ينتظر الكثير من اللبنانيين فترة الأعياد للاحتفال والخروج تدريجياً من أعباء الأزمة الاقتصادية والسياسية. هذا العام، ورغم الظروف الأمنية المستجدة والأزمة المعيشية، إلا أن المحال التجارية والمؤسسات وحتى البلديات في الكثير من المناطق، بدأت بإضاءة الزينة في الشوارع العامة، في محاولة لتحريك الوضع الاقتصادي من جهة، وإدخال الفرح على قلوب اللبنانيين من جهة ثانية، إلا أن هذه المحاولات تصطدم بواقع الأسعار، وتحول الفرحة إلى “وجع”، حسب تعبير جورجيت الخوري من منطقة المتن. فقد ارتفعت الأسعار أكثر من أربعة أو خمسة أضعاف مما كانت عليه العام الماضي.
الميلاد مختصر
“الشجرة حاضرة ولكن بزينة قديمة” هكذا عبرت جورجيت الخوري عن واقع الحال. تقول لـ”المدن”: “شجرتنا موجودة منذ أكثر من 10 سنوات، وعادة نقوم بتغيير الزينة الخاصة بها، سنوياً. لكن منذ عامين تقريباً، لم نجددها بسبب الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار”. تهتم خوري بتفاصيل الميلاد، وتعبره من أهم الأعياد بالنسبة لها. ففي ركن منزلها تضع الشجرة برفقة المغارة، وتسعى سنوياً لشراء قطع من الزينة سواء للشجرة أو للمغارة بهدف إسعاد عائلتها. لكن هذا العام، تفاجأت بالأسعار الباهظة. تقول “لا يمكن شراء أي غرض يخص الميلاد بسعر يقل عن 10 دولارات، وهو رقم فعلاً مرتفع بالنسبة لمن يتقاضى راتباً متوسطاً”. فضلت خوري توفير الأموال لشراء هدايا الميلاد لأسرتها. وحسب تعبيرها، بدلاً من تجديد الزينة، سأقوم بشراء بعض الهدايا التذكارية للعائلة. فالميلاد يرمز إلى الفرح وتحديداً للصغار.
الأسعار “مدولرة” ومضاعفة
في جولة لـ”المدن” للتعرف على أسعار زينة الميلاد هذا العام، تبين بأن الأسعار ورغم “دولترها” ارتفعت أكثر من أربعة أضعاف ما كانت عليه العام الماضي، ولا يمكن شراء أي قطعة للشجرة بسعر يقل عن 5 دولارات. النجمة تبدأ أسعارها من 8 دولارات للحجم الصغير وترتفع لأكثر من 20 دولاراً، فيما الكرات التي تلألئ الشجرة، تبدأ من 3 دولارات للكرة الواحدة وترتفع إلى 10 دولارات، ويمكن شراء علبة تحتوي على 12 كرة بأحجام مختلفة بنحو 50 دولاراً، أما شريط الإضاءة فتبدأ الأسعار من 7 دولارات.
بالنسبة إلى أشجار الميلاد، تتباين الأسعار حسب المنطقة. فعلى سبيل المثال في منطقة طريق المطار، تبدأ الأسعار من 15 دولاراً للشجرة الصغيرة، وترتفع إلى نحو 50 دولاراً.
أما في مناطق بيروت العاصمة، فالأسعار تبدأ من 25 دولاراً، وترتفع إلى أكثر من 200 دولار حسب حجم الشجرة ونوعيتها. ففي منطقة الحمرا لا يمكن شراء أي شجرة بسعر أقل من 70 دولاراً، فيما الأسعار تتراوح ما بين 50 و100 دولار في منطقة الأشرفية. أما في مناطق المتن، يبدأ سعر شجرة 6 إلى 7 أمتار من نحو 300 دولار، وتشمل بعض الزينة البسيطة كالكرات أو شريط الإضاءة.
أما سعر المغارة وهي تجسّد المعنى الحقيقي لروح عيد الميلاد، فتتراوح الأسعار ما بين 40 و80 دولاراً، تتضمن بعض القطع الأساسية لها.
وبدا لافتاً ازدهار بيع الأشجار والزينة المستعملة، وهي ظاهرة بدأت حديثاً، مع تردي الأوضاع الاقتصادية. على المواقع الإلكترونية انتشرت الإعلانات الخاصة ببيع أشجار الميلاد بسعر يبدأ من 10 دولارات، كما كان لافتاً بيع زينة الميلاد المستعملة، خصوصاً الزينة الأوروبية ذات العلامات التجارية الباهظة الثمن بأسعار تبدأ من 25 دولاراً.
في منطقة بعبدات لفت بيار الأسمر صاحب متجر لبيع الأدوات المنزلية وخصص ركناً لبيع زينة الميلاد، إلى أن بيع زينة الميلاد المستعملة بات مزدهراً في العديد من المناطق اللبنانية. يقول لـ”المدن”: “تعد تكلفة شراء زينة مستعملة أقل من الضعفين من ثمن الزينة الجديدة، وهو ما شجع البائع والمشتري”. يضيف “بالنسبة لنا كتجار، من المهم تصريف البضائع، وبالتالي بيع الأشجار المستعملة بسعر مقبول يشجع المشتري، وتحديداً أصحاب الميزانيات المتوسطة”. ووفق الأسمر، على اللبنانيين التكاتف خصوصاً في موسم الأعياد، لإدخال الفرح.
ماذا عن المأكولات؟
في منطقة الأشرفية، وتحديداً في ساحة ساسين، أفتتح سوق العيد لاستقبال الزوار، إذ تلألأت أكشاك الطعام المتنوعة، والألعاب وهدايا الميلاد. يصف أنطوان القزي أحد بائعي الأطعمة الخاصة بالميلاد لـ”المدن” الإقبال بالجيد وتحديداً في فترة نهاية الأسبوع، والأسعار حسب تعبيره “مقبولة نسبياً”. يبيع القزي بعض الحلويات الأساسية مثل كعك العيد، ويسمح للأطفال بتزيينها بسعر يبدأ من دولار واحد للقطعة الواحدة زنة 100 غرام. وتباع أيضاً العديد من المأكولات الأخرى المرتبطة بالعيد مثل الشوكولا وغيرها بالقطعة الواحدة، حسب ما لفت إليه القزي.
في موسم الأعياد، يزداد الطلب على “الشوكولا”، إلا أن نسبة المبيع لا تزال خجولة نسبياً. تقول ماريان سعد من منطقة الأشرفية “اختلفت الكثير من العادات في فترة الأعياد، اعتدنا في السابق شراء الشوكولا والحلويات، بالإضافة إلى الـBuche de Noel وهو يعد الأساسي على المائدة ليلة الميلاد، لكن الأسعار أجبرتنا على التخلي عن الكثير من العادات. تضيف لـ”المدن”: “منذ عامين تخلينا عن فكرة شراء الشوكولا بعدما ناهز سعر الكيلوغرام الخمسين دولاراً، ونقوم بدلاً من ذلك بتحضير الكعك والبسكويت في المنزل”.
أسعار الحلويات وتحديداً Buche de Noel، متباينة بحسب حجمها، تبدأ الأسعار من 18 و20 دولاراً بالنسبة إلى الكعكة ذات 17 سنتيمتراً، وترتفع إلى نحو 80 دولاراً بالنسبة إلى الكعكة الأكبر نسبياً.
بالنسبة إلى الكثير من العائلات، حسب سعد، باتت المناسبات مثل الأعياد تشكل عبئاً إضافياً، وتحتاج إلى ميزانية خاصة، وهو أمر مرهق نفسياً. وفق حساباتها، يحتاج موسم عيد الميلاد ما يقارب من 400 دولار، ما يقارب من 36 مليون ليرة، ما بين شجرة وزينة وبعض الحلويات الأساسية، وهو مبلغ لا طاقة لنا عليه في الوقت الحاضر. ووفق سعد، بات الخروج من المنزل لشراء أي سلعة تخص العيد، يحتاج ما لا يقل عن 50 دولاراً، وهو رقم لم نعتد عليه حتى قبل الأزمة.
بلقيس عبد الرضا – المدن
Follow Us: