مقولتا «الصُدفَة خير من ميعاد» و»رُبَّ ضارة نافعة» تنطبقان على واقعة تأجيل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون زيارته للبنان التي كانت مقررة في 22 الجاري، بسبب إصابته بفيروس كورونا، على حد ما أعلن قصر الاليزيه مؤكداً انّ سيده سينحَجر 7 ايام حتى يتلمّس الشفاء من هذا الوباء، ما فرضَ عليه تأجيل زياراته الخارجية، ومنها زيارته للبنان. ويرى المراقبون انّ «كورونا» انقذت ماكرون من زيارة فاشلة كانت ستعرّضه لإحراج كبير امام اللبنانيين والمجتمع الدولي، بل انها أنقذت المبادرة الفرنسية من موت محتّم لو انه زار لبنان ولم يسبق زيارته او يتخللها تأليف الحكومة العتيدة. ولكن استدراكاً لأي تفسيرات يمكن ان تعطى لتأجيل زيارة الرئيس الفرنسي، غرّد الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري على «تويتر» متمنياً «لصديق لبنان الرئيس ايمانويل ماكرون الشفاء والعافية»، ومؤكداً له أنّ «مبادرتك أمانة لن نتخلى عنها مهما تكاثرت التحديات».
وقال مصدر سياسي مطّلع على ملف التشكيلة الحكومية لـ«الجمهورية» انّ تأجيل زيارة ماكرون للبنان أسقط اي امل في إحداث خرق في ملف تشكيل الحكومة، وأنهى اندفاعة محتملة كان يمكن ان ترافق زيارته إن لجهة التحرّك او لجهة احداث حراك سياسي اعتاد الرئيس الفرنسي على القيام به خلال زياراته. واكد المصدر انّ ملف تشكيل الحكومة رُحّل الى السنة الجديدة، وانّ الاوساط السياسية كلها دخلت في فرصة الاعياد مبكراً بحيث سيكون الانتظار سيّد الموقف، ويرجّح ان يستمر هذا الانتظار الى ما بعد تسلّم الرئيس الاميركي الجديد جو بايدن مقاليد الرئاسة الاميركية في 20 كانون الثاني الجاري، حيث انّ الرئيس الاميركي الحالي دونالد ترامب ما زال ممسكاً بالقرار الاميركي في شأن ازمات المنطقة، ويتحاشى كثيرون ايَّ تصادم معه يمكن ان يرتدّ فرض عقوبات عليهم، وبعض هؤلاء موجودون في لبنان، ويحبذون الانتظار الى حين خروجه من البيت الابيض ما يرفع سيف العقوبات عنهم.
لكنّ المصدر نفسه تخوّف من «ان يخلق هذا الانتظار الثقيل والقاتل أجواء متوترة امنية او سياسية في البلاد».
بعبدا والتأجيل
وفي غضون ذلك، كشفت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انّ دوائر قصر بعبدا تبلّغت بالوسائل الديبلوماسية وعبر السفارة الفرنسية في بيروت، بعد ظهر امس، إلغاء زيارة ماكرون لبيروت ما بين 23 و24 الجاري بسبب اصابته بعوارض «كورونا» واضطراره الى إلغاء زياراته الخارجية، بما فيها الزيارة المزدوجة لقيادة القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) وقيادة الكتيبة الفرنسية، والقصر الجمهوري للقاء رئيس الجمهورية.
وفي المعلومات انّ السفارة الفرنسية لم تكن قد أبلغت بعبدا بكل برنامج الزيارة في شكل نهائي، إلّا انّ البرنامج الاولي لَحظَ تمضية الليلة الاولى من زيارته في الجنوب في ضيافة الكتيبة الفرنسية، على ان يزور القصر الجمهوري قبل ظهر اليوم التالي.
وتعليقاً على ما تردّد عن لقاءات كان سيعقدها ماكرون مع مجموعات شبابية واخرى من ممثلي المجتمع المدني، لم يلحظ البرنامج الاولي اي لقاءات من هذا النوع، إلّا انه لوحظَّ ان هناك ساعات من الفراغ في اليوم الثاني للزيارة، ولم يسجل في شأنها أيّ اشارة في البرنامج المحدد للرئيس الضيف.
بكركي و«بيت الوسط»
والى ذلك، وغداة لقاء بكركي بين البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي والرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري، تحدثت مصادر الطرفين لـ»الجمهورية» عن أجواء ارتياح انتهى اليها اللقاء.
وقالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية» انّ الحريري شرح للراعي موقفه من موضوع التمثيل المسيحي في الحكومة العتيدة، وانه حريص على ان يكون هذا التمثيل وازناً وفعَّالاً، وانه بعكس ما يُشاع لا نية لديه لإضعاف هذا التمثيل، وهو حريص ايضاً على التفاهم مع رئيس الجمهورية لتأليف حكومة تنفّذ الاصلاحات المطلوبة وتعمل على انقاذ البلاد من ازماتها المتفاقمة على كل المستويات.
ولفتت مصادر بكركي الى انّ اللقاء شكّل مناسبة جيدة للطرفين، فبكركي كانت بحاجة للاطلاع على كثير من الحقائق الغامضة التي لم تطلع عليها قبلاً، والحريري كان يحتاج الى البَوح بما في عقله وقلبه للبطريرك الذي سبق له ان وجَّه اكثر من رسالة إليه في عدد من عظات الأحد في الفترة الاخيرة.
الراعي في بعبدا اليوم
وفي اول خطوة لترجمة نتائج اللقاء بينه وبين الحريري، علمت «الجمهورية» انّ البطريرك الماروني اتصل هاتفياً أمس بالرئيس عون، طالباً موعداً عاجلاً لزيارته والتشاور معه في ما آلت اليه المساعي الجارية لتأليف الحكومة في ضوء ما سمعه من الحريري، وكذلك البحث في ما توصّلت اليه التحقيقات في قضية انفجار مرفأ بيروت والأجواء المشحونة السائدة في البلاد، وتمّ الاتفاق على لقاء يعقد بينهما قبل ظهر اليوم في بعبدا.
وكان عون قد شدد امام الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي الذي زاره أمس على انّ «الحكومة المقبلة سوف تعنى بإجراء الإصلاحات الضرورية بالتزامن مع التدقيق المالي الجنائي في حسابات مصرف لبنان والمؤسسات والإدارات العامة كافة، في خطوة أساسية لمكافحة الفساد ومنع تكرار الأخطاء التي وقعت في البلاد لسنوات خَلت». وأشار الى انّ «تشكيل الحكومة الجديدة يواجه بعض الصعوبات التي يمكن تذليلها اذا ما اعتمدت معايير واحدة في تشكيلها، لكي تتمكن من مواجهة التحديات الكبرى التي تنتظرها نتيجة الأوضاع في البلاد، وتؤمّن التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية». وقال انّ «لبنان يتطلع الى وقفة عربية واحدة حيال الصعوبات التي يعانيها اقتصاديا واجتماعيا، بعد سلسلة الاحداث التي وقعت خلال الأعوام الماضية، لا سيما منها تدفق النازحين السوريين الى لبنان والذين بات عددهم يفوق المليون ونصف مليون نسمة». ولفت الى انّ «الخسائر المادية المباشرة وغير المباشرة، لا سيما منها الخسائر الاقتصادية التي تكبدها لبنان نتيجة ذلك منذ العام 2011 حتى العام الماضي، فاقت الـ 54 مليار دولار وفقاً لتقارير صندوق النقد الدولي».
وفي هذه الاجواء أطلّ رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية في حوار متلفز، فقال رداً على سؤال: «لو كنت رئيساً للجمهورية في هذه المرحلة لتنحّيت»، مضيفاً: «اللي بيحبّ الرئيس عون بيقلّو يفِلّ». وقال: «لن أشارك في حكومة 7 من أعضائها يتبعون لرئيس الجمهورية أو «التيار الوطني الحر». وفي في هذه الحال، فليسَمّ فريق العهد الوزراء المسيحيين التسعة في هذه الحكومة». وأضاف: «أنا مع حصول حلفائنا على أكثر من نصف الحكومة، ولكن أعارض أن يحصل «التيار الوطني الحر» ورئيس الجمهورية على الثلث المعطّل».
وفي السياق، قال فرنجية: «أنا ضد أي تغيير في النظام من دون توافق بين كافة الأفرقاء، ومستعد لأيّ مناظرة مع اي اسم مفترض لرئاسة الجمهورية او اسم مطروح، هذا اذا حصلت انتخابات رئاسية».
وتحدث فرنجية عن التحقيقات القضائية في قضية المرفأ، فقال: «لا أحد كان يقدّر أنّ نيترات الأمونيوم ستؤدي إلى هذا الإنفجار، وإذا كان قاضي التحقيق فادي صوان يريد محاكمة السياسيين عليه ان يأتي بكل من تعاقبوا على السلطة منذ 2013 لليوم، لا أن يرسل إلى مجلس النواب أسماء 3 رؤساء حكومة و5 وزراء، وبعدها يسمّي 3 وزراء ورئيس حكومة».
ولفت إلى أنّ «ضميرنا وضمير الوزير فنيانوس مرتاح، وهو سيمثل أمام القضاء، وفي أي تحقيق في الدولة اللبنانية سيذهب للخضوع للعدالة»، موضحاً أنّ «انفجار بيروت طال عزّة نفس اللبنانيين، والأكيد أنّ هناك أشخاصاً سيتحملون مسؤولية، لكن لنصِل الى العدالة يجب أن نرى من الذي أدخَل الباخرة التي حملت الأمونيوم؟ ومن الذي وضع البضائع في العنبر؟ والسؤال الأهم: من الذي وضع الأسهم النارية مع الأمونيوم؟ والمواد المشتعلة مَن أشعلها؟!».
وشدد فرنجية على أنّ «الشيء الوحيد الذي يجعلني أشك هو التوقيت المناسب سياسياً لهذا الجرم، ليقوم الناس أكثر على السلطة، وأنا لا إثبات معيّناً لدي على هذا الموضوع، لكنني أشك». وأكد «أننا نريد الحقيقة حول ما جرى في انفجار مرفأ بيروت. ونحن لا نتهم القاضي بالتسييس، بل باتَ يبحث عن النجومية وإرضاء الرأي العام الغاضِب على صوّان».
واعتبر فرنجية أنّ «هذه الحكومة لا علاقة لها بانفجار بيروت»، لافتاً إلى أنّ «أي إنسان لديه 1 % من الأخلاق كان ركض ليتخلص من هذه الكارثة، وفي النظرية التي تُطرح حول أنّ كل من لديه خبر بالأمونيوم لماذا لم يذهب لإزالته! سنصل لتحميل مسؤولية بهذا الصدد لرئيس الجمهورية لأنه رجل عسكري ويعرف ماذا تعني نيترات الأمونيوم، وهو كان قد تلقّى كتاباً بوجودها في 21 تموز. وبالتالي، لماذا لم يوعِز لوزير الأشغال بإزالتها؟ وهو لم يتكلم مع مستشار وزارة الأشغال بل تكلم مع مستشاره الأمني لأنه يعرف خطورتها». وأكد أنّ «المسؤول الأول والأخير عن وجود نيترات الأمونيوم في المرفأ هي الأجهزة الأمنية، وانّ «حزب الله» ليس له دور كما يظهر في الاعلام في موضوع المرفأ ونيترات الأمونيوم». وأضاف: «اليوم الشعب غاضب ويحتاج إجابات، وإذا كانت الإجابات ترضي الشعب فنحن نقبل بذلك، ولكنني أقول للرأي العام فليذهب للتفتيش عن الأجوبة الحقيقية، اليوم أنا أريد الحقيقية في المرفأ لا أريد أن يتم اتهام أشخاص ظلماً».
ولاحظ فرنجية أنّ «هناك جوّاً تمويلياً للإعلام وللثورة من اجل خلق الفوضى في لبنان»، مشدداً على أنّ «الثورة الفعلية يكون لها قيادة وتخطيط لإزاحة الموجود والحلول مكانه، وهذا الامر غير حاصل في لبنان».
وتخوّف من «وقوع حرب أهلية بين اللبنانيين»، وقال إنّ «التحريض الداخلي خلق جواً من الحقد شبيهاً بمرحلة ما قبل الحرب الأهلية، وأحذّر الشباب وخصوصاً المسيحيين من الفتنة، وطرح الفيديرالية في لبنان هو طرح انتحاري سيؤدي إلى خراب لبنان، ونحن على أبواب تسوية دولية ولا يجب أن تكون على حساب لبنان والمسيحيين فيه».
ولفت رئيس تيار المردة الى الذين يطلبون أن نقف ضد سلاح « حزب الله» كي تكون هناك ذريعة للتدخّل، ونحن بحاجة الى تسوية في المنطقة بين العرب وإيران ولا سلاح الا سلاح الدولة اللبنانية، وهذا شعار نحن معه اكثر من اي كان». واضاف: «انا مع التدقيق المالي والمحاسبة، ولا يجوز أن نتصرّف كمن خسر الحرب. نحن اليوم في أزمة كبيرة قد تكون الأكبر في تاريخ لبنان الاقتصادي».
قضية المرفأ
قضائياً، علّق المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي فادي صوان التحقيقات في الملف لمدة 10 أيام، وهي المهلة القانونية التي على المحقق العدلي أن يقدّم خلالها جوابه على طلب كَف اليد عن الملف المُقدّم من الوزيرين السابقين غازي زعيتر وعلي حسن خليل «للارتياب المشروع» وتعيين محقق آخر، وذلك بعدما ادّعى صوان عليهما في ملف الانفجار.
وعلمت «الجمهورية» انّ محكمة التمييز لم تجتمع بعد للبت بالاعتراض الذي قدمه خليل وزعيتر. وأكدت مصادر متابعة للملف انّ «زَعَل» القاضي صوان لم يأتِ على خلفية هذا الاعتراض إنما على التدخلات السياسية التي حصلت في موضوع استجواب المدير العام لأمن الدولة اللواء أنطوان صليبا.
ويُشار الى أنّ أطراف الدعوى كافة، بدءاً من النيابة العامة التمييزية الى المحقق العدلي ونقابة المحامين، بوكالتها عن المدّعين المتضرّرين جرّاء الإنفجار، لديها مهلة 10 أيام للإجابة، علماً أنّه فور تقديم المحقق العدلي جوابه، ستباشر النيابة العامة مطالعتها تمهيداً لإبداء الرأي.
وانطلاقاً من ذلك، صرفَ صوان النظر عن استجواب رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، الذي كان مقرّراً اليوم، الى أن تبتّ محكمة التمييز الجزائية، برئاسة القاضي جمال الحجار، بالمذاكرة التي تقدّم بها حسن خليل وزعيتر. وللسبب نفسه، أرجَأ المحقق العدلي جلسة الإستماع الى المدير العام لأمن الدولة اللواء أنطوان صليبا، الذي حضر أمس الى قصر العدل في بيروت، الى موعد يُحدّد لاحقاً. وأُرجئت المقابلة بين صليبا والرائد جوزف النداف للسبب عينه.
كورونا
وعلى الصعيد الصحي، أعلنت وزارة الصحة العامة أمس تسجيل 1960 إصابة جديدة بفيروس «كورونا» في لبنان، ما يرفع العدد الإجمالي للإصابات إلى 152893. كذلك سجلت 14 حالة وفاة جديدة، ما رفع الحصيلة الإجمالية للوفيات إلى 1248.