كما كان متوقعا فقد تم تمديد الهدنة الانسانية في غزة ليومين إضافيين بوساطة قطرية بين حركة المقاومة الإسلامية حماس وإسرائيل، وذلك إفساحًا في المجال أمام إعداد لائحة جديدة تضم ٢٠ إسما من الأسرى مقابل الأفراج عن ٦٠ معتقلا فلسطينيا من سجون الإحتلال.
تمديد الهدنة للمرة الأولى، يضع غزة أمام عدة سيناريوهات وصولا الى وقف إطلاق النار فيها، لجهة:
أولا: سعي أميركا التي تعتبر صاحبة القرار في هذا العدوان الى منح إسرائيل إنجازًا سياسيا مقابل إستمرار أيام الهدنة، ومحاولتها إنتزاع تنازلات من حماس تفضي الى تسليم غزة للسلطة الفلسطينية او إرسال قوات دولية اليها أو وضعها تحت وصاية عربية، وهذا الأمر مستبعد كونه يتطلب هزيمة المقاومة الفلسطينية في حين أنها إنتصرت ولن ترضى بعد هذا الصمود الاسطوري أن تعطي بالسياسة ما لم يستطع العدو الحصول عليه بالعدوان.
ثانيا: أن تشهد غزة بعد الهدنة معركة عنيفة وأقوى مما كانت عليه على صعيد الجبهات مع تجنب إستهداف المدنيين لعدم إستفزاز الرأي العام العالمي.
والمطلوب أن تكون هذه الحرب قصيرة جدا يقدم فيها الأميركي جهدا إستخباريا لتمكين إسرائيل من تحقيق إصابات مباشرة في صفوف قادة المقاومة أو في مراكزها أو في أنفاقها بما يحفظ ماء وجهها ويمنحها إنجازًا تستطيع أن تجلس عبره على طاولة المفاوضات من موقع قوة يخولها فرض شروطها بما يجعلها تخرج من الحرب غير مهزومة.
ثالثا: أن تقتنع أميركا بعجز إسرائيل عن تحقيق أي إنجاز في غزة وأن ما لم تستطع تحقيقه في ٤٨ يوما لن تنجح في تحقيقه بأيام معدودات بعد الهدنة، وبالتالي فإنها ستضغط من أجل إطالة أمد الهدنة وإخراج أكبر عدد من الاسرى، والعمل على حماية إسرائيل وترك نتنياهو يواجه مصيره.
لا شك في أن المقاومة الفلسطينية تتصرف بذكاء خارق يُحرج الاسرائيلي ويكشف زيف إدعاءاته، خصوصا أنها حرصت على تسليم الأسرى في شمال غزة من دون أن يكتشف أحد من أين خرج الأسرى والى أين عاد المجاهدون.
كما حرصت المقاومة على تنظيم إستعراض عسكري لها في ساحة فلسطين في غزة بمشاركة شعبية كثيفة، ما أظهر كذب ودجل إسرائيل التي سبق وأعلنت انها تسيطر على ساحة فلسطين بالنار، وان ابناء شمال غزة قد نزحوا منها، وبالتزامن مع ذلك فرضت المقاومة إدخال المساعدات الى غزة.
لم يعد بإمكان إسرائيل تسويق عدوانها على غزه، في ظل رأي عام عالمي بدأ بإدانتها وإتهامها بإرتكاب جرائم إبادة جماعية فيها، فهل تستطيع إسرائيل تجديد العدوان وقتل الأطفال والمدنيين في ظل التحول في المواقف، لا سيما موقف رئيس وزراء بلجيكا لجهة إدانة العدوان وإستنكار قتل المدنيين ورئيس وزراء إسبانيا الذي تحدث عن ضرورة الاعتراف بدولة فلسطين، ما دفع حكومة الاحتلال الى إستدعاء السفيرين البلجيكي والاسباني للاستفسار عن هذا الموقف، في حين إستدعت الحكومة الاسبانية السفير الاسرائيلي لديها وقامت بتأنيبه.
أمام هذا الواقع، هل تستطيع أميركا أن تضحي بجزء من قيمتها وأن تستمر بدعم إسرائيل التي تتعرض لإنقلاب في المواقف العالمية منها؟ وهل تستطيع أميركا أن تواجه إنتقادات الكونغرس والتشديد على ضرورة أن يكون الدعم لإسرائيل مشروطا؟، وهل تستطيع أن تستمر بالجهد الاستخباراتي في ظل عجز إسرائيل عن تحقيق أهدافها في إسقاط المقاومة التي ما تزال تستهدف العمق الاسرائيلي بالصواريخ وتجبر السكان على إلتزام الملاجئ.
ثم بعد ذلك، الى متى ستصمت روسيا والصين وكامل محور المقاومة عما يجري في غزة؟، وإذا كانت إسرائيل ضائعة وغارقة في مساحة صغيرة جدا مثل غزة، فماذا سيكون عليه وضعها في حال فتحت عليها كل الجبهات؟ وفي حال حصل ذلك، كيف يمكن لأميركا أن تستمر بهذا الدعم، ولها قواعد وجنود ومصالح تنتشر في المنطقة؟، وهل تجازف أميركا بكل ذلك من أجل دعم إسرائيل، أم أن الرئيس جو بايدن سيسعى الى مزيد من أيام الهدنة وصولا لإتفاق على وقف إطلاق نار يُخرج أميركا من هذا المستنقع الذي يتوسع بشكل تدريجي منذ السابع من أكتوبر!..
غسان ريفي – سفير الشمال