كتبت : وفاء بيضون
ثمة سؤال يتقدم على المشهد الميداني على حافة لبنان الأمامية مع فلسطين المحتلة، ودخان يلوح في أجواء لبنان ينسحب على تطورات المعركة بين قوات الاحتلال والمقاومة الفلسطينية في غزة .
فبعد السابع من أكتوبر الفائت ومع أولى طلقات المقاومة في غلاف غزة المحتل برزت إشارات أقرب إلى الوثائق السرية بأن حكومة نتنياهو كانت أقرت في مجلسها الأمني المصغر قبل ان يتحول إلى كابينت حرب أن تقوم إسرائيل بضربة استباقية شمال الأراضي المحتلة أي على لبنان، فكانت صدمة قادة الاحتلال باستباقية “حماس” عبر انطلاق عملية ” طوفان الأقصى ” وجعل الغلاف مقبرة لجنود الاحتلال هذا من جهة، ومن جهة أخرى اسر المئات وتحويل صورة الجندي الإسرائيلي وآلياته إلى لعبة دمى كشفت وهنها الصور التي شاهدها العالم بأسره .
ولكن مع بدء الحرب وإعلان كابينت” نتنياهو” أهدافه ودخول “حزب الله” على خط إشغال العدو في الجبهة الشمالية وممارسة الضغط العسكري للتخفيف عن غزة، اعتقد كثيرون في لبنان وخارجه أن المقاومة تغامر في مصير لبنان واللبنانيين، ما يضعهم على كف عفريت، في المقابل يعتقد كثيرون آخرون بالعكس.
ولكن، بغض النظر عن الانقسام في الآراء بين اللبنانيين أنفسهم حول هذا الموضوع، فإن الثابت إقليمياً ودولياً، أن إسرائيل تجهد، وتحديداً رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو “، لجرّ المنطقة إلى “حرب شاملة” منذ اليوم الأول للحرب الدائرة، وهو ما بدا واضحاً، فيما تعمل واشنطن على احتواء الموضوع بكل ما تملك من قوة. ومع تقادم الأيام بات التوجس يتفاقم مخافة انفلات الأمور وتطور الاشتباك بقواعده المعروفة إلى “حرب شاملة” وواسعة ومفتوحة على كل الجبهات وأولها جبهة الجنوب اللبناني .
وكاد هذا التوجس قبل أيام أن يشعل فتيل الفلتان العسكري في المنطقة، حيث أكّدت معلومات مستقاة من مصادر متابعة وعليمة، أن الحرب كانت “قاب قوسين” من الاندلاع، عبر “حزب الله ” على الخط وفتح الجبهة الجنوبية اللبنانية على مصراعيها، غير أن المخاوف الأمريكية المرتكزة على علم بتوريطها أكثر في المنطقة من قبل قادة الاحتلال دفع بدبلوماسيتها المقيمة والوافدة إلى إعادة الأمور إلى نصابها، وأثمرت الضغوط الهائلة التي مورست في وقت قصير على ” نتنياهو”، حسب نفس المصادر، في العودة إلى قواعد الاشتباك الجديدة، فيما تولّت قطر ومصر التواصل مع طهران لضمان التزام “حزب الله” بالخطوط العريضة الموضوعة والكفيلة بإبقاء الأمور ضمن السيطرة نسبياً .
لقد كان سيناريو ” نتنياهو ” وفريق حربه عازمًا على فتح الجبهة الشماليّة، وأخليت المستوطنات المواجهة لجنوب لبنان بشكل كلّي ولم تطلب من المستوطنين كالعادة التزام الملاجئ أو المنازل، خصوصاً بعد ارتفاع نسبة الهجمات من لبنان بشكل غير مسبوق في يوم واحد، واستنفر الحزب في المقابل وكانت الأجواء تشير إلى اقتراب ساعة فتح الجبهة، غير أنّه كان للأميركيين رأيٌ آخر، ونجحوا في لجم الإسرائيليين، وتم تسريب التحذير الذي أبلغه وزير الدفاع الأميركي “لويد أوستن” لوزير الدفاع الإسرائيلي “يوآف غالانت” بوجوب عدم التصعيد على الجبهة اللبنانية. وبعد نجاح المساعي، تضيف المصادر، تم نقل النتيجة إلى إيران والحزب . ومع ذلك يرى مراقبون أن الاحتلال الذي لا يؤمن جانبه، أبقى الأجواء متقلبة عبر تصريحاته المتقلبة أيضا والمتناقضة، أكانت بالجملة الوزارية أو المفرق ، وذلك لأن ” نتنياهو ” ومعه” غالانت ” مقتنعان تماماً بأن جرّ المنطقة إلى حرب شاملة، هو الخلاص الوحيد لهما، وعامل الوقت لا يجري في صالحهما، وهو ما كشفه وزير الخارجية ” إيلي كوهين” حين قال إنه لا يزال أمام إسرائيل فترة أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع كحدّ أقصى قبل تزايد الضغوط، وما عناه فعلياً هو أن نافذة غض النظر ستقفل خلال هذه الفترة، وأن آلاف الفلسطينيين الذين سقطوا في غزة بدؤوا يفعلون فعلهم في الرأي العام، حتى إن الإدارة الأميركية اعترفت عبر وزير الخارجية “انطوني بلينكن” بوجود انقسام في طريقة التعاطي مع هذا الملف والتأييد المطلق لإسرائيل.
وبالتالي أصبح واضحاً أن مسار سياسة “نتنياهو” ومن يؤيده في المضي بعدوانه على غزة يسير في حقل ألغام ولو أن نهايته باتت منظورة المدى.. غير أن هذا لا يعني أن خطورته قد زالت، فلطالما قامت حكومات وسقطت أخرى داخل الكيان على دم الأبرياء وأنقاض المنازل والمشافي والمساجد والكنائس المدمرة، ما يعني أن الاحتلال بات يعيش حالة من الإرباك والتضعضع في وقت لم تثمر عملياته، حتى مع احتلاله مشفى الشفاء والقيام بتطهير عرقي فيه، من أن يقدم نصرا يرضي قادة الحرب في المنزلة الأولى، أو الرأي العام الإسرائيلي في المرتبة الثانية، والدليل هو مواقف المستوطنين الذين أعلنوا عدم عودتهم لغلاف غزة أو إلى شمال فلسطين ليبقى الأمر مرهوناً بما سيندفع إليه “نتنياهو” للتملص من محكمة محققة بحقه من جهة والاختباء خلف التأييد الأمريكي المفتوح له بمعدلات من جهة ثانية .