يبدو انّ التحضير للمفاوضات حول تهدئة الوضع المتفجر في الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة يحتاج الى اكثر من إبداء القلق الغربي على استقرار لبنان وامن مستوطني الكيان الاسرائيلي، فالمواجهات العسكرية المحتدمة تحتاج الى ضغوط وإجراءات سياسية قبل العسكرية والامنية على اسرائيل، طالما انّ سبب التوتر موجود وهو الحرب التدميرية التهجيرية على قطاع غزة واهله، وقبلها عدم التزام اسرائيل بتطبيق القرار 1701 قبل حرب غزة وخلالها وسيستمر بعدها.
وقد ظهر انّ المسعى الغربي، الاميركي والفرنسي بشكل خاص، ما زال قاصراً عن لجم الكيان الاسرائيلي في لبنان وفي فلسطين، وما التحذيرات والتهديدات المبطّنة التي ينقلها الموفدون المغلفة بالخوف على لبنان، سوى تبنٍّ واضح لمتطلبات اسرائيل الامنية والعسكرية، من دون نقل اي تطمينات الى لبنان او تعهدات بتلبية متطلباته، وما تسرّب من معلومات عبر الاعلام العبري وبعض العربي، عن شروط اسرائيل للتهدئة على جبهة لبنان وفلسطين هو دليل على ان كل الكلام عن حرص على لبنان هو كلام في الهواء لا مفاعيل له على الارض عملياً، طالما لا يأخذ بالاعتبار معالجة سريعة للأسباب التي تعطي المقاومة في لبنان حقها في الدفاع عن ارضها والسعي لتحرير المحتل منها.
في تسريبات الاعلام العبري «ان اسرائيل تشترط إبعاد قوات النخبة في المقاومة 40 كيلومتراً عن الحدود، معترفاً انه لن تؤدي هذه الخطوة إلى إزالة التهديد الصاروخي، ولكنها ستُقلل بشكل كبير من خطر التسلل، وتوفر الأمن للسكان في المنطقة شمالاً للعودة إلى ديارهم. وإن الأميركيين يتطلعون، عبر مبعوث الرئيس الاميركي جو بايدن، اموس هوكشتاين، إلى إعطاء اللبنانيين حوافز إضافية، ومن الأفكار المطروحة، إعطاء حوافز اقتصادية للاقتصاد اللبناني المتعثر، مشيرة إلى أن هوكشتاين يستكشف أيضاً أفكاراً لتنظيم الحدود البرية».
امّا في تسريبات بعض الاعلام العربي، ان اسرائيل طلبت من الموفدين المشتغلين على التهدئة نشر الجيش اللبناني مع قوات فرنسية على طول الحدود اللبنانية، ونشر قوات اميركية من جانب فلسطين المحتلة (وهو امر لم يتأكد). وإشترطت اسرائيل حصر السلاح جنوب الليطاني بالجيش اللبناني. كما تحدثت عن «ضمانة أميركية بألا تقوم إسرائيل بأي عملية جنوبي لبنان وتنتشر قوات أميركية في الجانب الإسرائيلي».
هذه السيناريوهات الاعلامية لو صَحّت تعني ان اسرائيل لا تريد الاقرار بوجود مطالب ومصالح لبنانية جوهرية لا شكلية لا بد من اخذها بعين الاعتبار، والمقاومة اللبنانية تعي هذا الامر ايضاً وتحاول ان تجبر اسرائيل على تلبية مطالب لبنان والانسحاب من النقاط والمناطق المحتلة ووقف الانتهاكات اليومية للقرار 1701، ووقف استهداف سوريا من الاجواء اللبنانية، عدا عن مطلب لبناني رسمي مزمن منذ العام 2006 بأن تنتشر القوات الدولية اليونيفيل على الحدود من الجانب الفلسطيني كما تنتشر على الحدود من جانب لبنان، وهو المطلب الذي تجاهلته وقتها اميركا والدول المشاركة في اليونيفيل.
لهذا السبب يجري التحضير للتفاوض على الحلول والتهدئة على نار حامية عبر التصعيد الميداني والذي تجاوز من قبل اسرائيل مرات عديدة ما يُعرف بقواعد الاشتباك عبر استهداف المدنيين والاحياء السكنية في القرى، ما اضطر المقاومة الى الرد بالمثل وقصف بعض الاهداف داخل المستوطنات، فوقعَت اضرار كبيرة في المنازل بحسب اعتراف الاعلام العبري، وآخرها امس الاول حيث تضرّر 15 منزلا في مستعمرة المطلة. بينما «مسح» طيران العدو الحربي قبل ايام أحياء سكنية كاملة في بلدتي عيترون وعيتا الشعب وغيرهما.
وعلى هذا سيبقى التحضير للتفاوض بالنار قائماً ما لم يحمل الموفدون الفرنسيون والاميركيون حلولاً واقعية تُرضي لبنان بكل ما يطلبه ايضاً، لا الاكتفاء بما يتم تسريبه من رشى اقتصادية او مالية او موضعية في بعض النقاط الحدودية. وها هي وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا ستزور لبنان يوم الجمعة المقبل بعد زيارة اسرائيل، «ومن الأفكار المطروحة على جدول زيارة تل ابيب، تقديم حوافز مالية للبنان، وإبعاد «حزب الله» من شمال الليطاني، ومفاوضات لترسيم الحدود البرية»، حسبما ذكرت صحيفة «يديعوت احرنوت» الاسرائيلية. في حين تستمر يومياً تهديدات قادة اسرائيل بأنه إن لم تنفع الدبلوماسية سيتم اللجوء الى خيارات عسكرية مع لبنان.
غاصب المختار- الجمهورية