سَرت مؤخراً تسريبات وأحياناً «مواقف جازمة» بأنّ الهدنة الانسانية المؤقتة التي تم الاتفاق عليها بين الكيان الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية، والمفترض ان تبدأ اليوم الجمعة، بعد تأجيلها من يوم أمس لأسباب وصفت بأنها «تقنية»، قد تسري على جبهة الجنوب اللبناني مع فلسطين المحتلة، إستناداً الى جملة عوامل، منها الضغوط الغربية على لبنان واسرائيل لمنع توسّع الحرب أكثر، وإرهاق جيش الاحتلال الاسرائيلي الذي يحشد على الجبهة مع لبنان ثلث جيشه تقريباً ولم يشهد يوم راحة منذ التاسع من تشرين الاول الماضي، ما يضطرّه الى الموافقة على الهدنة المؤقتة في لبنان ايضاً، لالتقاط أنفاسه وإراحة جنوده من الضغط الذي تحدثت عنه وسائل إعلام عبرية كثيرة، ولتخفيف خسائره واعتماد نمط جديد من المواجهة.
هذا علماً انّ المعلومات تفيد انّ المقاومة في لبنان لم تحشد على الجبهة اكثر من 10 او 15 بالمئة من قدراتها العسكرية، بسبب نمط القتال الذي تستخدمه بإشغال الجيش الاسرائيلي فقط وإبقائه في حال جهوزية واستنفار دائمين وتشغيل كامل ماكينته الحربية، من دون الالتحام المباشر معه. كما أن احصاءات المقاومة عن خسائر جيش الاحتلال بعد الرصد الدقيق للمواقع التي استهدفتها، وايضاً استناداً الى تقارير مستشفيات شمال فلسطين، تفيد انّ عدد الجرحى من الجنود والمستوطنين فاق الـ 1500 مصاب منذ بدء المواجهات في 9 تشرين الأول. اما عدد الجنود فقط بحسب إحصاء المقاومة للفترة الممتدة بين 8 تشرين الاول حتى 22 منه، فبلغ اكثر من 354 بين قتيل وجريح، عبر تنفيذ 275 عملية استهداف لـ40 موقعاً عسكرياً و5 مستوطنات عند الحدود وتم إخلاء نحو 70 الف مستوطن من 43 مستوطنة. عدا عن ضَرب 15 تموضعاً عسكرياً للجنود، 21 نظامَ تشويش، و35 منظومة استخبارات و77 منظومة اتصالات و170 كاميرات مراقبة، و47 راداراً، و21 آلية متنوعة، وإسقاط 3 طائرات مُسيّرة.
ومن عوامل الاعتقاد ايضاً باحتمال سريان الهدنة على لبنان، ما يتعلق بالمواطنين المدنيين على جانبي الحدود، الذين هجروا منازلهم واراضيهم ومزروعاتهم وقد حانَ قطاف بعضها كموسم الزيتون مثلاً ويسعون الى تفقدها لا سيما المتضررة منها، وجلب الكثير من الاحتياجات التي تركوها تحت ضغط المعارك، وإمّا لتفقّد الاهل والاقارب الباقين في قراهم بعد سقوط شهداء مدنيين من الاهالي.
وبغضّ النظر عن الاحتمالات الواقعية الممكنة لشمول هدنة غزة جنوب لبنان وشمال فلسطين، فإنّ احتمالات عدم شمولها هذه الجبهة وارِد ايضاً لأسباب موضوعية وواقعية ايضاً، منها تهديدات قادة الاحتلال السياسيين والعسكريين انه بعد الانتهاء من غزة سيأتي دور «حزب الله»، والمواقف الاميركية والغربية التي ما زالت تدعم ما تصِفه «حق إسرائيل بالدفاع عن النفس» في حال تعرّض مواقع الاحتلال للقصف، عدا عن انّ قيادة الاحتلال العسكرية والسياسية قد تستمر في انتهاكاتها للمناطق والسيادة اللبنانية ما يستوجب رداً من المقاومة فيبقى التوتر قائماً ولو على نحوٍ أخف.
ولو كانت هناك ثقة كاملة بأنّ جبهة الجنوب ستهدأ، لما كان وزير خارجية ايران امير حسين عبد اللهيان زار بيروت لتوكيد التهدئة ما لم يخرقها الاحتلال، وحيث اختصر الزيارة السريعة بلقاءات مع الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي والسيّد حسن نصر الله وغادر الى الدوحة لمتابعة جهود التهدئة وهدنة غزة. ولَما استمرّت الرسائل الفرنسية والغربية عموماً الى لبنان والكيان الاسرائيلي حتى يوم امس طالِبة منع توسيع الحرب لتمرّ الهدنة في غزة على خير. وسط معلومات عن احتمال كبير بأن يقوم الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان بزيارة بيروت لبحث الاستحقاقين الرئاسي والعسكري في الجنوب، على ما أعلن السفير الفرنسي في بيروت هيرفي ماغرو. لذلك، ليس بالضرورة ان تنعكس هدنة غزة اليوم تهدئة كاملة في جبهة الجنوب، فتطورات الميدان وحساباته وربما أخطاؤه قد تُبقي فتيل المواجهات مشتعلاً.
غاصب المختار – الجمهورية