القى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: “عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الإمام علي أحد أصحابه، حين قال له: “لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير العمل، ويرجي التوبة بطول الأمل، يقول في الدنيا بقول الزاهدين، ويعمل فيها بعمل الراغبين، إن أعطي منها لم يشبع، وإن منع منها لم يقنع.. ينهى ولا ينتهي ويأمر بما لا يأتي، يحب الصالحين ولا يعمل عملهم، ويبغض المذنبين وهو أحدهم.. إن سقم ظل نادماً، وإن صح أمن لاهياً، إن عرضت له شهوة أسلف المعصية، وسوف التوبة.. يستعظم من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه، ويستكثر من طاعته ما يحقره من طاعة غيره، فهو على الناس طاعن ولنفسه مداهن. هذا بعض وصايا أمير المؤمنين علي بالأخذ بها نعتبر بها عن ولائنا ونكون أكبر قدرة على مواجهة التحديات”.
اضاف: “البداية من قطاع غزة، حيث يستمر العدو الصهيوني باتباع سياسة القتل والتدمير الممنهج للمباني السكنية وأماكن إيواء اللاجئين والمؤسسات العامة والخاصة والبنى التحتية، وقد بلغ باستهدافاته حد المس بالمستشفيات وقطع سبل الحياة عنها وحصاره لها وحتى اقتحامها وبحجج واهية بينت الوقائع عدم صدقيتها، متجاوزاً في ذلك الأعراف الدولية التي تمنع التعرض للمستشفيات تحت أي اعتبار. وهو في ذلك لم يضع لنفسه حدوداً بل جعل كل القطاع تحت مرمى نيرانه حتى بات لا مكان آمناً فيه، كما صرحت بذلك قياداته العسكرية والسياسية. وقد أصبح من الواضح أنه يريد من وراء ذلك تيئيس الشعب الفلسطيني من البقاء في أرضه تمهيداً لتهجيره أو إبقائه تحت ظل احتلاله المباشر وغير المباشر. وهو في ذلك لا يزال يستفيد من التغطية الدولية التي أعطيت له والتي تمنع أي مس بهذا الكيان وبرموزه وفي الدعم الذي يحظى به رغم كل الجرائم والفظائع التي يرتكبها وعدم السماح بأي قرار يؤدي إلى إيقاف نزيف الدم والتدمير الذي يحصل. وإن كنا بدأنا نشهد تبدلاً في العديد من المواقف والتي تواكب بتحركات شعبية في هذه الدول، تدعو إلى إيقاف نزيف الدم وحماية الشعب الفلسطيني من المجازر التي يتعرض لها، فإنها لم تصل بعد إلى حد الضغط على هذا الكيان، أو جعله يعيد النظر في ممارساته بحق الشعب الفلسطيني”.
وتابع: “ولعل من المؤسف هنا، أن القمة العربية والإسلامية التي كان الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية يُعولون عليها بأن تكون قراراتها بحجم المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية والأخطار التي تحدق بهم، انتهت من دون أن تقدم على أي إجراءات دبلوماسية أو سياسية أو اقتصادية إن لم نقل أمنية تؤدي إلى لجم هذا العدوان، بل اكتفت بمواقف كلامية ما جعل الشارع العربي يشعر بلون من التواطؤ على غزة، وأن غزة بدلاً من أن تتحول إلى عنوان قوة للعرب والمسلمين ورافعة لاستنهاضهم نراها تتحول إلى عبء وثقل على كاهل الكثير من الحكومات من الأفضل التخلص منه وإلا ما معنى أن العدو صعد من عدوانه بعد القمة وكأن شيئاً لم يكن وأن الساحة باتت مفتوحة أكثر أمامه لكي يقوم بكل ما يستطيع حتى يحقق أهدافه وغاياته”.
وقال: “إننا أمام ذلك كله نتوجه إلى الشعوب العربية والإسلامية أن تقول كلمتها وأن تضغط على دولها للقيام بالدور المطلوب منهم تجاه شعب عربي ومسلم يُقتل ويشرد مجدداً في أرضه، وخصوصاً أنها لن تكون بمنأى عما يحدث لغزة إن سمحت للكيان الصهيوني أن يحقق ما يريد من هذه المعركة عندما تدعوه مصالحه لذلك”.
واشار الى انه “في هذا الوقت، لا يزال الشعب الفلسطيني في غزة والضفة ومن خلال مقاومته يقف بكل صلابة وشموخ واقتدار أمام الآلة العسكرية الصهيونية ويقدم أمثولات في التضحية والفداء من أجل أرضه، ولا يسمح للعدو بالتقدم رغم عدم التكافؤ في القدرات والإمكانات، ما جعل الكيان الصهيوني وحتى الآن ورغم مرور حوالى خمسين يوماً على همجيته غير قادر على تحقيق أياً من أهدافه أو أن يحقق نصراً يقدمه إلى الرأي العام في كيانه، ما يدعو إلى الاعتزاز بصبره وبطولاته وشجاعته، ويجعلنا نثق بأن المستقبل سيكون لهذا الشعب مهما كبرت قدرات العدو وإمكاناته وتكتل العالم حوله”.
وحيا فضل الله “جميع الذين يقفون مع هذا الشعب ويساندونه إن بالكلمة أو الموقف أو بالإعلام أو بالمسيرات، أو بالإسناد في ساحات المواجهة.. وندعو إلى استمرار هذه المواقف حتى لا يشعر الشعب الفلسطيني أنه يقف وحيداً ومستفرداً في هذه المواجهة”.
وتابع: “ونصل إلى لبنان الذي لا يزال بمقاومته وجيشه وشعبه يدفع ثمن الوقوف مع الشعب الفلسطيني وإسناده بما أمكن وضمن حدود الظروف الموضوعية التي يعيشها، وهو في ذلك يقدم التضحيات الجسام. ونحن في الوقت الذي نحيي هذا الموقف المسؤول والقوي والحكيم، ندعو اللبنانيين جميعاً بكل مذاهبهم وطوائفهم وتنوعاتهم السياسية إلى التكاتف والوحدة والوقوف صفاً واحداً في مواجهة تهديدات هذا العدو الذي لن يوفر جهداً للنيل من هذا البلد وهو يستفيد من أي ثغرة يجدها في الداخل أو في مواقع القوة التي يمتلكها”.
ورأى انه “إن من المؤسف أن نجد هناك من لا يزال يهون من خطر هذا العدو على هذا البلد، فيما لا يزال ومنذ القرار 1701 يستبيح بره وبحره وجوه ويعد العدة ويجري المناورات التي تحاكي قراه ومدنه، بما يكشف نواياه العدوانية تجاه لبنان”.
وقال:”في الوقت الذي نجدد الدعوة لكل القوى السياسية إلى العمل بكل جدية لعدم ترك البلد في الفراغ القاتل في هذه المرحلة إن على مستوى الاستحقاق الرئاسي أو في المؤسسة العسكرية، وذلك تحسباً لأية تطورات قد يواجهها هذا البلد من تبعات ما يجري في غزة وفي ظل تهديدات العدو الصهيوني أو معالجة الأزمات المستعصية على الصعيد المعيشي والحياتي وأزمة النزوح السوري وتبعات أزمة المودعين وعدم قدرة الدولة على تأمين موارد لها”.
وختم: “وأخيراً لا بد من الالتفات جيداً من قبل الدولة والجمعيات والمؤسسات والأفراد إلى أولئك الذين اضطروا أن يغادروا أرضهم وقراهم ومراكز عملهم إلى إسنادهم والوقوف معهم في هذه المرحلة العصيبة وأن يكون بعين اللبنانيين جميعاً. وهنا نقدر كل الجهود والمبادرات التي تبذل في هذا المجال وندعو إلى المزيد منها”.