في الوقت الذي تتصدر فيه قضية الاحتباس الحراري المشهد العالمي، مع انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب28) في دبي، أثارت تصريحات رئيس المؤتمر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي سلطان الجابر، وكذلك وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي، جدلاً كبيراً.
فقد اعتبر الجابر الذي يشغل أيضاً منصب رئيس شركة النفط الوطنية الإماراتية “أدنوك”، أنه لا توجد دراسة علمية تثبت أن التخلي عن الوقود الأحفوري الذي حددته الأمم المتحدة كأكبر مساهم على الإطلاق في تغير المناخ العالمي، “ضروري لحصر ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة مئوية”، وإن أشار إلى أن هذا التخلي “أمر لا مفر منه”، بحسب ما نقلت عنه صحفية “الغارديان”.
وطلب الجابر خريطة طريق “للخروج من الوقود الأحفوري تتوافق مع التنمية الاجتماعية والاقتصادية، من دون إعادة العالم إلى عصر الكهوف”، قبل أن يعود ويؤكد في مؤتمر صحفي احترامه لتوصيات العلماء بشأن تغير المناخ ودعوته لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 43 في المئة بحلول العام 2030.
أما المزروعي فتحدث عن ضرورة الاستثمارات في قطاع النفط والغاز لتجنب “بيئة التسعير المرتفعة” خلال التحول الأخضر، و”إذا لم يتم ذلك بشكل صحيح، فسنعرقل التحول بارتفاع أسعار السلع الأولية”.
كلام الوزيرين الاماراتيين ليس جديداً، فقد سبق أن أعلناه في مؤتمر “اديباك” السنوي للطاقة، الذي عقد في أكتوبر الماضي في أبوظبي، حيث قال الجابر إن الوقود الأحفوري يلعب دوراً رئيسياً في معركة مكافحة تغير المناخ، وإن صناعة النفط والغاز يمكن أن تساهم في الحلول.
من جانبه، دعا المزروعي إلى مزيد من الاستثمارات في قطاع النفط من أجل تلبية الطلب العالمي المتنامي وتمويل عملية التحوّل نحو الطاقة النظيفة، وقال خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر: “إذا لم تأت استثمارات بنحو 500 مليار دولار كل عام، فليس هناك حلّ يمكننا التفكير فيه في مواجهة حقيقة أن الموارد لن تكون كافية”.
حديث الوزيرين الإماراتيين عن الوقود الأحفوري، المسؤول عن أكثر من 75 في المئة من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية، وما يقرب من 90 في المئة من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، اعتبره البعض مناقضاً لما يجب أن يسعى إليه المؤتمر، وقد سبق أن حذرت هيومن رايتس ووتش من سعي الإمارات إلى جعل “كوب 28” مؤتمراً صديقاً للوقود الأحفوري.
وقبيل انعقاد المؤتمر، عبّر ناشطون ومنظمات بيئية عن مخاوفهم من تأثر محادثات المناخ بمصالح الجهات المرتبط بالوقود الأحفوري بعد تعيين الجابر رئيساً لكوب 28 كونه شخصية رئيسية في صناعة الطاقة، عدا عن أن دولة الإمارات من أكبر منتجي النفط والغاز في العالم.
لكن ليست الامارات وحدها من تهدف إلى التوسع في زيادة انتاج الوقود الأحفوري، فقد نشر برنامج الأمم المتحدة للبيئة تقريراً الشهر الماضي كشف من خلاله خطط حكومات لإنتاج الوقود الأحفوري بنسب أكثر مما يتسق مع حد حصر الاحترار في حدود 1.5 درجة مئوية أو حتى في حدود درجتين مئويتين.
وأصدر تقرير “فجوة الإنتاج”، كل من برنامج الأمم المتحدة للبيئة، ومعهد ستوكهولم للبيئة، ومعهد Climate Analytics، ومركز أبحاث E3G، والمعهد الدولي للتنمية المستدامة.
وعلّق برنامج الأمم المتحدة للبيئة عليه بالقول “يحدث هذا على الرغم من تعهد 151 حكومة وطنية بتحقيق الوصول بالانبعاثات إلى مستوى الصفر. عند دمج الخطط الحكومية، فإنها ستؤدي إلى زيادة في إنتاج الفحم العالمي حتى عام 2030، وفي إنتاج النفط والغاز العالمي حتى عام 2050 على الأقل، مما يخلق فجوة آخذة في الاتساع في إنتاج الوقود الأحفوري بمرور الوقت”.
تسويق الهدف
يحاول الجابر، كما يقول العضو المراقب في الأمم المتحدة لشؤون البيئة، سمير سكاف “تسويق فكرة زيادة انتاج الطاقة المتجددة 3 أضعاف بحلول عام 2030، بالإضافة إلى تخفيض إنتاج الطاقة الأحفورية. وهو الهدف الأساسي الذي وضعته رئاسة المؤتمر، رغم أن السيطرة على ظاهرة تغير المناخ تفرض وقف كلي للطاقة الأحفورية، أي حياد كربوني كامل”.
ويشرح سكاف: “تعني فكرة الحياد الكربوني التي نص عليها اتفاق باريس (كوب 21) عام 2015، التوقف عن إنتاج ثاني أوكسيد الكربون أي الوصول إلى صفر انبعاثات للغازات الدفيئة بحلول عام 2050، مع تخفيضها بنسبة 50 في المئة في عام 2030، للحد من الزيادة في متوسط درجات الحرارة العالمية إلى أقلّ من درجتين مئويتين، وهو ما يفرض تخفيض استخدام الطاقة الأحفورية ورفع إنتاج الطاقة النظيفة تدريجيا”.
نحن الآن في ربع الطريق نحو عام 2050، ومع ذلك يقول سكاف “لا تزال أرقام الاستثمارات في الطاقة المتجددة بعيدة عن التي تم وضعها في اتفاق باريس، أي 2400 مليار دولار إلى 3500 مليار دولار سنوياً، حيث أُعلِن في الإمارات عن إنشاء صندوق خاص للحلول المناخية بـ30 مليار دولار”.
حلقة مفرغة
لكن هل الحديث عن التخلي الكلي عن الوقود الأحفوري، واقعي؟ كون هذا الوقود يتحكم بمفاصل مختلف القطاعات، من محطات الكهرباء إلى الآلات الصناعية والتكنولوجيا وغيرها، مما يوحي بأن محاولة الاستغناء عنه تشبه الدوران في حلقة مفرغة وأن الأمر مجرد وهم.
عن ذلك يجيب سكاف “في الواقع لا. فالتخلي يحتاج أن يكون تدريجياً لأن العالم لا يزال بحاجة إليه في العقود الثلاثة المقبلة على الأقل. ولأن الانتقال إلى الطاقة المتجددة يعتمد أيضاً على هذا الوقود. على سبيل المثال يتطلب تصنيع توربينات الرياح مواد تشحيم وفولاذ وأسمنت، وهذه المواد تصنّع من الوقود الأحفوري، كذلك الألواح الشمسية ومعادن البطاريات تحتوي على مادة البولي سيليكون التي تصنّع في مصانع مزودة بالكهرباء من محطات تعمل بالوقود الأحفوري”.
لن يتحقق حلم الوصول إلى الطاقة النظيفة خلال الخمسين سنة المقبلة، كما يرى خبير اقتصاديات النفط والغاز، فادي جواد “فالكلام عن التخلي عن الطاقة الأحفورية في ظل شح الاستثمارات الجدّية مقارنة بالاستثمارات الضخمة التي تضخ في النفط والغاز (رغم تراجعها)، يجعل ذلك غير قابل للتحقق في المستقبل المنظور”، مضيفاً أنه “سيستمر الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى أن تصبح الطاقة النظيفة قادرة على سد الاحتياجات العالمية”.
ويشير جواد في حديث لموقع “الحرة” إلى “عودة عدد من الدول الأوروبية إلى الفحم الحجري خلال كارثة كورونا، وفتح النرويج لمناجم إنتاج الفحم في القطب الشمالي نتيجة شح إمدادات الغاز من روسيا، ورفع بريطانيا الحظر عن التنقيب عن الوقود الأحفوري مؤخراً”.
ويصنّف الفحم الحجري بأنه أقذر أنواع الوقود الأحفوري لكونه مصدراً رئيسياً لانبعاث الميثان، وهو غاز يساهم في زيادة الاحتباس الحراري على كوكب الأرض.
خطوات منقوصة
أطلق خلال (كوب28) “ميثاق خفض انبعاثات قطاع النفط والغاز”، وحتى اليوم، وقعت عليه 50 شركة تمثل أكثر من 40 في المئة من إنتاج النفط العالمي، حيث تعهدت الوصول إلى صافي صفر انبعاثات من غاز الميثان، لكن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، اعتبر التعهدات المعلنة أقل بكثير مما يلزم لمعالجة أزمة المناخ بشكل حقيقي، واصفاً شركات النفط والغاز بأنها “العملاق الذي يقف وراء أزمة المناخ”.
وأكد غوتيريش أن “العلم واضح: لن يكون ممكنا الوصول إلى حاجز 1.5 درجة مئوية إلا لو توقفنا في نهاية المطاف عن حرق الوقود الأحفوري. لا تقليل أو خفض، بل إنهاء تدريجي ضمن إطار زمني واضح”.
كذلك، أكد المختص بالسياسات العامة والبيئية، هشام يونس، أننا “في مرحلة تجاوزنا فيها رفاهية التفكير ولا نملك ترف الوقت، المطلوب اقتراح حلول آنية، كأن تركز الجهود على وضع خطة زمنية لا تتعدى بضع سنوات للتخلص من غاز الميثان الذي يلعب دوراً كبيراً بالاحترار، وكذلك الحال فيما يتعلق بالوقود الأحفوري”.
ويعتبر الوقود الأحفوري من أرخص أنواع الطاقة مقارنة بالبدائل المطروحة، كما يقول جواد، لأن “تكلفة إنتاج الطاقة النظيفة مضاعفة عدة مرات، والاعتماد عليها سيؤدي إلى ارتفاع هائل في أسعار السلع الأولية وتكلفة الإنتاج والتزود بالوقود واحتياجات المنازل للغاز، ولا يجب أن ننسى أن الصناعات الثقيلة تحتاج إلى كميات ضخمة من الطاقة تكلفتها ستكون خيالية إذا كانت طاقة نظيفة”.
لكن “الحديث عن خشية ارتفاع أسعار النفط لتبرير زيادة إنتاجه” أمر مرفوض كما يؤكد سكاف، لافتاً كذلك إلى أنه “لا يمكن نفي وجود دراسة علمية تثبت تسبب الوقود الأحفوري بارتفاع درجات الحرارة، إذ تؤكد آلاف الدراسات ذلك وليس فقط واحدة”.
وتكمن المشكلة الأساسية، بحسب سكاف “في عدم وفاء الدول الكبرى بالتزاماتها، وبعدم تمويل الصناديق التي تدعم الدول النامية، وباعتبار أن الطاقات المتجددة سلعة وليست دواء، بمعنى أنه يمكن للشركات تحديد سعر السلعة كما تشاء في حين يفترض أن يكون سعر الدواء مخفضّاً لكي يتمكن الجميع من الحصول عليه”، وختم مشدداً “المعركة الآن بين البقاء في معسكر النمو أو الانتقال إلى معسكر التنمية”.
أسرار شبارو – الحرة
Follow Us: