيرون يؤيدون خيار “المقاومة الاسلامية”، فان آخرين لا يهضمون ولادة أجنحة عسكرية جديدة مع سؤالهم: هل يحق لهذه الاحزاب التسلح تحت ذريعة المقاومة وان تفتح جبهات عسكرية على حسابها؟
مردّ هذا الكلام يأتي بعد اعلان حزب البعث العربي الاشتراكي على لسان أمينه العام علي حجازي اطلاق الجناح العسكري تحت اسم “قوات البعث” في خضم تحرك افرقاء “محور الممانعة” واستنفارهم العسكري بعد عملية “طوفان الاقصى” التي شكلت منعطفاً كبيراً في المنطقة لدى هذا الفريق الذي يرفع لواء المقاومة والتصدي لاسرائيل وحمله راية فلسطين.
وكانت “قوات الفجر” التابعة لـ”الجماعة الاسلامية” سبّاقة في اعلان استنفار عناصرها في بلدات العرقوب. ونظم حزب “التيار العربي” برئاسة شاكر البرجاوي مناورة عسكرية اعلن فيها انخراطه في جبه العدوان الاسرائيلي. كذلك اعاد البعثيون تنظيم صفوف حزبهم وهرمية قيادتهم في لبنان من “مسلّمة” ان المعركة التي تشنها اسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة و”حزب الله” فرضت ظروفها وتستدعي في رأيهم “المشاركة تحت مظلة المقاومة التي يجب ألّا تكون من مهمات حزب الله وحده إذ لا يريد احتكار هذا الفعل الشريف”، وان حماية الجنوب ولبنان “تتطلب مشاركة الجميع في وجه العدو الاسرائيلي” على قول حجازي لـ”النهار”، وهو يعرف جيدا حساسية الواقع اللبناني وانقسامات أهله.
ويعلّق عميد متقاعد في الجيش على هذه المشهدية العسكرية حيث كانت له تجربة طويلة على ارض الجنوب مع المجموعات المسلحة في السبعينات واصطدم معها في محطات عدة، بان “ما يحصل اليوم لا يشبه مرحلة السنوات السابقة”. ويعزو إقدام اكثر من جهة منضوية في لقاء الاحزاب الى”اثبات وإقران ان طروحاتها لا تنحصر في السياسة، وان لا قيمة لها عند تهديد اسرائيل للبلد والقضاء على مقاومته”. ولا يمانع في مشاركة هذه الاطراف في اعمال عسكرية “على ان تكون غير متفلتة وبعيدة من الاستعراضية وان تنحصر تحت مظلة حزب الله وان تقدم جهودا عسكرية ولو كانت محدودة ورمزية في مرحلة مواجهة شاملة ومصيرية”. ولا يلتقي هذا الموقف مع مواقف ضباط متقاعدين واحزاب مناوئة لـ”حزب الله” لا تنفك تقول بان “لا جدوى ولا فائدة من كل هذه المقاومات إذ لا يحق لأي جهة لبنانية وبالأخص فلسطينية ان تفتح على حسابها على ارض الجنوب، الامر الذي يفرّط بالقرار 1701 ويحرج الجيش اللبناني ووحدات اليونيفيل”.
في المقابل، يؤكد حزب البعث انه عمد الى تفعيل جناحه العسكري لـ”ضرورات وطنية لان المواجهة الكبرى عند وقوعها ستكون أوسع وأخطر من وقائع عدوان تموز 2006 وحصيلته. ونحن على استعداد للانخراط في هذه الحرب اليوم وأعددنا لأفراد قواتنا اكثر من دورة عسكرية وسيصل عددهم الى الف مقاتل، وسلاحنا لن يكون مصوباً الا في اتجاه العدو الاسرائيلي”. ولم يأتِ قرار الحزب بالعودة الى بث الروح في جناحه العسكري إلا بناء على معطيات التطورات الاخيرة في غزة والجنوب، وجاء بتشجيع ايضا من قيادة البعث في دمشق وبموافقة من الرئيس شار الاسد وتغطيته بطبيعة الحال، على ان يتم التنسيق مع “حزب الله”.
ويقول البعث ان “التوجهات تشدد على العودة الى اتباع العمل المقاوم، وان البعثيين من ابناء البلدات الحدودية في الجنوب هم على درجة عالية من الاستنفار”. وتبين انهم حصلوا على اسلحتهم من سوريا، ولو لم يشأ الحزب الخوض اكثر في هذا الامر. ويأتي تحركه هذا “من باب التصدي للمخطط الاسرائيلي في المنطقة مع تصدّينا لتغيير هوية البلد، وان تلقّي أي هزيمة ستكون لها جملة من التبعات والارتدادات على مدار السنوات الطويلة، مع التوقف عند الخطاب السياسي المعادي لخيار المقاومة حيث نلمس حقداً دفيناً ضدها. والمطلوب من حزبنا وجميع الحلفاء تحصين الجبهة الداخلية لمنع طعن المقاومة في ظهرها. ونتعهد امام رفاقنا واهلنا اننا سنكون في صلب العمل المقاوم وحيث تدعو الحاجة الوطنية والقومية”.
رضوان عقيل – النهار