اذا كانت السياسة تجمد الحلول الاقتصادية فإن الحرب في الجنوب تؤجل الحلول السياسية والاقتصادية والمالية وتلغي المشاريع والاستثمارات وتحول الاقتصاد من منتج الى اقتصاد حرب حيث صوتها يعلو فوق اي صوت اخر ، مما يؤدي الى تراجع اعمال مختلف القطاعات الاقتصادية وكذلك الناتج القومي الى اقل من ١٨مليار دولار سنويا بينما يحاول الخبراء والمعنيون توسيع قاعدة الانتاج وتحقيق النمو المطلوب وتأمين فرص عمل جديدة .
ويعتبر احد الخبراء ان تحويل الاقتصاد الوطني الى اقتصاد حرب خطر جدا لانه يجمد الاسواق ويشلها ويوقف الاستثمارات والحركة السياحية التي شكلت ما نسبته ٢٥ في المئة من الدخل القومي خصوصا في فصل الصيف الذي شهد فورة سياحية لم يشهدها لبنان منذ فترة طويلة حيث اعتمد على المغتربين والمنتشرين اللبنانيين في دعمه واستقرار نقده وتأمين الفريش دولار الذي كان يحتاج اليه ، فستكون هذه التداعيات كارثية في كل القطاعات الإنتاجية، وحتى في الحياة اليومية ، ولن يتمكن لبنان من مواكبة هذه الحرب ، لأن لبنان وشعبه واقتصاده وشركاته وقطاعَيه العام والخاص، قد خسروا كل مكوّناتهم للمرونة والصمود والانتاجية .
الحرب توقف الانتاجية والمحاولات لاعادة العافية للاقتصاد خصوصا انه لم “يطلع من الجورة ” التي انزله فيها السياسيون نتيجة انفاقهم الكبير في الموازنات وتجاذباتهم المستمرة وتشهد ايضا تراجع حركة التصدير في ضوء تريث المستوردين في الانتاج اللبناني مخافة تعرض بضائعهم لاي خطر فيلغون “طلبياتهم” واتفاقياتهم بانتظار عودة الهدوء والطمأنينة بينما يعمد الصناعيون والمصدرون الى ال plan b وهو كناية عن بديل للاقتصاد الذي كانوا يتبعونه ويواكبون حالة الحرب التي يعيشونها .
حتى ان المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لتطبيق الاصلاحات التي يريد ان ينفذها لبنان كانت قد دخلت في دائرة الجمود فكيف الحال بعد ان طلبت الدول الاجنبية التي يمثلها ممثلو الصندوق منهم مغادرة لبنان اسوة بباقي الموظفين الاجانب الذين غادروا بعد عملية طوفان الاقصى اضافة الى موظفي الامم المتحدة وغيرها من المؤسسات الدولية التي تتخذ لبنان مقرا لاعمالها وبالتالي فان الاصلاحات مرشحة للتأجيل بعد الصعوبات التي تعرضت لها من المجلس النيابي والمشاكل السياسية واهمها عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتأتي الحرب اليوم لتجمد كل شيء مما يؤثر في الاوضاع الاقتصادية وتزيدها ركودا وشللا وعدم انتاجية مما يهدد هذه المؤسسات بالتوقف عن العمل وصرف ما تبقى من موظفين لديها.
إذاً، عاد لبنان يشهد تراجعاً كبيراً في الحركة السياحية، فجُمّدت كل الاستثمارات الكبيرة والصغيرة واعيدت الحسابات من جديد بانتظار عودة السلام وأُلغيت الحجوزات، والمؤتمرات والمناسبات، حتى باتت اعياد نهاية السنة مهددة بعدم القيام باي احتفالات وهذا يعني المزيد من الخسائر في هذا القطاع .
على صعيد القطاع الصناعي، تجمّدت أيضاً كل الاستثمارات، خوفاً من عدم إمكان استيراد المواد الأولية، وتصدير البضائع. وقد شهد هذا القطاع أيضاً ارتفاعاً كبيرا في كل كلفة التصنيع والإنتاج، جرّاء ارتفاع أقساط التأمين، من جهة، وأيضاً زيادة أسعار المواد الأولية من جهة أخرى.
أما في القطاع العقاري والإعماري، فقد ازداد الركود في هذا القطاع الذي يعاني منذ اكثر من اربع سنوات واليوم، ، فقد توقفت كل عمليات الشراء والبيع، تحسبا لاندلاع الحرب على نحو كبير وتشمل كل المناطق . واجه حركة سرعان ما اخمدت وهي استئجار الجنوبيين بعض المساكن في الاماكن البعيدة عن الحرب .
في القطاع التجاري، يختلف الامر خصوصا بالنسبة لتجار المواد التموينية والسلع الاستهلاكية التي تهافت عليها المواطنون خوفا من فقدانها بينما تجار الالبسة والكماليات أصبحوا كما قال احدهم “يكشون الحمام “اي لا بيع “ولا من يحزنون” .
أما على الصعيد المالي والنقدي، فبعد 4 سنوات، يلاحظ ان اعادة التوازن المالي واعادة هيكلة القطاع المصرفي أصبحتا تنتظران الفرج رغم الاستقرار النقدي الذي يطبقه مصرف لبنان نتيجة السياسة التي يتبعها.
جوزف فرح – الديار