السبت, نوفمبر 23
Banner

جبهات غزة والضفة الغربية والجنوب اللبناني: أي ترابط قائم؟

يزداد الخطاب الاسرائيلي، خطاب الحرب، حدة، باهدافه المرتفعة منذ اليوم الاول وغير القابلة للتحقيق كما تبين منذ شهرين ونيف من الحرب من جهة، ويزداد العدوان الاسرائيلي على غزة عنفا واتساعا بهدف “تنظيف” شمال القطاع كليا من اهل غزة تحت عنوان التخلص من حماس وخلق المنطقة الامنة المطلوبة كهدف اولي بالطبع ودفع السكان نحو جنوب القطاع لمحاصرتهم وبالتالي العمل على خلق الظروف الضاغطة لتهجيرهم لاحقا من جهة اخرى. يظهر هذا العدوان المتصاعد حجم المأساة التي يعيشها اهل غزة من جهة وحجم المازق الإسرائيلي من جهةٍ اخرى من حيث عدم القدرة على تحقيق الاهداف المتوخاة والمعلن عنها في حرب الاخضاع والالغاء التي اطلقتها إسرائيل. اهداف استراتيجية صعبة التحقيق تترك تداعياتها ايضا على كل جوانب الوضع في إسرائيل اذ سيعاني الاقتصاد الاسرائيلي من ركود قوي نتيجة انهيار الاستثمارات الخارجية والخسائر الكبيرة التي اصابت القطاعات الاقتصادية الاساسية في إسرائيل في حرب تبدو مفتوحة في الزمان وقد تتوسع في المكان. ويرى اكثر من اقتصادي إسرائيلي ان السنة المقبلة ستكون قاتمة على هذا الصعيد .

عدم القدرة على تحقيق هدف اخضاع قطاع غزة كليا يرجح سيناريو دخول إسرائيل في حرب طويلة او ممتدة في القطاع. الامر الذي يدل على حجم المازق التي وضعت إسرائيل نفسها فيه. لجوء الامين العام للامم المتحدة لاستعمال صلاحياته الخاصة الذي تمنحه اياها المادة ٩٩ من ميثاق الامم المتحدة لتنبيه مجلس الامن الى الخطر الذي يهدد السلم والامن الدوليين لم يمنع الولايات المتحدة من استعمال حق النقض للاطاحة بمشروع القرار الذي دعا الى “وقف اطلاق نار انساني فوري”. وللتذكير فان هذه الخطوة قد استعملت مرات قليلة في تاريخ المنظمة الدولية في الحالات التي وجد فيها الامين العام للمنظمة الدولية ان هنالك ازمة حاملة لتهديدات كبيرة غير عادية اذا لم يتم احتواؤها، منها عام ١٩٨٩ بشأن لبنان، وحدة الازمة وتداعياتها الخطيرة التي كان يعيشها حينذاك.

البعض يقول ان واشنطن قد اعطت إسرائيل فترة زمنية محددة. هناك خلاف حول مدتها بين اصحاب هذا الراي، قاربت على نهايتها لانهاء العملية العسكرية بحجمها وقوتها والتي لا يمكن ان تستمر بهذا الشكل. وبعدها سيجري العمل على بلورة تسوية يجب ان تحفظ ماء الوجه للسلطة في إسرائيل وان تحقق لها ابرز اهدافها في اضعاف ومحاصرة وتهميش دور حماس واخراجها من اللعبة اذا لم يكن من الممكن كما هو واضح التخلص منها كليا، كما اعلنت إسرائيل عن ذلك في اليوم الاول للحرب. الدعم الاميركي لإسرائيل والموقف الذي يراوح بين الدعم والتفهم الاخذ بالتراجع ببطء، وبسرعات مختلفة عند مجمل وليس كل القوى الاوروبية، ساهم ويساهم في تعزيز سياسة التشدد الاسرائيلي. لكن ضغوط الراي العام الدولي ومخاطر انفجار الوضع بشكل كبير باشكال مختلفة في المنطقة من بوابة غزة تساهم في بداية ما زالت خجولة عند هذه القوى المؤثرة بالموقف الاسرائيلي للدفع باتجاه وقف الحرب تحت عناوين مختلفة من اهمها هدنة انسانية مفتوحة يجري تعزيزها مع الوقت وذلك تلافيا لاستعمال تعبير وقف اطلاق النار.

يتواكب ذلك مع ازدياد سياسات تهويد الضفة الغربية على صعيدي الديموغرافيا والجغرافيا من خلال مصادرة الاراضي، تحت عناوين مختلفة منها احداث تواصل جغرافي بين المستوطنات، وكذلك اقامة بؤر استيطانية زراعية جديدة وتصعيد واضح في سياسات ترهيب السكان الفلسطينيين عبر اعمال العنف التي يقوم بها المستوطنون المدعومون من القوى الامنية في هذا الشان. الامر الذي يهدد بانفجار الوضع في الضفة الغربية في اي لحظة .

وفي سياق هذه التطورات بدأت إسرائيل باعادة اثارة موضوع استكمال تطبيق القرار ١٧٠١ الخاص بلبنان عبر اخلاء المنطقة الواقعة بين الحدود ونهر الليطاني من اي قوة مسلحة غير الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل تحت عنوان عدم العودة الى الوضع الذي كان قائما قبل السابع من تشرين اول. الوضع الذي كانت تنظمه قواعد الاشتباك التي تبلورت بعد عدوان صيف ٢٠٠٦. طبعا الرد من قبل لبنان الرسمي وكذلك “حزب الله” يعتبر ان إسرائيل لم تحترم تنفيذ القرار ١٧٠١ في كل جوانبه ومن الامثلة على ذلك اختراق الطيران العسكري الاسرائيلي للاجواء اللبنانية بشكل متكرر والهجوم على سوريا عبر الاجواء اللبنانية الى جانب كاميرات المراقبة على الحدود الموجهة نحو مناطق جنوب الليطاني. اضف ان هنالك مشكلة النقاط الـ 13 الحدودية الخلافية والتي يفترض تسويتها، وضرورة الانسحاب من شمال الغجر وتلال كفرشوبا وهي مناطق لبنانية الى جانب الانسحاب من مزارع شبعا، رغم ان الامم المتحدة لا تعتبر انها تخضع للقرار ٤٢٥ الخاص بلبنان. استراتيجية “وحدة الساحات” التي اعلن عنها حزب الله في بداية العدوان على غزة تساهم ايضا في زيادة التعقيدات حول صعوبة العودة الى الوضع الذي كان سائدا قبل السابع من تشرين اول.

ومن الواضح ان المطلوب بداية التوصل الى وقف اطلاق النار في غزة قبل البحث الفعلي والجدي ببلورة “قواعد اشتباك جديدة” على الحدود اللبنانية الاسرائيلية. قواعد تاخذ في الاعتبار المتغيرات التي احدثتها حرب غزة في الجبهات المشتعلة، عندما تتوقف هذه الحرب. متغيرات تدل على الترابط الفعلي والجديد في بعض اشكاله وفي ادارته بين جبهتي غزة والجنوب مرورا بجبهة الضفة الغربية .

والى حين التوصل الى ذلك، اي وقف الحرب في غزة، ستبقى كافة الاحتمالات قائمة بشان جبهات القتال رغم اختلاف حدة هذه الحروب وطبيعة ادارتها، وستبقى المنطقة على صفيح ساخن وقابلة لحدوث سيناريوات مستقبلية مختلفة، وذلك رغم الضغوط الدولية لمنع حدوث حرب مفتوحة على الجبهة اللبنانية .

الدكتور ناصيف حتي – النهار

Leave A Reply