حسين سعد –
يقتحم إحسان، العنصر المتطوّع في الدفاع المدنيّ اللبنانيّ، لهيب النار، في أحراج الزيتون والسنديان، في بلدتي الناقورة وعلما الشعب، الملاصقتين للحدود الفلسطينيّة المحتلّة، في منطقة القطاع الغربي من جنوب لبنان، وعلى كتفيه حمل انتظار، في أن ينال حقوقه الدنيا من الدولة اللبنانيّة، مؤجّلة من سنوات طويلة، من دون أن يثنيه هذا الأمر عن دوره الإنسانيّ. يتنشّق مع زملائه انبعاثات قذائف الفوسفور الأبيض، الذي يغطّي محاور الجنوب، ولا يتراجع عن إسعاف مواطنين مدنيّين عزّل، في بلدة الضهيرة، أغشت منازلهم أدخنة القنابل الفوسفوريّة، ونقْلِهم إلى خارج هذا الجحيم المستمرّ منذ شهرين وأكثر.
من المؤكّد أن إحسان وخالد وأحمد وحسين وإيلي وسواهم، من العاملين والمتطوّعين، في الفرق الإسعافيّة في الصليب الأحمر اللبنانيّ والدفاع المدنيّ وكشّافة الرسالة الإسلاميّة والهيئة الصحّيّة الإسلاميّة، “مشاريع” شهداء وجرحى، في أثناء القيام بواجبهم الوطنيّ والإنسانيّ، على أرض أحبّوها وارتبطوا فيها ارتباطًا وثيقًا.
تؤدّي الجمعيات الآنفة الذكر وغيرها من الفرق الإسعافيّة والإغاثيّة في الجنوب، وكذلك بعض البلديّات، دورًا موازيًا للصامدين والمدافعين عن أرضهم ووطنهم، خصوصًا في محاور العمليّات العسكريّة الجارية بين المقاومة اللبنانيّة والعدو الإسرائيليّ، حيث قدّمت الجمعيّات (ومنها كشافة الرسالة الإسلاميّة) جرحى ومصابين في إبّان مهامهم في نقل جثامين الشهداء والمصابين من الأودية والمنازل المدمّرة بغارات الطيران الحربيّ الإسرائيليّ.
تواجه الجمعيّات كافّة، العاملة في الميدان، صعوبات شتّى، إذ لا تفرّق إسرائيل في قصفها بين المقاتلين والمدنيّين وفرق الإسعاف والانقاذ وحتّى الإعلاميّين، إضافة إلى خطر ما تتركه الاعتداءات الإسرائيليّة من مخلّفات القذائف غير المنفجرة والألغام والقنابل العنقوديّة، وتحديدًا على امتداد الخطّ الذي يُعرف بالخطّ الازرق.
الصليب الأحمر اللبنانيّ
يضطلع الدفاع المدنيّ اللبنانيّ (الرسميّ)، وكذلك الصليب الأحمر اللبنانيّ، بدور فعّال ورئيس في مؤازرة السكّان المدنيّين ونقل المصابين إلى المشافي وتأمين الإسعافات الأوّليّة.
يعمل الصليب الأحمر اللبنانيّ، بكلّ طاقته في الجنوب، منذ اندلاع المواجهات، وينفّذ مهامًا أساسيّة تتعلّق بإسعاف المصابين وسحبهم ونقل جثامين الشهداء من المناطق الخطرة، بعد التنسيق مع الجيش اللبنانيّ وقوّات اليونيفيل، وهذا ما سُجّل في علما الشعب والوزّانيّ وشبعا وغيرها من المناطق.
وكان الصليب الأحمر اللبنانيّ، قد أعلن مع بداية الحرب، عبر رئيسه الدكتور أنطوان الزغبي عن وجود خطّة استباقيّة للصليب الأحمر في الجنوب، واستعداده التامّ لأيّ طارئ، وأنّ جميع قطاعاته وفروعه متأهّبة. وقد وضع كلّ طواقمه في حالة تأهّب لتوفير خدماته الأساسيّة لناحية الإسعاف والطوارئ وتأمين وحدات الدمّ والمستوصفات الميدانيّة، وكذلك لإدارة الكوارث والحدّ من مخاطرها.
الدفاع المدنيّ اللبنانيّ
تنتشر في محاور الجنوب، بين محافظتيّ الجنوب والنبطيّة، العديد من مراكز الدفاع المدنيّ المجهّزة بسيّارات الإطفاء الكبيرة الحجم، وسيّارات الإسعاف ومعدّات رفع الأنقاض والآليّات، فتعمل بالتنسيق والتعاون مع الجمعيّات والمؤسّسات، في عمليّة إطفاء الحرائق التي قضت على نحو خمسة ملايين متر مربّع من الأراضي المغروسة بأشجار الزيتون والسنديان والفواكه.
وقد أصيب في خلال عمليّات إطفاء الحرائق في الناقورة وعلما الشعب وفي أثناء نقل المصابين بالفوسفور الأبيض، عددٌ من عناصر هذا الجهاز، بينهم رئيس مركز علما الشعب خالد قريطم.
ويقول رئيس مركز الدفاع المدنيّ الإقليميّ في النبطية، حسين فقيه : “إنّ مراكز الدفاع المدنيّ اللبناني التي تعمل على خطوط التماس، مع العدوّ الإسرائيليّ، يبلغ عددها ستّة عشر مركزًا، وهي بجهوزيّة عالية للمحافظة على أرزاق الناس وممتلكاتهم.
ويضيف: “إنّ فرق الدفاع المدنيّ، تتحرّك عند حدوث أيّ اعتداء على مناطقنا، لأنّنا نعتبر أرواح الناس وممتلكاتهم أمانة في أعناقنا، فيما يعتبرنا المواطن أنّنا شبكة الأمان له. وانطلاقًا من ذلك نتحرّك تحت القصف لتنفيذ مهامنا وعمليّاتنا، المتمثّلة بالإطفاء والإسعاف والإنقاذ، إضافة إلى تأمين المياه إلى مراكز إيواء النازحين”.
ويؤكّد “أن كلّ المهام تُتابع لحظة بلحظة من قبل مدير عام الدفاع المدنيّ العميد ريمون خطّار. كذلك ننسّق العمل في المهمّات والتحرّكات الميدانيّة، مع الجيش اللبنانيّ”.
وحول الإمكانات المتوافرة والمتاحة، يلفت فقيه إلى “أنّ الوضع لناحية الإمكانات، شبيه بواقع كلّ مؤسّسات الدولة، لكنّ هذا الوضع لا يمنعنا من العمل وأداء مهامنا على أكمل وجه، للحفاظ على حياة أهلنا وأرزاقهم وممتلكاتهم”.
ويردف: “في الوقت عينه، إنّ عناصر الدفاع المدنيّ يواجهون ظروفًا صعبة، خصوصًا عند إطفاء الحرائق الناجمة من استخدام العدوّ قذائف فوسفوريّة”. وتوجّه فقيه بالتحيّة إلى “كلّ الموظّفين والمتطوّعين في جهاز الدفاع المدنيّ اللبنانيّ، لأنّهم جنود مجهولون لا يتقاعسون عن أداء دورهم على أكمل وجه”.
كشّافة الرسالة الإسلاميّة
تلعب كشّافة الرسالة الإسلاميّة (جهاز الدفاع المدنيّ) دورًا كبيرًا، على الساحة الجنوبيّة، المشتعلة منذ أكثر من شهرين، وتقوم بمهام يوميّة، في عمليّة إطفاء الحرائق ونقل المصابين وسحب جثامين الشهداء، ومنهم شهداء الصحافة.
يشدّد مفوّض الدفاع المدنيّ المركزيّ في جمعيّة كشّافة الرسالة الإسلاميّة ربيع عيسى، على “أهمّيّة أداء هذا الدور الإنسانيّ والأخلاقيّ تجاه أهلنا في الجنوب”.
ويقول عيسى: “إنّ الجمعيّة التي انطلقت في العام 1977 منتشرة على الأراضي اللبنانيّة كافّة، وخصوصًا في الجنوب الذي يشهد عدوانًا إسرائيليًّا، منذ ما يزيد على شهرين متواصلين”. ويضيف: “نحن مستمرّون في عملنا الإنسانيّ برغم العدوان الوحشيّ الإسرائيليّ على الجنوب، حيث قدّمت الجمعيّة شهداء وجرحى، على امتداد الحروب والاعتداءات الإسرائيليّة، وكان آخرهم أربعة مسعفين أصيبوا بغارة إسرائيليّة في طير حرفا”.
يتابع عيسى: “لدينا غرفة عمليّات تواكب كلّ التطوّرات الأمنيّة، فيتوجّه عناصرنا عند الحاجة والضرورة بكلّ إرادة وصلابة، وقد علّمتنا التجارب من الاجتياح الإسرائيليّ في العام 1982، وعدوانيّ نيسان وتمّوز، إلى مجازر قانا، وسيّارة إسعاف المنصوري، أنّ العدوّ الإسرائيليّ، هو عدوّ غادر، ولا يسلم منه البشر والشجر والحجر، لكنّ ذلك لن يثنينا عن دورنا الوطنيّ والإنسانيّ”.
ويتناول عيسى الأزمة الاقتصاديّة في لبنان “التي زادت من الأعباء التي تواجه مسعفينا وعناصرنا وأفواج الإطفاء، كما تواجه المجتمع اللبنانيّ بكليته”. فضلاً عن دور الإسعاف والإطفاء يعدّد عيسى المهام التي يقوم بها الدفاع المدنيّ في كشّافة الرسالة، وهي “تشمل إيصال المواد الغذائيّة والمعونات وتأمين النازحين، بالتعاون مع الجمعيّة الأّم، كشّافة الرسالة الإسلاميّة، والبلديّات ووزارة الصحّة ومستشفيات المنطقة، إلى تعزيز عمليّة التنسيق بين الجهات المعنيّة”.
ويختم: “بالرغم من كلّ التحدّيات والأخطار، نحن مستمرّون ومصرّون على العطاء والعمل لما فيه خير الإنسان والمجتمع والوطن. لم ولن ترهبنا غارات الطائرات الحربيّة الإسرائيليّة والمسيّرات”.
هيئة أبناء العرقوب
تنال منطقة العرقوب، التي تضمّ: شبعا، كفرشوبا، الهبّاريّة، راشيّا الفخّار، كفرحمام، الفرديس والماري، وتتبع إلى قضاء حاصبيّا، قسطًا كبيرًا من الاعتداءات الإسرائيليّة، ويسقط على أرضها شهداء وجرحى.
تتابع “هيئة أبناء العرقوب”، شؤون المنطقة بالتعاون مع البلديّات والمؤسّسات الرسميّة، وقد أخذت على عاتقها، منذ بدء العدوان الإسرائيليّ، تجهيز سيّارة إسعاف وفريق من المتطوّعين، تلقّى تدريبات على الإسعاف والإنقاذ.
ويؤكّد المسؤول الإعلاميّ في الهيئة الزميل أكرم حمدان “أنّ الهيئة، بادرت بسرعة إلى تجهيز سيّارة إسعاف، كانت موجودة وتستخدم كمستوصف نقّال، يقدّم خدمات صحّيّة وطبّيّة في قرى العرقوب وحاصبيا”.
ويضيف: “لقد خضع عدد من الشبّان المتطوّعين، إلى دورة تدريبيّة، على أعمال الدفاع المدنيّ، للقيام بدورهم في المنطقة، بالتنسيق والتعاون مع الصليب الأحمر اللبنانيّ والدفاع المدنيّ والأجهزة الرسميّة كافّة، من بينها البلديّات، للقيام بما يلزم من مهام، في ظلّ استمرار الاعتداءات الإسرائيليّة، التي اوقعت عددًا من الشهداء المدنيّين والجرحى من أبناء المنطقة”.
الهيئة الصحّيّة الإسلاميّة
تواكب الهيئة الصحّيّة الإسلاميّة التطوّرات الميدانيّة لحظة بلحظة، وتؤدّي مهامًا عديدة، تشمل المساهمة في إطفاء الحرائق وإسعاف الجرحى ونقلهم إلى المستشفيات، كذلك سحب الجثامين من أرض المعركة، ومن تحت أنقاض المنازل، التي تقصفها إسرائيل أو تدمّرها على رؤوس ساكنيها.
يقول محمود أمين، مسؤول الإسعاف في الهيئة الصحّيّة الإسلاميّة في منطقة الجنوب الأولى: “نحن منذ بداية الأحداث، رفعنا الجهوزيّة بكلّ المنطقة، وبدأنا بتنفيذ المهمّات أوّلًا بأوّل”. ويشير إلى أنّه “في بداية العدوان، كان هناك استهداف كبير للأحراج وما ترتّب عنه من حرائق كبيرة، من الناقورة إلى القطاعين الأوسط والشرقيّ، مرورًا بيارون وكفرشوبا وشبعا، حيث لجأ العدوّ إلى استخدام الفوسفور الأبيض، فعملنا على سحب عدد من المصابين إلى المستشفيات وأعددنا حلقات توعية من مخاطر هذا الفوسفور الأبيض”.
ويضيف أمين: “لم تقتصر المهام على إطفاء الحرائق، بل تعدّاها إلى سحب الشهداء والجرحى، ومنها نقل شهداء مجزرة عيناثا، حيث كان رجال الهيئة على الأرض، فعملوا على سحب الجريحة والشهداء بمؤازرة جمعيّات أخرى، وكذلك المشاركة الفعّالة في عمليّة رفع الأنقاض، وانتشال الشهداء والمصابين”.
ويؤكّد “أنّنا إلى جانب الناس، لأنّنا من هؤلاء الناس، ولدينا الكثير من المتطوّعين الجاهزين لأيّ طارئ أو مهام إنسانيّة ووطنيّة، ومهما بلغ التحدّي، فإنّ شباب الهيئة مستعدّون لكلّ عطاء”.
أمّا الصعوبات فتكمن بحسب أمين “في أنّ العدوّ لا يميّز بين مدنيّ وغير مدنيّ، خصوصًا في هذه المعركة، وهذا ما نراه كذلك في غزّة، فلا يحيّد المستشفيات وسيّارات الإسعاف والأطقم الطبّيّة والتمريضيّة”.
“لا يعترف هذا العدوّ، بشرع دوليّة ولا القوانين تقيّده، لكنّ هذه الصعوبات، لن تثنينا عن دورنا الإنسانيّ” يشدّد أمين ويختم: “نحن جاهزون في كلّ الميادين، سواء في أعمال الإطفاء أو الإسعاف أو رفع الأنقاض، وبرغم كلّ المخاطر فإنّ واجبنا الإنسانيّ يحتّم علينا أن نتخطّى كلّ العقبات التي تعترض مهامنا، على طول هذه الجبهة الواسعة، التي تزيد على مئة كيلو متر، لا سيّما وأنّ العدو يعمد إلى تعميق استهدافاته للقرى والبلدات الآمنة”.
مناطق.نت