كتبت صحيفة “البناء”: تبدو واشنطن وقد تلقت الدرس الصعب، فما جرى في 7 تشرين الأول وما تلاه قال لها إنها تعيش عبر قادتها حالة غربة كاملة عن حقائق المنطقة، وإن حساباتها وتقديراتها لا تشبه بشيء ما يجري، وإن استخفافها بما تستطيعه قوى المقاومة ومبالغتها بتقدير قدرة ردعها والقدرة التي يمتلكها جيش الاحتلال، كانا وراء الكارثة التي تواجهها بعدما بات ثابتاً أن كيان الاحتلال عالق في عنق زجاجة، لا يستطيع وقف الحرب وتجرّع كأس الهزيمة المرة والصعبة، ولا يستطيع مواصلة الحرب التي بات محسوماً أنه لن يحقق فيها النصر الموعود. وأدركت واشنطن أنها عالقة معه بعدما ردّدت شعارات حربه وتبنتها ووضعت مكانتها ومعادلات ردعها في كفة ميزان هذه الحرب بوجه قوى المقاومة، وتلقّت صفعة قاسية محرجة من البحر الأحمر الى قواعدها في سورية والعراق وصولاً إلى جبهة لبنان المفتوحة التي لم تقم حساباً للتحذيرات الأميركية، وواشنطن عالقة أكثر من تل أبيب بعدما اضطرت لردّ الاعتبار لمكانة الشرق الأوسط في الأولويات واكتشفت أن فيه الترجمة الحقيقيّة لمعارك التنافس الدولي بينها وبين كل من روسيا والصين. كما اكتشفت أن القضية الفلسطينية ليست مجرد بؤرة توتّر، بل هي القضية القادرة على تحريك الشارع العربي، وتغيير توازناته، وبفضلها على سبيل المثال تحوّل أنصار الله بنظر ملايين العرب من مصدر خطر على الأمن القومي العربي بداعي علاقتهم بإيران الى حارس الأمن القومي العربي من موقع ما فعلوه لنصرة فلسطين. وبقي أهم ما اكتشفته واشنطن وفاجأها هو أن الشارع الأميركي تتم إعادة صياغته على إيقاع المشهد الجديد في المنطقة، وأن خوض معركة استرداد الشارع لتأييد إدارة الرئيس جو بايدن في سنته الانتخابية يبدأ من هنا.
تمّ نقل الملف من ثنائية أنتوني بلينكن وزير الخارجية وجايك سوليفان مستشار الأمن القومي، إلى الخبير الدبلوماسيّ ورئيس الجهاز الأمني الأهم الـ»سي آي أي»، وليام بيرنز، الذي يعرف المنطقة جيداً، ومهمته البحث عن مخارج، فبدأ من أمس ويواصل اليوم برعاية رئيس حكومة قطر ووزير خارجيتها محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، اجتماعات عمل لفرق أمنية ودبلوماسية وخبراء، أميركيين ومصريين وإسرائيليين، حيث يحضر رئيس المخابرات المصري ووفد مرافق ومثله رئيس الموساد ووفد مرافق، والبحث جار عن إمكانية تسويق تسوية تضمن وقف الحرب في غزة وفتح مسار سياسي وإنجاز تبادل كامل للأسرى، وفق صيغة تتيح إنتاج صيغة فلسطينية تختفي في قلبها حماس وتتيح لـ«إسرائيل» فرصة القول بأن لديها ضمانات وإنجازات تتيح إعلان وقف الحرب؟
ميدانياً، اعترف جيش الاحتلال بأنه خسر في الحرب الكثير وأول الغيث الإعلان عن 1000 جريح بينهم 200 إصاباتهم خطيرة، بينما تتوقع مصادر المقاومة أن يعلن المزيد من الخسائر وانتقال بعض الجرحى إلى عداد القتلى، بينما يبدو أن تركيز جيش الاحتلال انتقل إلى الضفة الغربية، خصوصاً مخيم جنين الذي يُعتبر بنظر قادة الاحتلال عقدة محورية إذا تمّ كسرها صار الضغط على الضفة أشدّ فاعليّة وأهميّة وجدوى.
في بيروت أقامت قناة «الميادين» حفل تأبين لشهدائها فرح عمر وربيع معماري وحسين عقيل، وخلال الحفل أعلن وزير الإعلام زياد مكاري عن نية لبنان رفع دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية في قضية اغتيال الصحافيين اللبنانيين، ومنهم شهداء «الميادين»، وأن الأمر في أيدي لجنة مشتركة من وزارتي العدل والإعلام.
على وقع الهدنة التي ستتمدّد لأيام أخرى وفق المعلومات الآتية من قطر التي تشهد مفاوضات شاقة بين مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ورئيس جهاز الموساد الإسرائيلي ومسؤولين قطريين ومصريين، وفيما الهدوء الحذر يسود الجبهة الجنوبية، تنتظر الساحة الداخلية الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الذي يصل اليوم الى بيروت لإجراء مروحة مشاورات مع المسؤولين اللبنانيين على الملف الرئاسي وملف الحدود وتطبيق القرار 1701، إذ يلتقي لودريان رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وقائد الجيش العماد جوزاف عون، ومن المتوقع أن يلتقي شخصيات سياسية عدة ومسؤولين في حزب الله.
وأشارت مصادر مواكبة للحراك الخارجي الدبلوماسي باتجاه لبنان لـ«البناء» الى أن «المبعوث الفرنسي يحمل ملفين بيده، الأول يتعلق بالاستحقاق الرئاسي بعدما شعر الفرنسيون أن استمرار الشغور الرئاسي بات يشكل خطراً على الكيان اللبنانيّ، حيث يتمدّد الفراغ الى مختلف المؤسسات المالية والنقدية والأمنية والعسكرية والقضائية كما تتعطّل المؤسسات الدستورية مثل الحكومة ومجلس النواب، وبالتالي انتخاب رئيس للجمهورية يعيد عجلة المؤسسات الى طبيعتها، أما ما يجعل انتخاب الرئيس أكثر إلحاحاً وضرورة هو الخطر الفعلي المحدق بالحدود مع فلسطين المحتلة في ضوء الحرب على قطاع غزة وتمددها الى الحدود اللبنانية ما يرفع نسبة تجدد المواجهات العسكرية بين حزب الله والقوات الاسرائيلية وتمددها الى كل لبنان». ومن هذا المنطلق وفق المصادر يحمل لودريان «رسائل الى الحكومة اللبنانية والمسؤولين بضرورة احتواء الموقف على الحدود وتجنب انزلاق الحرب في غزة والجنوب الى حرب موسّعة تزيد الأعباء الكبيرة على لبنان، ولذلك الحل بتطبيق القرار 1701 وتفعيل عمل القوات الدولية والجيش اللبناني وتقييد حركة المجموعات المسلحة على الحدود».
ووفق مصادر «البناء» فإن لودريان سيسمع من المسؤولين ما أبلغوه سابقاً للكثير من الموفدين والرسل الأوروبيين والأميركيين والعرب، بأن «لبنان ليس المعتدي، بل عليكم الذهاب الى «إسرائيل» والضغط على حكومتها بعدم الاعتداء على لبنان ووقف الحرب على غزة والالتزام بالهدنة وتبادل الأسرى وفك الحصار عن غزة. وهذا بطبيعة الحال ينعكس على لبنان بالهدوء على الجبهة الجنوبية».
وعشية وصول لودريان الى لبنان، بعث الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون برسالة الى الرئيس نجيب ميقاتي بمناسبة عيد الاستقلال، شدّد فيها على أن «تهيئة الظروف المناسبة لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية وتشكيل حكومة عمل أمر ملحّ، وأن ممثله الشخصي، جان ايف لودريان، يواصل العمل في هذا الاتجاه». وقال ماكرون: «إن فرنسا، ونظراً للعلاقات التاريخية التي تربط بلدينا، تضاعف جهودها لتعزيز استقرار لبنان وأمنه واستقلاله. ونحن دعمنا هذه الأهداف باستمرار».
وأوضح ماكرون أن «امتداد رقعة الصراع إلى لبنان سيكون له عواقب وخيمة على البلد وعلى الشعب اللبناني. تدرك فرنسا أن لديها مسؤولية فريدة تجاه بلدكم، مسؤولية تترجم بشكل خاص من خلال الدور الذي نضطلع به ضمن قوات حفظ السلام اليونيفيل. يجب ألا يُستخدم أي طرف الأراضي اللبنانية بشكل يتعارض مع مصالحه السيادية. وعلينا اليوم تجنّب الأسوأ. لذلك أحثّكم على مواصلة جهودكم في هذا الاتجاه».
أضاف: «كنت قد أكدت لرئيس الوزراء الإسرائيلي، في كل مرة تواصلت معه، كل الاهتمام الذي نوليه لبلدكم وأعربت له عن قلقي إزاء مخاطر التصعيد وامتداد الصراع الى لبنان». وتابع «بالإضافة إلى هذه القضية الأساسية، هناك حاجة ملحة لتحقيق الاستقرار في المؤسسات اللبنانية. فالشغور الرئاسي المستمر منذ أكثر من عام يُلقي بثقله على قدرة البلاد على الخروج من الأزمة الحاليّة وتجنّب التدهور الأمني المرتبط بالحرب المستمرّة في غزة. فمن دون رئيس أو حكومة فاعلة، لا احتمال للخروج من المأزق الأمني والاجتماعي والاقتصادي والمالي الذي يعاني منه في المقام الأول الشعب اللبناني».
وأكد ماكرون لميقاتي في ختام الرسالة، أن «فرنسا تقف اليوم إلى جانب لبنان كما هي الحال دائماً».
إلا أن أوساطاً سياسية في فريق المقاومة أوضحت لـ«البناء» أن «لبنان يلتزم بكل القرارات الدولية ولم يبدأ بالحرب ولا زالت «إسرائيل» تحتل جزءاً كبيراً من أرضه لا سيما مزارع شبعا والغجر وتلال كفرشوبا ومن حقه استرجاعها وفقاً للبيان الوزاري للحكومة، ولكن العدو الإسرائيلي يضرب بعرض الحائط ويدوس على كافة القرارات الدولية ويخرق القرار 1701 يومياً ويعتدي على لبنان، وبالتالي لبنان بحالة الدفاع عن النفس». كما أوضحت أن «حزب الله التزم قواعد اشتباك معينة ورسم إطاراً للحرب ضمن عمق معين من الحدود والمواقع العسكرية والأمنية، لكن العدو وسّع هذه القواعد باستهدافه مناطق بعيدة عن خطوط الاشتباك وأهداف مدنية وصحافية ما دفع المقاومة للردّ بالمثل»، وشدّدت المصادر على أن «الوضع الأمني على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة مرتبط بمجريات الوضع في غزة، فإن تمّ تمديد الهدنة الى هدنة طويلة، فالمقاومة تلتزم الهدنة، لكن بحال استأنف العدو الإسرائيلي عدوانه على غزة، فإن المقاومة ستعود الى الميدان بالمستوى الذي تراه مناسباً، وبالتالي كل الضغوط والرسائل الخارجية لن تجدي نفعاً». ولفتت المصادر الى أن «الموقف الفرنسي بالوقوف مع العدو الإسرائيلي في بداية الحرب أثر على الدور الفرنسي في لبنان والمنطقة». وتوقعت المصادر أن يتطور الوضع على «الجبهة الجنوبية في أي وقت بحال تطور الوضع في غزة».
وفي سياق ذلك، تحدث قادة إسرائيليون، بحسب موقع «والاه» العبري، عن «حال تأهب مرتفعة واستعداد سيستمر لوقت طويل على الجبهة الشمالية مع لبنان طالما كان ذلك ضروريًا».
وبحسب كلام الضباط، فهناك شعور وسط المستوطنين أنّ «الوضع عند الحدود اللبنانية قابل للانفجار. هناك تهديد مستمرّ من إطلاق صواريخ مضادة للدروع، قذائف هاون وصواريخ وخشية من عمليات اختراق قوة الرضوان التي ستحاول البحث عن نقطة ضعف عند الحدود. لا أحد يستبعد إمكان حدوث أي سيناريو، وحتى استخدام طائرات انتحارية من دون طيار والمحلّقات مع قنابل يدوية، فالوضع هنا متوتر جدًا».
وبعض جنود الاحتياط يحمون المستوطنات، كما كتب موقع «والاه»، في حين أن المستوطنين في الشمال لم يعودوا إلى منازلهم ومناطق كاملة تحوّلت إلى مدن أشباح. وقالوا: «في هذا الوضع؛ المدنيون لا يمكنهم العودة إلى الشمال».
وأشار موقع «والاه» إلى أن جهاز العلوم السلوكية في الجيش الصهيوني بدأ بتوزيع استطلاعات لجنود الاحتياط، في مختلف الفرق، لـ«تقييم مستوى الحافزية لدى القوات، والارتباط بالمهمة الطويلة بعد مرور حوالى شهرين، وشروط الخدمة»، خاتمًا بالقول: «من المهمّ الإشارة، إلى أنه ما تزال هناك مشكلات في التجهيزات والتموين الغذائي بشكل خاص على خلفية الأحوال الجوية الشتوية».
في المواقف الداخلية، لفت عضو المجلس المركزي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق، الى أنه «عندما خضنا حرب استنزاف حقيقيّة على مدى 46 يوماً، وعلى طول الحدود اللبنانية الفلسطينية، هزمنا إسرائيل عسكرياً، وكسرنا القرار الأميركي في المنطقة، لنثبت أن الزمن تغيّر، وأنه زمن الانتصارات»، معتبراً أن «عمليات المقاومة في الجنوب لم تبقِ مكاناً وموقعاً عسكرياً آمناً على امتداد الحدود اللبنانية الفلسطينية، وعمليات المقاومة في العراق وسورية لم تبقِ قاعدة أميركية في أمان، والمقاومة في اليمن لم تبقِ ممراً آمناً للسفن الإسرائيلية في البحر الأحمر»، مشدداً على أنه بالتكامل والتعاون بين المقاومة في لبنان وسورية والعراق واليمن وفلسطين، باتت «إسرائيل» محاصرة بالنار والإخفاقات، وبهذه العطاءات والإنجازات والانتصارات نصنع مستقبل المنطقة».
بدوره، شرح رئيس التيار النائب جبران باسيل خلال حضوره اجتماع هيئة تنسيق الأحزاب والقوى والشخصيّات الوطنيّة في مقر عام «التيار» «فحوى مبادرته والأفكار الخمس التي حملها خلال جولاته على الأفرقاء السياسيّين في لبنان من أجل التوصّل إلى تفاهم وطني حولها، وهذه الأفكار هي: الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وحقّه في دولته ومقاومته في وجه آلة القتل والتدمير الإسرائيلية، والتأكيد على حقّ لبنان بالدفاع عن نفسه بوجه أي اعتداء تقوم به «إسرائيل»، والإسراع في إعادة تكوين السلطة عبر انتخاب رئيس إصلاحي جامع، واعتبار ملف النزوح السوري أمراً ملحّاً وخطراً وجوديّاً على الكيان والهوية، واتخاذ الإجراءات الفوريّة من قبل المعنيّين وخاصة البلديات من أجل تخفيف أعداد النازحين الموجودين على أرضه، وأنّ لبنان بمواجهة العدو الاسرائيلي معنيّ بتنفيذ الثوابت التالية: الالتزام بالقرارات الدوليّة وخاصة القرار 1701 وبمبادرة بيروت العربيّة للسلام، واستعادة الأراضي اللبنانيّة المحتلّة، وتأمين حقّ العودة للاجئين الفلسطنيّين وفق القرار الأممي 194، وحماية حقوق وموارد لبنان الطبيعيّة من مياه ونفط وغاز، وعودة النازحين السوريّين إلى بلادهم. كما كانت مداخلات عدّة للحاضرين أثنوا فيها على الدور المحوري والوطني للتيار الوطني الحر وعلى الديناميكيّة التي أرساها في الحياة السياسيّة اللبنانيّة».
في غضون ذلك، يعقد مجلس الوزراء اليوم جلسة برئاسة ميقاتي في السراي الحكومي على جدول أعمالها جملة بنود مالية ومصرفية وإدارية، لا يشمل ملف قيادة الجيش، ووفق مصادر «البناء» فإن المشاورات بين القوى السياسيّة حول معالجة أزمة قيادة الجيش مستمرة، وتجري مناقشة كل الاقتراحات والخيارات لكن لم ينضج أيّ خيار حتى الساعة، مع استبعاد سلة التعيينات في مجلس الوزراء، وتقدّم خيار تعيين رئيس للأركان وملء الشغور في المجلس العسكري، لكن خيار التمديد للقائد الحالي لستة أشهر لا يزال على الطاولة ولم يسقط. لكن أفضل الخيارات المتاحة هو تعيين رئيس للأركان يتولى مهام وصلاحيات قائد الجيش وفق قانون الدفاع ريثما يتمّ تعيين قائد جديد للجيش.
واستقبل ميقاتي في السراي عضو اللقاء الديمقراطي النائب وائل ابو فاعور، وجرى البحث بملف قيادة الجيش.
ورأى رئيس لجنة الدفاع النيابية جهاد الصمد أن «الخيارات المتاحة هي إما تعيين قائد جيش جديد وتعيين رئيس للأركان ومدير عام للإدارة ومفتش عام في مجلس الوزراء بناء لاقتراح وزير الدفاع، وإما التمديد لقائد الجيش وكافة الضباط والرتباء عبر الآلية القانونية في مجلس النواب، وهذا له أيضاً آثار سلبية على مؤسسة الجيش. والمؤسف أن الذي يعطل هذين الاحتمالين هو سياسة النكد والكيد والنكاية بين أطراف المكوّن الماروني المسيحي وهي نفسها التي عطلت انتخاب رئيس الجمهورية ولا تزال».
ورداً على سؤال، قال: «تكلمت عن مبدأ شمولية القانون، أي اقتراح قانون او مشروع قانون، لا نستطيع أن نشرع لشخص او مجموعة اشخاص محددة، مبدأ الشمولية هو أساس أي تشريع، وربط كل المؤسسات العسكرية».