الصّدق هو انعكاس الصّحيح الواقع في الفكر، وهو الانعكاس الذي يحقّقه في نهاية الأمر مِعيار التّطبيق.. وينطبق الصّدق على الأفكار، وليس على الأشياء نفسها، أو على وسائل التّعبير اللُغوي..
وهناك الصّدق المنطقي الواقعي، وهُما مفهومان منطقيّان يرجعان إلى وقتٍ كان يُمَيّز بين الصّدق الضروري، أي حقائق العقل، والصّدق العَرَضي المُستمَدّ من التَّطابُق مع الحالة الفعليّة للأمور.. وإنَّ حقائق الواقع تصدُق في كلِّ العوالم الممكنة، وخصوصاً العوالم التي لا تتناقض مع المنطق…
والعلم، هو شكلٌ من أشكال الوعي الإنساني والاجتماعي ويُمَثِّلُ نسَقاً متَطوِّراً من المعرفة، وعلى نحوٍ أَكثر دِقَّة، خلال خبرة المجتمع العلميّة..
وتكمُن قوّةُ المعرفة العلميّة في طابعها العامّ وكُلّيّتها وضرورتها وصدقها الموضوعي.. وتكمن قوّة العلم في تعميماته.. فهو في ما تجاوّز العَرَضَ والارتجال، يدرس القوانين الموضوعيّة التي بدونها يكون النّشاط العمليّ الواعي والعرَضي مُستحيلاً…
والعنصريّة، نظرة رجعيّة، تبرز التّفاوت الاجتماعي والاستغلال، بحجّة الانتماء لأَجناس مختلفة أو فروقات روحيّةٍ دينيّة!!! ويكمن إفلاس العنصريّة اليوم وكلّ يوم، في أنّها تردّ الطبائع الاجتماعيّة الإنسانيّة إلى سِماتها البيولوجيّة العنصريّة، وتقسم الأجناس بطريقة تعسُّفيّة إلى طبقات عُليا ودُنيا!! وقد كانت، أي العنصريّة، نظريّة رسميّة في بعض البلدان، واسْتُخْدِمَت لتبرير الحروب والمنازعات وعمليّات الإبادة.. مثلما يحدث اليوم، في أرضنا المحتلّة!!!
وقد فَنَّدَ العنصريّة، بطريقةٍ مُتقنة، التطوّر السّريع للشعوب، كما فّنّدَها انعدام التّطاحُن العنصري…
ومن شروط التّطوُّر الاجتماعي والعوامل الموضوعيّة، هي الشُّروط المستقلّة عن النّاس، التي تحدّد اتّجاه وحدود النّشاط الاجتماعي والأدبي والثّقافي.. ومن العوامل الموضوعيّة، مثَلاً، الأحوال الطبيعيّة والمستوى والمَهامّ والمُتَطلّبات المُلِحّة تاريخيّاً للتطوّر المادّي والسّياسي والرّوحي…
وفي علم النّفس الذي يبحثُ قوانين نشاط الإنسان في خلْقِ ما هُوَ جديد وأصيل في العلم والأدب والتكنولوجيا والفنّ، والأشكال الأخرى من نشاط العمل وموضوع سيكولوجيّة العمل الإبداعي الذي يتضمّن العناصر الابداعيّة في التعليم وغيره..
وهذا هو السبب في أنّه يمرّ بتجربة اكتشاف الجديد غالباً، كشيءٍ مفاجئ.. بينما هو في الواقع نتيجة عمل مركّز ودؤوب، ويتطلّب الحدّ الأقصى من تطبيق مبادرة الانسان ومعرفته وقدرته…
وينعكس مثل هذا التطبيق في الإرادة وفي الظروف الانفعاليّة الخاصّة التي وُصفت، كتفصيلٍ في كثير من الأعمال الأدبية…
وموضوع مقالتي هذه، ونحنُ مَن نحنُ، من أُمّةٍ تملك تُراثاً عظيماً وثقافةً أصيلة منفصلة عن كلّ الثقافات ومرتبطة بواقعنا الذي هو أساس الثقافات في العالم، تدفعُنا إلى الأمام ، وتُحرِّك فينا شهوةَ الابداع…
والكاتب والشّاعر يُؤمن بالحياة التي تنعكسُ فيها الخِصالُ الأخلاقيّة والعدالة الاجتماعيّة.. ويرى أنَّ مِقياس النّجاح هو في عملٍ يُرضي كلّ مُتَشوّقٍ للأفضل…
ونسبة الارتقاء، مع اقتراب موعد انتخاب الهيئة الإداريّة لاتّحاد الكُتّاب اللبنانيّين، وارتفاع درجة حرارتها، رأيْنا، ومن منطلق الحرص على مبدأ المُساواة بين الجميع، وفي أعلى مَهَمّاتنا خدمة الاتحاد الذي غَرِقَ ببحر، أو بمستنقع الطائفيّة والمذهبيّة و..السياسيّة، على ما تَبادر إلى ذهني في الآونة الأخيرة، أنَّ هناك مَن يُحاول خلْقَ حالة طائفيّة ومذهبيّة داخل الاتحاد وبين الأعضاء، وأَنَّ العضو المسلم الشيعي لا يحقّ له تسلُّم الأمانة العامّة.. ما خلَقَ هزّةً وغضَباً في صفوف ٨٠ بالمائة من المسلمين الذين يشكّلون الأكثريّة المطلقة في الاتحاد، والذين هم أساس وجوده وسبب وجوده حتى اليوم… والذين دعوا ونشروا هذا الرّأي معروفون وبينهم إخوة وأصدقاء وزُملاء لهم قدْرَهُم ومكانتهم العلميّة والثقافيّة… أربأُ بنفسي إعلان أسماءَهم، إحتراماً للمَحبّة التي تجمعنا بهم، منذ عقودٍ… وفي الوقت نفسه أرى أنّ خطأً ما قد ارْتُكِب بحقّ جميع الإخوة من المسلمين الذين فوجئوا بما سمعوا.. والذي لا يليق أبداً بكاتبٍ ومثقَّفٍ في هذا المجتمع الذي نحاول جمع صفوفه وتوحيد كلمته، أن يدعو إلى مثل هذا ويفتح شرخاً وهوَّةً بيننا، ويحاول تفرقتنا، بهفوةٍ غير محكّمة وبتفكير خاطئ يُسيء الى الجميع، وهو غير مقبول.. وعلينا أن نقف في وجه كلّ من يدعو إلى مثل هذا الضّلال المؤذي جدًّا للجميع!!!
من هُنا، ينبغي تحسين الصورة وتحصينها وأنَّ ، كلّ مَن يملك القدرة على العطاء، والتّفاعُل والتّعامُل مع التطوّرات، يستطيع أن يُسمِع العالم صدى صوتَه المُعطّر بلهفة جميع الزُّملاء، حيث تتردّدُ كلماتُه وسطورها في أنحاء الوطن، وتُؤهّلُه لكسب الثّقة، والقلوب، ومن أيّ طائفة أو مذهبٍ كان، المهمّ أن يعرف كيف يُوظّف تصرّفه الممزوج بالحبّ والمعروك بالحساسيّة، من أجل الاستمرار والاستقرار.. والحبّ بما فيه من مزايا حميدة، والمطبوع في القلوب، هو الأهمّ في علاقات البشر.. يجمع ولا يُفَرِّق، يشفي ولا يُشقي، يمنع الحقد والغضب، ويخنق الضغينة قبل تكوّنها، ويُعزّز العلاقة والتّفاهم بين الجميع..
وأخيراً وليس آخرا، فالاتحاد هو اتّحادُنا، وعلينا أن نعمل بكلّ جهد وصدق لتحسين صورته، أوّلاً بعين أعضائه، وثانياً ، بعَيْن من كان ينظر إلى لبنان كواحة أمن وسلام واستقرار وازدهارٍ فكري وثقافي واجتماعي.. والعمل أيضًا على تأمين مقرّ لائق ودائمٍ له.. والله وليّ التوفيق.
مع أطيب تحيّات وتمنيّات الدكتور عبد الحافظ شمَص