لا يقتصر النشاط الديبلوماسي للسفارات الغربية في بيروت على مستوى السفراء ومساعديهم من مستشارين وموظفين بل يشمل هذا الإجراء أيضاً الملحقين العسكريين الذين تضاعف نشاطهم في الأسابيع الأخيرة حيث يراقبون بعناية مسار التطورات الحربية بين “حزب الله” والجيش الإسرائيلي على طول الحدود بين الطرفين من نقطة b1 عند شاطئ الناقورة الى تخوم مزارع شبعا ولا يكتفون بتقارير “اليونيفيل” فقط. ويبقى هؤلاء على تواصل مفتوح مع الأجهزة الأمنية اللبنانية. وسبق للملحقين معاينتهم برفقة الجيش اللبناني و”اليونيفيل” في 8 آب الفائت المواقع العسكرية اللبنانية والإسرائيلية ومراكز “أخضر بلا حدود” في إشراف العميد خليل شحادة قبل تقاعده. واطلعوا على أوضاع الخط الأزرق والمواقع الإسرائيلية مع ملاحظة ملحق شاهد جنوداً متطوعين في الجانب الإسرائيلي لا تتجاوز أعمارهم الثامنة عشرة عاماً في مشهد لم يره من قبل لدى المؤسسة العسكرية التي فقدت الكثير من صورتها في أذهان من يلتقي معها أو المعادين لها.
وتقول مصادر ديبلوماسية غربية إن الإسرائيليين منذ “طوفان الأقصى” في “7 أكتوبر” الفائت الذي نفذته “حماس” يعيشون “حالة من الهستيريا”. وبحسب المصادر الديبلوماسية، فإنه عند حلول موعد وقف إطلاق النار النهائي الذي سيحصل من دون تحديد موعده ستبدأ محاسبة العسكريين والقوى الممثلة في الحكومة وعلى رأسها بنيامين نتنياهو نتيجة الإخفاقات التي وقعوا فيها.
ولا تخلو التقارير الديبلوماسية لهذه السفارات من التوقف عند قدرات “حزب الله” العسكرية في الميدان حيث يخوض حرباً كلاسيكية على شكل مواجهات بين جيشين من خلال تبادل كميات النار الضخمة وإطلاق المسيّرات واستعمالها. وتبقى كل هذه التطورات العسكرية في الميدان في الجنوب محل متابعة مفتوحة من الملحقين العسكريين العاملين في سفارات دول غربية تتابع كل تفاصيل تعقيدات ما ينتظر لبنان على المستوى العسكري. ويتوقف أكثر من ملحق عند مسألة إقدام إسرائيل على استعمال هذا الكم من القذائف الفوسفورية التي لم تحرق عشرات الآلاف من أشجار الزيتون والسنديان فحسب بل تسهم في تخريب التربة وتلويثها.
وما يشغل الغربيين أيضاً هو أن تتوسع مساحة المواجهات في الجنوب وأن تصل الى طبعة عدوان تموز 2006 عندما وصلت النيران الى الضاحية الجنوبية ومحيط بيروت وأكثر من منطقة لبنانية. ومن الأمور التي يناقشها ديبلوماسيون وملحقون عسكريون كيفية نقل من يحملون جنسيات بلدانهم من مواطنيهم الأصليين واللبنانيين أيضاً الى بلدانهم. وتفقّد لهذه الغاية عاملون في طواقم السفارات الغربية مرفأ بيروت وتحديد النقاط التي سترسو فيها سفن مدنية وعسكرية لنقل كل من يحمل جوازات سفر هذه البلدان مع عائلاتهم على جناح السرعة في حال تدهور الوضع الأمني.
ويقول ديبلوماسي هنا إن بلاده مسؤولة عن كل من يحمل جنسيتها ولا تميّز بين إسرائيلي ولبناني. وبعدما وصلت ارتدادات غزة الى قلب أكثر من عاصمة ومدينة أوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وإسبانيا والسويد وغيرها يعترف ديبلوماسيون بأن آثار غزة وهجوم إسرائيل وقتلها للمدنيين وصلت ارتداداتها الى قلب ديارهم من خلال الانقسامات الموجودة بين مواطنيهم.
وأبلغ مثال على ذلك ما يحدث في لندن حيث لا تقتصر حركة التظاهرات على الفلسطينيين والعرب والمسلمين فحسب بل إن كثيراً من البريطانيين يشاركون في هذه الاحتجاجات ضد حكومتهم المساندة لتل أبيب وهم لا يخفون مناصرتهم للفلسطينيين ورفع راياتهم.
وفي مقابل جملة من الانتقادات الغربية وإن لم تتخطّ القفازات الديبلوماسية من باب إرضاء إسرائيل، يقول ديبلوماسي أوروبي يعمل في بيروت إن “غزة انتحرت” من جراء ما فعلته “حماس” في هجومها على المستوطنات الذي يصفه بـ”غير المدروس وغير الحكيم” بدليل ردود فعل الإسرائيليين في غزة حيث لن تنتهي هذه المواجهات إلا على طريقة “غالب أو مغلوب”، إذ من جهة تل أبيب لن تكون النهايات على طريقة هدنة أو التوصل الى قرار من نوع 1701 يبقيان الأمور مفتوحة.
رضوان عقيل – النهار