في ظل ما يشهده لبنان والمنطقة من أحداث بعيدة عن مبادئ الإنسانية، حيث قتل الأطفال والنساء والأبرياء في غزة، وصولاً إلى تدمير التراث العالمي من كنائس ومساجد وتاريخ يحمل الحضارات، إلى قتل القيمة الإنسانية والحقوقية.
تأتي في هذا التوقيت زيارة *نيافة بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق مار بشارة بطرس الراعي الكليّ الطوبى*، إلى أرض القداسة جنوب لبنان الذي تتعرّض قراه الحدودية من شبعا والوزاني إلى عيتا الشعب ورميش وعين إبل والظهيرة وعلما الشعب حتى الناقورة لاعتداءات يوميّة على المدنيين وبيوتهم وأرزاقهم، وقصف من قِبَل العدو الصهيوني على مدار الوقت، وحتّى يؤكّد غبطته من خلال زيارته التضامنية أنّنا نعيش في لبنان الشراكة الحقيقية داخل الوطن الواحد انطلاقاً من المحبة والسلام، والعيش معاً لأجل حفظ وطننا الحبيب لبنان وأهله وقراره وسيادته الداخلية، وهذا ما كان يؤكّده *الإمام السيّد موسى الصدر في قوله: إنّ أفضل وجوه الحرب مع العدو الإسرائيلي السلم الداخلي*.
إنَّ زيارتكم يا نيافة البطريرك حملت معها الكثير من الإرتياح والإطمئنان لدى الجنوبيين باختلاف انتماءاتهم، لأنّ رعاية غبطتكم لم تكن تنطلق من بُعُد طائفي خاص، إنّما رعاية أبويّة لجميع اللبنانيين في جنوب لبنان ووقوفاً مع صمودهم ومواساةً لأحزانهم، وتأكيداً أنّ لبنان من شماله إلى جنوبه واحد، وكما عَبَّرتم: *إنَّ الجنوب هو جزء من لبنان وهو السياج، وإنّني أتيت لأجلكم جميعاً ولكي أطمئنّ عليكم وعلى كل القرى وكل الجنوبيين*.
لقد أكَّد غبطته في كل المحطات التي مرَّ عليها من كنائس المدينة المارونية والكاثوليكية والأرذوذكسية، إلى دار الإفتاء الجعفري والسني أنّنا جميعاً نرفض الظلم ونسعى إلى السلام ونؤيّد القضيّة الفلسطينة وحق الشعب الفلسطيني في العيش والسلام، ونستنكر معاً الإعتداءات التي تطال الإنسانية من فلسطين إلى جنوب لبنان.
صاحب النيافة غبطة البطريرك الكلي الطوبى، لقد تركت زيارتكم في هذا التوقيت بالذات أثرها الإيجابي والأبوي ليس على الجنوب فقط، إنّما على كل لبنان باختلاف أطيافه وطوائفه التي تشكّل النعمة والتنوّع والغنى، وهذا ما تعلّمناه من مدرسة الإمام السيد موسى الصدر، الذي عمل مع رجال الدين المسيحيين والمسلمين لأجل حفظ لبنان الوطن النهائي لجميع أبنائه، ونصرة الجنوب، وفي هذه اللحظات الحرجة التي يمر بها لبنان والجنوب كم نحتاج إلى أبوّتكم ورعايتكم، عَلَّنا نعيد الشراكة الحقيقية والسلم الداخلي والرؤية الوطنية، ونترك كلَّ الخلافات جانباً ونرسم خريطة طريق داخلية بريشة اللبنانيين، لأجل سدّ الفراغ الرئاسي ومنع أي فراغ محتمل وعودة انتظام الشأن العام، وحماية أجيالنا القادمة، ولا يكون هذا إلا بالوعي الوطني وترك الخلافات، وصلاتكم ودعائكم مع المؤمنين.
*من مدينة صور التي وطأتها أقدام السيد المسيح عليه السلام، وشافى فيها ابنة المرأة الكنعانية، وعلى مقربة من قانا الجليل وقداسة مريم العذراء عليها السلام حمى الله لبنان وأهله، ومنع عنه الفتن وأدام المصلحين والمحبّين.*
بقلم الشيخ ربيع قبيسي
مدينةصور ٩/١٢/٢٠٢٣