استُبدل اتفاق الطائف ودستوره النظام السياسي اللبناني القديم شبه الرئاسي، بنظام سياسي جديد زاد من حدّة الأزمات السياسية والدستورية وفي المؤسسات الرسمية، نتيجة التباس او غموض العديد من بنوده، والتي جمعها الرئيس الأسبق ميشال سليمان بسبعة بنود لا بدّ من إعادة النظر فيها او تعديلها او توضيحها بنصوص دستورية واضحة، منعاً للإجتهاد المطّاط او الخاطئ الذي اعتاد عليه طاقم الحكم منذ التسعينات. فبات الحكم توافقياً بحسب التركيبة الطائفية والسياسية، وقرارات الحكومة تُتخذ بالنصف زائد واحداً او بالثلثين او بالتصويت إذا تعذّر التوافق، وها نحن نعيش منذ العام 2005 في دولة يتعذّر فيها التوافق، فمرّت البلاد بأزمة شغور رئاسي من العام 2016 استمر سنتين، وها هي دخلت العام الثاني بالشغور الرئاسي الذي فاقمه وجود حكومة تصريف اعمال مُختلف على صلاحياتها.
لا يمكن تفهّم تعذّر او صعوبة او تأخّر انتخاب رئيس للجمهورية مهما اشتدت الخلافات بين القوى السياسية الممثلة في البرلمان، ولكن التبرير الوحيد المتداول هو دستوري نتيجة اختلاف تفسير مواد الدستور التي تحكم انتخاب الرئيس والنصاب في جلسات الانتخاب. كما لا يمكن تفهّم هذا الشطط الحكومي احياناً في تصريف الاعمال وايضاً نتيجة اختلاف التفسيرات لمواد الدستور التي تحكم عمل حكومة تصريف الاعمال، فبات الاحتكام الى دراسات ومراجعات قانونية غير مُلزمة او مختلف عليها لحلّ الإشكالات القائمة بديلاً عن تطبيق الدستور او الاتفاق على تفسير واحد له.
وبالحديث عن الحكومة، كيف وفي اي بلد في العالم يحتاج تكليف رئيس للحكومة وتشكيل الحكومة الى اشهر طويلة واحياناً اكثر من سنة، نتيجة سياسة المحاصصات السياسية والطائفية المُتّبعة.
كما لا يمكن تفهّم تعذّر وصعوبة تعيين موظف في الفئة الاولى مهما كان مركزه (اداري او عسكري او امني) بسبب الالتباس او عدم الوضوح او النقص في بعض مواد الدستور التي ترعى حالات الشغور في هذه المراكز اذا كان ملؤها ضرورياً ولأسباب قاهرة، كمثل الحالة التي نعيشها في شغور بعض المناصب العسكرية منذ اشهر، وترقّب شغور مراكز اخرى قريباً، ولو انّ بعض القوانين النافذة ترعى معالجة هذه المسألة اذا طُبّقت كما يجب من دون حسابات سياسية ضيّقة تؤدي الى عدم التوافق. (هذا في الحالات العادية بوجود رئيس للجمهورية وحكومة غير مستقيلة، اما في الحالة الحاضرة فبات الامر يحتاج الى اعجوبة توافقية).
وفي التوازي، لا يمكن فهم تعثر واحياناً شلل المجلس النيابي في عقد جلسات التشريع او انتخاب رئيس الجمهورية، بينما باتت جلسات التشريع، كما جلسات الحكومة، تُعقد «غبّ الطلب» تحت عنوان «تشريع الضرورة وسير المرفق العام»، ولا تصدرعنها اي قوانين او إجراءات تعالج الأزمات الخانقة التي يُعانيها البلاد والعباد. وإذا صدرت لا يتمّ تنفيذها لأنّها مرتبطة بصدور مراسيم تطبيقية لا تصدر!
عدا هذه الامور، فإنّ مخالفات الدستور منذ التسعينات حتى الآن لا تُعدُّ ولا تُحصى، نتيجة التراخي بتطبيق الدستور إن لم نقل بسبب «التفسير غبّ الطلب والانتقاء السياسي» لأحكامه وحسب مصالح وأهواء القوى السياسية، لا سيما الحاكمة منها. وهنا لا بدّ من استذكار التجاهل عن عَمد للمواد التي تنصّ على تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، وتشكيل مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، وتشكيل مجلس للشيوخ وفق القيد الطائفي، للخلاص نهائياً من ازمات النظام السياسي الطائفي، بعدما تحوّل خلاف الطوائف وصراعها على الحكم والصلاحيات الطائفية الى علّة العِلل في النظام.
خلاصة القول، انّ هذه الاخفاقات في الحكم التي توالت منذ سنوات باتت تستوجب تعديلات جوهرية في الدستور، تعزّز بعض صلاحيات رئيس الجمهورية، المُقيّد مثلاً بمِهل خلافاً لمِهل الوزير المفتوحة، ولا تلغي الميثاقية في مجلس الوزراء، وتوضح المواد الملتبسة بلا اي غموض، او الاضطرار الى الاجتهاد الذي قد يصيب وقد لا يُصيب في الدستور. وتحدّد بدقة تفاصيل العلاقة بين اركان الحكم ومؤسساته ضمن مبدأ فصل السلطات الذي لم يتمّ احترامه مرات عديدة، وتُحدّد مهلاً مُلزِمة لتكليف رئيس الحكومة وتشكيلها كما يُحدّد الدستور مهلة لإعداد البيان الوزاري ونيل الثقة على اساسه، كما تُحدّد بدقة صلاحيات حكومة تصريف الاعمال، لا سيما في حال الشغور الرئاسي، الذي يمكن معالجته مثلاً بتعديل بعض مواد الدستور حول طريقة الانتخاب ومدته، او بنصّ دستوري جديد يقضي بتعيين او انتخاب نائب لرئيس الجمهورية ومن طائفة مسيحية غير المارونية (الارثوذكسية كونها الطائفة الرابعة الاكبر)، يشغل الموقع مؤقتاً ولفترة زمنية محدّدة في حال الشغور الرئاسي لأي سبب ما (السفر او المرض او الوفاة المفاجئة او نهاية الولاية)، وتكون مهلة إلزام لمجلس النواب وليست مهلة حثّ.
غاصب المختار – الجمهورية