جاء في صحيفة “الجمهورية”: المشهد في غزة، كناية عن سباق محموم بين محاولات لتمديدات إضافية للهدنة، تمهّد لوقف نهائي لإطلاق النار، وبين التهديدات الاسرائيلية المتصاعدة بجولة ثانية من الحرب اقسى مما شهدته فترة ما قبل الهدنة الأولى.
اما المشهد اللبناني، فيتحرّك في اتجاهات متعددة، بين المطبّات التي تعترض حسم ملف رئاسة الجمهورية، وبين الإشكالات التي تعترض حسم ملف قيادة الجيش وتأخير تسريح قائد الجيش العماد جوزف عون، وبين الجبهة الجنوبية التي تسيطر عليها اجواء الحرب، وصولاً الى الملف الاقتصادي والالتباسات التي تحيط موازنة العام 2024، والكمّ الهائل من الاعتراضات عليها.
فعلى الجبهة السياسية، أجرى الموفد الرئاسي جان ايف لودريان في بيروت أمس مروحة واسعة من الاتصالات، سيستكملها اليوم، بعدما شملت أمس رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، البطريرك الماروني مار بشارة الراعي، قائد الجيش العماد جوزف عون، رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب تيمور جنبلاط ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع.
كما التقى لودريان رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجيه، في منزل نجله النائب طوني فرنجيه في بيروت. واشار بيان للمكتب الاعلامي لفرنجية انه «تمت، خلال اللقاء الذي اتسم بالوضوح والصراحة، مناقشة التطورات السياسية والأمنية والميدانية في جنوب لبنان وفلسطين المحتلة، بالإضافة إلى ضرورة إنجاز الاستحقاق الرئاسي وأهمية الحفاظ على المؤسسة العسكرية في ضوء الظروف الحالية الضاغطة.
وكشفت مصادر موثوقة لـ«الجمهورية»، بأنّ مهمّة لودريان في شكلها معجّلة فرنسياً، الاّ انّها في جوهرها مكرّرة لطروحات سابقة، حيث انّ الموفد الفرنسي لم يحمل فيها أي افكار نوعيّة كما لم يعرض أي اسماء لرئاسة الجمهورية، بل كانت جعبته كناية عن صياغة مكرّرة لطروحاته السابقة، لجهة الاشارة الى كونه عاملاً مساعداً للبنانيين على حسم خياراتهم والتوافق على إنجاز الاستحقاق الرئاسي في اقرب وقت ممكن، مؤكّداً على ضرورة جديدة لهذا التعجيل فرضتها الظروف الحالية التي تشهدها المنطقة، ومشدّداً في الوقت نفسه على تجنّب التصعيد في الجنوب وضرورة الحفاظ على استقرار لبنان ومنع الإنزلاق نحو التصعيد والمواجهة العسكرية الواسعة. وتؤكّد المصادر، انّ لودريان اعرب عن قلق واضح. حيث اكّد لكل من التقاهم على ضرورة التنبّه والحذر الشديد من الجبهة الجنوبية، حيث انّ قيام اسرائيل بتصعيد ضدّ لبنان احتمال ما زال وارداً بشدة.
وبحسب المصادر عينها، فإنّ لودريان انطلق من عرض لواقع في المنطقة اعتبره مثيراً للقلق، ليؤكّد على صعوبات أكبر يخشى ان ينحدر اليها لبنان، في حال استمر الحال فيه على ما هو عليه من دون رئيس للجمهورية. وخصوصاً انّ ظروف المنطقة في ظلّ الحرب الاخيرة تفرض على لبنان أن يكون حاضراً لتجنّب تداعياتها ومخاطرها، وهو ما يستدعي في رأيه ان تُخرج المكونات السياسية في لبنان ملف رئاسة الجمهورية من دائرة الخلاف حوله، والدخول في مشاورات في بينهم، لأنّ الوقت ينقضي بسرعة وما تبقّى منه بات يشكّل عاملاً ضاغطاً جداً على لبنان، تنبغي مجاراته بضرورة ان يتوافق اللبنانيون سريعاً على رئيس للجمهورية».
ولفتت المصادر الى أنّ طرح لودريان إجراء مشاورات بين اللبنانيين لقي تجاوباً كلياً لدى رئيس المجلس، الذي يؤيّد اي خطوة تعجّل بانتخاب رئيس الجمهورية، سواء أكانت تحت عنوان الحوار، او النقاش او التشاور، او اي صيغة، لكن المهمّ هو ان يتمكّن لودريان من حمل الأطراف على التوجّه الى ذلك. وأردفت المصادر، انّ الموفد الفرنسي، بقدر ما كان مؤكّداً على ضرورة التعجيل بانتخاب رئيس للجمهورية، اكّد بالقدر نفسه على حسم الخلاف القائم حول قيادة الجيش، وتجنّب الشغور فيها، عاكساً بذلك دعماً فرنسياً صريحاً للتمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون. وخلال لقائه قائد الجيش، نوّه لودريان بوضوح بأداء الجيش في ظلّ التحدّيات التي يواجهها، مؤكّدًا استمرار دعم بلاده المطلق للمؤسسة العسكرية.
وخلال اللقاء مع ميقاتي، اكّد لودريان «انّ زيارته الى لبنان تهدف الى تجديد التأكيد على موقف «اللجنة الخماسية» بدعوة اللبنانيين الى توحيد الموقف والإسراع في انجاز الانتخابات الرئاسية، وإبداء الاستعداد لمساعدتهم في هذا الإطار». وشدّد على انّه سيُجري لقاءات واجتماعات عدة تهدف الى تأمين التوافق اللبناني حيال الاستحقاقات الراهنة.
فيما قال ميقاتي خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء امس، التي غاب عنها موضوع قيادة الجيش: «مروحة اللقاءات والإتصالات التي أجريتها، تؤشر إلى انّ الاتجاهات الدولية تسعى إلى وضع حلّ على أساس «قيام الدولتين» ونظام العدالة الانسانية. الموفدون، من الأشقاء العرب واصدقاء لبنان الدوليين الذين يزورون لبنان، ويجرون الاتصالات لإنهاء الحرب وأرساء قواعد السلام، مشكورون على مساعيهم الهادفة إلى الحضّ على الإسراع بانتخابات الرئاسة ورصد ما يجري في الجنوب من اعتداءات واستفزازات اسرائيلية وسقوط ضحايا. وهذا الوضع أبلغته اليوم الى الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، وأكّدت أنّ الأولوية هي لوقف العدوان الاسرائيلي على جنوب لبنان وغزة. نحن في الحكومة نتابع تحمّل مسؤولياتنا ونعمل جاهدين لتوفير الخدمات لأهلنا في الجنوب رغم صعوبة الظروف ونقدّر صمودهم وتضحياتهم».
أموال المودعين واللولار
وعلى الجبهة المالية، فإنّ اللافت للانتباه هو عودة قضية الودائع الى الواجهة بالتزامن مع مسار ملف الموازنة التي يلحظ مشروعها تحديد سعر سحوبات دولار الإيداعات على اساس سعر السوق 89000 ليرة. وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية»، انّ طي عنوان اللولار وإقرار السحب بسعر السوق هو حق طبيعي للمودعين، وانّ حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري لن يُصدر اي تعميم يحدّ من فاعلية مضمونه، بل سيكون الالتزام بما تتضمنه الموازنة المالية.
ورداً على سؤال حول وجود مطبّات في التنفيذ، بشأن تأمين المصارف السيولة المالية لزوم مستحقات المودعين، قالت المصادر ذاتها «إنّ المطلوب تشريع خطة اصلاحية متكاملة وشاملة، سبق وحثّ منصوري القوى السياسية على إقرارها في المجلس النيابي منذ استلام الحاكم بالإنابة مهامه في مطلع شهر آب الماضي، وكرّر المطالبة بها خلال إطلالاته الاعلامية».
لذلك، فإنّ الخطّة الإصلاحية المطلوبة التي تتضمن الكابيتال كونترول واعادة هيكلة المصارف وتحديد مسار اعادة أموال المودعين، هي التي تجنّب لبنان الازمة، علماً انّ المصرف المركزي كان أبدى استعداده لمساعدة النواب في الورشة التشريعية المرتقبة.
حذر جنوباً
وأما على الجبهة العسكرية، فتبدو كفّة الهدنة الإضافية في قطاع غزة، هي الراجحة حتى الآن، ولكن في انتظار ما ستؤول اليه الجهود الرامية الى تمديدها، تبقى الأنظار مشدودة الى الميدان العسكري وما قد يشهده من تطورات، تؤشر الى أنّه معلّق على ما تبدو انّها شعرة رفيعة فاصلة ما بين التبريد والتصعيد. وهذا الوضع منسحب على حدود لبنان الجنوبية، التي تشهد هدوءاً حذراً، تخرقه اعتداءات اسرائيلية، على ما جرى في الساعات الاخيرة باستهداف الجيش الاسرائيلي المتمركز في موقع العباد لآلية عسكرية تابعة للجيش اللبناني كانت تقوم بدورية قرب موقع لقوات «اليونيفيل» في منطقة حولا، من دون ان تسجّل اي اصابات. وكذلك على قوة من الجيش اللبناني بالقرب من تلة هرمون في خراج بلدة يارون.
نقاش حول الـ1701
في هذه الأجواء، وبالتوازي مع التحرّك الغربي الأممي الذي تكثف في الآونة الاخيرة تجاه المسؤولين اللبنانيين للالتزام بالقرار 1701، كشفت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية» عن نقاش دائر في بعض الأوساط الدولية حول القرار المذكور، من زاوية تعديله في الاتجاه الذي يتلاءم مع التطورات الاخيرة التي شهدتها الجبهة الجنوبية.
واللافت في ما كشفته تلك المصادر، انّ في بعض زوايا هذا النقاش تكشفت نوايا لدى بعض الجهات الغربية بإعادة النظر في القرار 1701، بذريعة انّ العمليّات العسكرية التي شهدتها منطقة الحدود الدولية من الناقورة الى مزارع شبعا وجبل الشيخ، تجاوزت القرار المذكور، وأبرزت الحاجة الى تعديل مندرجاته. وبحسب معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، انّ جهات اوروبية طرحت هذه المسألة مع بعض المسؤولين، وقوبل ما طرحته تلك الجهات بالرفض، والتمسّك بالقرار على ما هو عليه، برغم التحفّظ على التعديل الذي أُضيف اليه لناحية اعطاء «اليونيفيل» حق القيام بدوريات في الجنوب بمعزل عن الجيش اللبناني.
وفي الإطار ذاته، لفتت مصادر سياسيّة الى أنّ المطالبة بتعديل مندرجات القرار 1710، هي مطالبة اسرائيلية قبل ان تكون مطالبة لدى بعض الدول الداعمة لها، سواء الغربية او غير الغربية، ملاحظة تزامن الحديث الذي بدأ يتسرّب الى العلن عّما تُسمّى تعديلات ضرورية للقرار 1701، مع الكلام الاسرائيلي المتصاعد حول مستوطنات الشمال، وقلق المستوطنين من العودة اليها، في ظل وجود «حزب الله» على الجبهة المقابلة.
وآخر ما نُشر في اسرائيل حول هذا الأمر، ما اشار اليه الإعلام الاسرائيلي في الساعات الماضية، بأنّ المستوطنين قلقون من العودة الى بيوتهم. واشار هذا الإعلام الى رسالة وجّهها رئيس مستوطنة كريات شمونة فيحاي شتيرن، دعا فيها المستوطنين الاّ يعودوا إليها، وقال: «لا يتوجب على سكان كريات شمونة العودة طالما لم يتغيّر الواقع على الحدود الشمالية». ووفق صحيفة «معاريف» فإنّ الكثير من رؤساء المجالس والكثير من السكان في الشمال، قلقون من أنّ وقف إطلاق النار سينهي الحرب في الشمال، لكنه لن يُحلّ ما أسموه «تهديد حزب الله بشكل دائم».
بري: متمسّكون بالقرار
الى ذلك، أكّد رئيس مجلس النواب نبيه بري لـ«الجمهورية»: «نحن كنا وما زلنا على تمسّكنا بالقرار 1701 وملتزمون بتنفيذه، واسرائيل خرقت هذا القرار آلاف المرات».
ورفض بري أي تعديل لهذا القرار، وقال: «لا أحد يستطيع ان يضع على لبنان شروطاً او يفرض تعديلات او ترتيبات جديدة عليه، واي خطوة في هذا الاتجاه غير مقبولة من قِبلنا وسنواجهها. المطلوب فقط هو أن يطبّقوا القرار ولا شيء آخر».
ولفت بري الى أنّ «كل من أثار او يثير معنا هذا الموضوع فإنّ جوابنا واضح لا لبس فيه، وهو أنّ الحدود الدولية معروفة وواضحة، هناك 13 نقطة حُسم بعضها وتبقى نقاط اخرى يجب ان تُحسم، وصولاً الى مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر، تُضاف الى ذلك نقطة الـ«B1». (يُشار الى النقالط التي اشار اليها بري، قال الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين قبل ايام قليلة انّها ستكون محل متابعة لحسمها في وقت قريب).
من جهة ثانية، اكّد بري انّه «على رغم المساعي الجارية لتمديد الهدنة في غزة، فإنّ المطلوب هو التنبّه مما تبيّته اسرائيل من نوايا عدوانيّة، سواء في غزة، أو ضدّ لبنان، وهو ما سبق وقلناه لكل الموفدين الذين التقينا بهم واكّدنا لهم انّ الخطر على لبنان وكل المنطقة مصدره اسرائيل».
واشار بري رداً على سؤال يتعلق بموضوع التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون: «انا تدخّلي الفاعل في هذا الملف يبدأ اعتباراً من 1 كانون الاول المقبل، حيث إنني سأدعو الى جلسة تشريعية قبل 15 كانون، بعد اجتماع يسبقها لهيئة مكتب مجلس النواب، وثمّة مشاريع قوانين عديدة محالة من الحكومة الى جانب عدد من اقتراحات القوانين المعجّلة المكرّرة، من ضمنها اقتراح يتعلق بالتمديد سنة لمن هم في رتبة عماد، ستُدرج فيها، للبت فيها في تلك الجلسة».
ورداً على سؤال عمّا اذا كان يشعر بأنّ ثمة تحريكاً جّدياً لملف رئاسة الجمهورية، قال بري: «لا ضرورة تتقدّم على ضرورة حسم هذا الموضوع، يجب ان ننتخب رئيساً للجمهورية الأمس قبل اليوم، واليوم قبل الغد. واكّدت قبل فترة بأنّ ثمة فرصة امامنا لانتخاب الرئيس فهل نتلقفها، وخصوصاً أنّ الوقت اصبح ضيّقاً جداً الى حدّ يكاد يسبقنا، وبالتالي لم يعد جائزاً التأخير في انتخاب الرئيس. ولكن كما سبق وقلت، فإنّ ما يؤخّر ذلك هو الخلاف الماروني الماروني ( في اشارة الى «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر»)، مع الأسف «يزعلون» إن اشرت الى ذلك، مع أنّ هذه هي حقيقة الخلاف لا اكثر ولا أقل، فليحسموا خياراتهم ويتخذوا قرارهم، ولننزل الى المجلس النيابي وننتخب الرئيس. ودون ذلك سنبقى ندور مكاننا».
4 ملايين دولار
من جهة ثانية، اعلنت الامم المتحدة عن تخصيص 4 ملايين دولار لمساعدة النازحين اللبنانيين.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا»، إنّه «حتى 21 تشرين الثاني، نزح 55,491 فرداً (52% إناث) من جنوب لبنان بسبب الأعمال العدائية المستمرة على طول الخط الأزرق. كما أبلغت وزارة الصحة عن مقتل 85 شخصاً وإصابة 357 شخصاً بجروح نتيجة الاشتباكات المسلحة على الحدود مع إسرائيل. ويشمل هذا العدد كلاً من المقاتلين والمدنيين الذين تأكّد مقتل ما لا يقلّ عن 13 مدنياً».
ولفت إلى أنّ «الأسبوع الماضي شهد تصعيداً ملحوظاً في الأعمال العدائية على طول خط الحدود في جنوب لبنان، ما جعله الفترة التي شهدت أعنف تبادل لإطلاق النار منذ بداية الاشتباكات المسلحة»، معلنا أنّه «لدعم الاستجابة الإنسانية، أطلق صندوق لبنان الإنساني (LHF) أول تخصيص احتياطي له لعام 2023 والذي يتضمن ما يصل إلى 4 ملايين دولار لدعم الشركاء للتخزين المسبق والاستجابة لاحتياجات النازحين أو الباقين في مناطق النزاع».
وأوضح أنّ «حوالى 71% من النازحين داخلياً يعيشون حالياً مع أسر مضيفة، بينما يستأجر 23% منهم منازل. وانتقل 3% آخرين إلى مساكن ثانوية. ويقيم حوالى 2% منهم في ملاجئ جماعية، بينما أفادت التقارير أنّ 1% آخرين يقيمون في مبانٍ غير مكتملة».