كتبت صحيفة “الجمهورية”: في موازاة التهديدات التي تناوبت عليها المستويات السياسية والعسكرية الاسرائيلية بشن جولة أكثر قساوة وعنفاً في حرب الدمار الشامل التي تشنّها اسرائيل على قطاع غزة، تلاحقت التطورات في الساعات الاخيرة، على نحو نجحت فيه المساعي في تمديد الهدنة ليومين إضافيين. الّا انّ هذا المشهد قد لا يخلو من اي مفاجآت في آخر لحظة، من شأنها ان تقلب الامور رأساً على عقب، وتعيد إشعال الميدان العسكري.
واللافت في هذا السياق، ما ذكرته وكالة «فرانس برس» من أنّ اسرائيل اقترحت على حركة «حماس» خيار تمديد الهدنة. وذكرت الإذاعة الاسرائيلية بأنّ اسرائيل تنتظر ردّ «حماس» بشأن تمديد الهدنة يوماً واحداً مقابل الإفراج عن 10 اسرى». فيما كشفت وكالة «رويترز» أنّ مصر تقول انّ تمديد الهدنة ليومين سيشمل اطلاق سراح 20 اسيراً اسرائيلياً و60 اسيراً فلسطينياً».
على أنّ الأبرز في هذا السياق ما اعلنه المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الابيض جون كيربي، بأنّ الاسرائيليين وافقوا على مواصلة وقف القتال لتحرير مزيد من الرهائن ولدخول المزيد من المساعدات». ويتزامن ذلك مع ما كشفته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية بأنّ الجيش الإسرائيلي بحاجة إلى فترة زمنية من أجل إنعاش قواته وتجهيزه للخطوة المقبلة، ولا يشعر الجيش بحاجة ملحّة لاستئناف القتال في قطاع غزة، وأنّه يدعم تمديد الهدنة مقابل تحرير المزيد من المحتجزين الإسرائيليين».
«حزب الله»: جهوزية
واما لبنانياً، وعلى ما هو متوقّع، فإنّ الهدنة الجديدة ستنسحب تلقائياً على الجبهة الجنوبية على نحو ما تمدّدت اليه هدنة الايام الاربعة». وعلى ما تؤكّد اوساط قريبة من «حزب الله» لـ«الجمهورية»، فإنّ تطورات الجبهة الحدودية مرتبطة بتطورات الميدان في غزة، وقالت «انّ المقاومة الاسلامية في قلب المعركة منذ الثامن من تشرين الاول الماضي، ولن تخرج من الميدان، وجهوزيتها كاملة لمواكبة تطورات الميدان العسكري في غزة، اياً كانت هذه التطورات، وكذلك لمنع ايّ عدوان اسرائيلي على لبنان، وبالتالي فإنّ المقاومة لن تترك اسرائيل العدو طالما يواصل عدوانه على غزة».
القرار 1701
في هذه الأجواء، كشفت مصادر سياسيّة واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية»، أنّ «الحركة الديبلوماسية الغربية ما زالت تركّز على أولوية تجنيب لبنان احتمالات الحرب، وتحذّر من عواقبها الوخيمة»، مشيرة الى انّه على رغم تأكيدات المسؤولين اللبنانيين على عدم الرغبة انخراط لبنان في حرب واسعة، فإنّ الوضع في منطقة الحدود ما زال يبعث على القلق، وقائد قوات «اليونيفيل» الجنرال ارولدو لازارو، عبّر عن مخاوف حقيقية من أنّ اي تصعيد اضافي في جنوب لبنان يمكن ان تكون له عواقب مدمّرة».
ولفتت المصادر عينها الى أنّ جهات غربية أبلغت الى مسؤولين لبنانيين خشيةً كبرى من أن تخلق الوقائع الحربية على خط حدود لبنان الجنوبية، واقعاً جديداً يتجاوز بخطورته القرار 1701، ويصعّب مهمّة قوات «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان، بل ويحيط هذه القوات بمخاطر».
وتندرج في هذا السياق زيارة المنسقة الخاصة للامم المتحدة في لبنان يوانا فرونتيسكا الى كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، التي شكّل الوضع على الحدود الجنوبية نقطة البحث الأساس، حيث شدّدت المسؤولة الأممية على ضرورة التمسك بالقرار 1701 وتنفيذه على ارض الواقع، مؤكّدة على حماية لبنان من الحرب في المنطقة وضرورة الشروع في الاصلاحات وتفعيل دور مؤسسات الدولة وانتخاب رئيس للجمهورية. وخلصت الى القول بأنّ مجلس الأمن الدولي يهتم بموضوع لبنان، لأنّ له دوراً استراتيجياً في المنطقة، كما انّ موقف مجلس الأمن موحّد في شأن لبنان».
المشهد السياسي
سياسياً، بدا جلياً انّ احداً من المكونات السياسية في لبنان لم يكن على علم مسبق بزيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت، او بما يحمله معه لتحريك الملف الرئاسي.
وما خلا حجز مواعيد للموفد الرئاسي مع الرئيسين بري وميقاتي والعديد من الشخصيات السياسية والنيابية، لمباشرة لقاءاته بهم اعتباراً من يوم غد الاربعاء، فإنّ علامات استفهام مرتسمة في الأوساط السياسية على اختلافها حول الدافع الأساس لهذه الزيارة المفاجئة في هذا التوقيت بالذات، وثمّة اسئلة كثيرة تُطرح حول ما اوجبها على مسافة ايام قليلة من زيارة غير معلنة قام بها الموفد القطري الشيخ جاسم بن فهد آل ثاني الى بيروت الاسبوع الماضي.
لودريان: إحياء فرصة
وأبلغت مصادر ديبلوماسية في باريس الى «الجمهورية» قولها، انّ فرنسا على تشاور دائم مع اصدقاء لبنان الذين تتشارك معهم النظرة القلقة الى وضعه، وضرورة مساعدته في تخطّي أزماته. لافتةً الى أنّ زيارة لودريان الى بيروت كان مقرّراً القيام بها بعد فترة قصيرة من زيارته الاخيرة، اي بين اواخر ايلول ومطلع تشرين الاول الماضيين، الّا انّ البرنامج تعدّل جراء أحداث 7 تشرين الاول في غزة».
ولفتت المصادر الى انّ زيارة لودريان في جوهرها تأتي في سياق محاولة لإحياء فرصة يرى قصر الايليزيه وجوب ان يتلقفها اللبنانيون في هذه الظروف الصعبة التي تمرّ فيها منطقة الشرق الاوسط، والتشارك في وضع الحصان امام العربة، اي انتخاب رئيس للجمهورية على وجه السرعة، فالوقت بات ضيّقاً جداً، وحرجاً، ونفاده يُخشى أن يؤدي إلى مصاعب كثيرة وعواقب غير محسوبة».
ورداً على سؤال عمّا اذا كان لودريان آتياً الى بيروت مسلّحاً بأفكار جديدة او طروحات فيها شيء من الإلزام للمكونات السياسية في لبنان، قالت المصادر: «مهمّة لودريان مساعدة اللبنانيين في التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، ولا احد يتحدث عن ضغوط او امور تُفرض عليهم، وما نراه ملحّاً أنّ على اللبنانيين أن يقدّروا مصلحة لبنان في هذه الظروف، خارج الحسابات السياسية التي ألحقت الضرر الكبير بالشعب اللبناني».
يُشار في هذا السياق، الى انّ باريس، ووفق مصادر موثوقة، تعتبر انّ الحسابات السياسية والحزبية هي التي تتحكّم بمسار اللعبة السياسية في لبنان، ومن نتائجها المباشرة تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية، وكذلك الخلاف العميق على قيادة الجيش والانقسام حولها بين فريق مؤيّد لإنهاء ولاية قائد الجيش العماد جوزف عون ويدعو الى تعيين قائد جديد، وبين فريق آخر يدعو الى التمديد له وتأخير تسريحه، وهو الأمر الذي يزيد من تعقيدات هذه المسألة».
مهمّة صعبة
على أنّ مصدراً سياسياً مسؤولاً ابلغ الى «الجمهورية» قوله، «انّ زيارة لودريان، سواء أكان يحمل افكاراً جديدة، او أفكاراً قديمة، هي زيارة جيدة ومشكورة لا بل مطلوبة، حيث آمل أن تساهم في إنزال الملف الرئاسي عن الرف وإعادة تحريكه في اتجاه التعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية».
إلّا أنّ المصدر، ورداً على سؤال عمّا اذا كانت زيارة لودريان تزاحم الحراك القطري في ما خصّ الملف الرئاسي، قال: «لا املك ما يؤكّد وجود مزاحمة او ما شابه ذلك، فلننتظر ما سيطرحه من افكار، وفي ضوئها يُبنى على الشيء مقتضاه. لقد سمعنا في الاعلام عن انّ لودريان التقى القطريين وكذلك السعوديين. فضلاً عن أنّ الموفد القطري في حراكه الاخير في بيروت، الذي استمر حتى يوم الجمعة من الاسبوع الماضي، كان يتحّرك في سياق مبادرة قطرية وافكار قطرية والأجواء كانت مقبولة».
الاّ انّ مصادر مواكبة للحراكات الخارجية تجاه لبنان اكّدت عبر «الجمهورية»، انّ مهمّة الموفد القطري في لبنان اعترتها صعوبات كثيرة، حالت دون تمكّنه من جذب الأطراف الى التفاهم على خيار رئاسي، وكذلك الامر بالنسبة الى مهمّة لودريان التي يمكن القول قبل وصوله انّها ايضاً صعبة جداً. واما السبب فهو شديد الوضوح، حيث أنّ الداخل اللبناني جامد امام جدار التعطيل، فلا توجد اي اشارة داخلية من اي طرف معني برئاسة الجمهورية تؤشر إلى تبدّل في المواقف من الإستحقاق الرئاسي أو إلى تراجع عن الشّروط المتصادمة، أو إلى الإستعداد للجلوس على الطاولة وبحث الخيارات الرئاسيّة. وبالتالي فإن كانت زيارة لودريان محصورة بتكرار طروحاته السابقة في ما خصّ دعوة اللبنانيين الى الحوار، وقوله انّ سليمان فرنجية وجهاد ازعور لم يبلغا عتبة الفوز برئاسة الجمهورية في الجلسة الاخيرة التي عقدها مجلس النواب، وانّ الأسلم هو البحث عن خيار ثالث، الجواب واضح حول ذلك، سبق وحمله في زيارته الاخيرة في ايلول الماضي حيث غادر بيروت خالي الوفاض.
وبحسب المصادر، فإنّه بمعزل عمّا اذا كانت الزيارة منسّقة مع القطريين اوغيرهم، فإنّ أكثر ما يصعّب مهمّة لودريان في هذه الفترة، أمران، الأول هو رهان بعض المكونات السياسية على انّ التطورات الميدانية والعسكرية في المنطقة قد تخلق توازنات ومعادلات جديدة ستلفح لبنان حتماً، وتشكّل حافزاً للبعض لأن يستثمر عليها و»تقريشها» بما يحقّق مكاسب سياسية لفريقه السياسي. واما الأمر الثاني فهو أنّ فئة من اللبنانيين، باتت تشكّك علناً بالدور الفرنسي، ولا ترى انّ فرنسا في مقدورها ان تلعب دور الوسيط النزيه والمحايد في اي استحقاق لبناني، وخصوصاً الاستحقاق الرئاسي ربطاً بموقفها الذي اتخذته بالانحياز الكامل الى جانب اسرائيل في حربها التدميرية على قطاع غزة».
ملف التمديد والتعيين
من جهة ثانية، بات الملف المتعلق بتأخير تسريح قائد الجيش العماد جوزف عون او تعيين قائد جديد للجيش اسير ضيق الوقت، حيث بات يضغط بقوة مع اقتراب فترة انتهاء ولاية العماد عون.
وفيما بات اكيداً انّ خيار تعيين قائد جديد قد سُحب من التداول نهائياً، يُنتظر ان يسلك هذا الملف مساره نحو الحسم بتأخير تسريح قائد الجيش، أكان في جلسة لمجلس الوزراء او في جلسة تشريعية يعقدها مجلس النواب في بدايات الشهر المقبل، يُحدّد موعدها بعد اجتماع يدعو اليه رئيس المجلس لهيئة مكتب مجلس النواب، رجحت مصادر وزارية عبر «الجمهورية» أن يُطرح هذا الأمر في جلسة مجلس الوزراء التي سيدعو اليها رئيس حكومة تصريف الاعمال في وقت قريب. والشرط الأساس لذلك هو اكتمال نصاب انعقاد الجلسة.
وتعتبر «القوات اللبنانية»، انّه اذا ما تعذّر التمديد في مجلس الوزراء، فإنّ الحل موجود في الاقتراح الذي تقدّمت به «القوات اللبنانية» بالتمديد سنة لقائد الجيش، ووعد رئيس المجلس بإدراجه في جدول اعمال الجلسة التشريعية التي سيدعو اليها. فيما اكّد عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب وائل ابو فاعور «أنّ المؤسسة العسكرية لا تحتمل أي فراغ أو شغور، والحل يكمن في التمديد للعماد عون وتعيين مجلس عسكري الى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية». مضيفاً «أنّ المسار الحكومي لمعالجة الملف لا يبدو سالكا حتى اللحظة، أما المسار البرلماني فهو مرتبط بموقف الاطراف»، مشدّداً على أنّ المطلوب من الأطراف السياسية أن تبدي مرونة أكثر في هذا المجال. وقال: «هناك طروحات عدة ويمكن ايجاد صيغة توافقية والسير بها».
«التيار»: «ما بيمشي»
واللافت في هذا السياق، ما قاله عضو «تكتل لبنان القوي» النائب آلان عون بأنّ «الحل في ما يتعلق بقيادة الجيش هو بالتعيين أو بالتمديد، وكل ما هو غير واضح بالقانون «ما بيمشي». مضيفاً: «إنّ المطلوب إيجاد حل لملف قيادة الجيش بعيداً من التجاذبات السياسية والإعلامية، فالوقت يداهمنا ويجب التعاطي بكل مسؤولية حول قيادة الجيش في ما تبقّى من وقت».
وكان هذا الموضوع مدار بحث بين البطريرك الماروني مار بشارة الراعي والنائب فريد هيكل الخازن، حيث كان تأكيد خلال اللقاء، على ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، وإيجاد السبل لحماية المؤسسة العسكرية، بحيث أكّد الخازن انفتاحه على كل الاحتمالات التي تخدم مصلحة المؤسسة العسكرية، باستثناء تعيين قائد جديد للجيش، لا سيما وانّ ذلك يجب ان يحصل بمعية رئيس الجمهورية الذي هو القائد الاعلى للقوات المسلحة وفقاً لأحكام الدستور.