الجمعة, نوفمبر 22
Banner

بيروت تتحدى الأزمات ببث الحياة استعدادا للأعياد

يستعد لبنان لاستقبال الأعياد في أجواء لا تخلو من التضارب بين الأمل والقلق. وكأن المواطن اللبناني يحمل في داخله إصراراً على المضي قدماً والاستمتاع بالحياة والأعياد رغم المآسي، ولو كانت فرحته ناقصة. إذ تسيطر أجواء الحرب في غزة وجنوب لبنان على البلاد من أكثر من شهرين، مع ما يرافقها من قلق وخوف من اتساع رقعتها. لكن، في الأسبوعين الأخيرين أظهر لبنان مرة جديدة قدرته على التأقلم وحبه للحياة، فإذ بمدينة بيروت تتزين بأضواء الأعياد وألوانها الزاهية، رغم التطورات الأمنية غير المطمئنة، ورغم إلغاء كثير من حجوزات المغتربين الذين كانوا يترقبون فترة الأعياد. إنما من المؤسف أن حلة العيد لم تتوزع بشكل متساوٍ بين المناطق، ففي مقابل انتعاش بعض المدن حيث نشطت الحركة، خلت مناطق أخرى من زينة العيد وبدت الحركة في أسواقها خجولة.

عودة الحياة إلى وسط بيروت

ويظهر وسط العاصمة بيروت على رأس المناطق التي لفتت الأنظار بعودة الحياة إليها في موسم الأعياد. فإثر أجواء الحزن والظلمة التي سيطرت عليها في السنوات الأخيرة نتيجة الأزمة وانفجار مرفأ بيروت، ووصفها من قبل كثيرين بـ”مدينة الأشباح”، إذ بها تنبض بالحيوية من جديد، وأعادت “زحمة” العيد وأنواره الحياة إليها، خصوصاً بعد إعادة إطلاق الحركة في “أسواق بيروت” وتأجير قسم من مساحاتها. كما سعت مبادرات فردية إلى إنارة شوارع وسط المدينة، وتزينت واجهات مطاعمها ومحلاتها لاستقبال الأعياد، علّها تستعيد رهجة “سنوات العز”.

الحزن يلف مناطق أخرى

في المقابل، يبدو واضحاً أن أجواء العيد لم تتمكن من التغلب على الحزن الذي يلف مناطق أخرى، فبقيت غارقة في الظلمة ولم تتزيّن استعداداً للأعياد، كما في الأعوام السابقة، ومنها مناطق تتميز بأسواقها التجارية. كما يبدو واضحاً أن الحركة التي نشطت بشكل لافت في المراكز التجارية الكبرى في الأسبوع الماضي مع الاحتفالات التي انطلقت فيها، بقيت خجولة في الأسواق المناطقية. وكانت مدينة البترون في شمال لبنان، من المناطق التي عمّت فيها أجواء العيد مع انطلاق فعاليات القرية الميلادية فيها ومعارضها. كذلك، في منطقة الأشرفية في بيروت التي تزينت ساحتها بشجرة العيد التي تعكس الأمل، إلى جانب المعرض الميلادي الذي يستمر طوال أسبوعين، وأيضاً في مدينة جبيل التي تحتفل بالأعياد كما في كل عام. وتعددت المناطق التي استعدت للأعياد عبر القرى الميلادية والمعارض علّها تسهم في إدخال الفرحة إلى القلوب.

على الرغم من ذلك، يبدو أن حركة الأسواق بقيت متأثرة بأجواء القلق والخوف من المستقبل نتيجة الحرب. فكانت الأزمة تؤثر على حركة الأسواق في الأعياد، فيما أتت الحرب لتزيد الوضع سوءاً، وإن كانت قد نشطت إلى حد ما مع اقتراب أيام الأعياد. وهذا ما يؤكده رئيس “تجمع تجار الأشرفية” طوني عيد مشيراً إلى أن “الحرب تؤثر على لبنان في مختلف المناطق، ومن ضمنها حركة الأسواق قبيل الأعياد. وبالتالي تبدو أقل نشاطاً من العام الماضي في ظل الظروف الأمنية المتوترة. بشكل خاص، نشطت الحركة في الأسواق في العام الماضي مع قدوم المغتربين بأعداد كبيرة بعد انقطاعهم عن لبنان منذ الجائحة. وكان متوقعاً أن تكون الأوضاع أفضل بعد هذا العام لأن الأجواء كانت إيجابية، وانعقدت الآمال على حركة المغتربين. لكن أتت الحرب لتقضي على أحلام الجميع. في المقابل، وفي عطلة نهاية الأسبوع الماضي، نشطت حركة الأسواق بشكل واضح لكنها بقيت حركة بلا بركة. فسُجلت حركة بيع خفيفة، ودون المستويات المطلوبة مقارنة مع السنوات السابقة. لكن من المتوقع أن تنشط الحركة في الأيام الأخيرة التي تسبق الأعياد، كما اعتاد اللبنانيون. فعلى الرغم من أن احتمال تأثر حركة الأسواق بالظروف القلقة المحيطة، نعقد آمالاً على ذلك، خصوصاً أن كثراً من المغتربين لم يلغوا حجوزاتهم، وهم قادمون للاحتفال بالأعياد، ولو بأعداد أقل من العام الماضي”.

بناء على تجارب سابقة في ظل الحروب، اعتاد اللبناني التركيز على الحاجات الأساسية في مثل هذه الظروف، خوفاً على المستقبل، وهذا ما قد يخفف من حركة الأسواق. إنما في الوقت نفسه، اعتاد اللبنانيون أيضاً، على تبادل الهدايا في الأعياد، مهما كانت الظروف. صحيح أنهم خففوا من هذه العادة في بداية الأزمة، لكنهم عادوا إليها مع تحسن أوضاعهم، خصوصاً أن اللبناني يتأقلم مع كافة الظروف.

أما بالنسبة لحركة الأسواق في شوارع منطقة “الحمرا” في بيروت، فهي “شبه معدومة” بحسب رئيس “تجمع تجار الحمرا” زهير عيتاني، الذي أسف لأنها خفيفة جداً مقارنة مع العام الماضي، “فلا ظروف الحرب تسمح بتنشيط حركة الأسواق ولا الأزمة وما تسببته من وضع معيشي صعب”.

حجوزات أقل وحزم للتشجيع

لطالما عوّل اللبناني على المغترب الذي يعود إلى وطنه ليحتفل بالأعياد في أجواء عائلية يغمرها الدفء، مهما كانت الظروف. وفي ظل حرب غزة، لحقت بالقطاع السياحي عامة خسائر كبرى. وعلى الرغم من أن موسم الأعياد كان يعد بالازدهار مع ارتفاع أرقام الحجوزات، بدا للمعنيين بالقطاع السياحي أن موسم الأعياد انتهى قبل أن يبدأ نظراً لتوتر الظروف الأمنية، لا سيما بعد أن وضِع لبنان على لائحة البلدان الخطرة أمنياً بسبب التهديدات الإسرائيلية. فحذّرت مختلف الدول رعاياها من السفر إلى لبنان. لكن “نقيب أصحاب الفنادق” بيار الأشقر أكد في حديثه مع “اندبندنت عربية” أن “الحجوزات الآتية من خارج لبنان تُظهر أن اللبناني المقيم في الخليج العربي وفي الدول القريبة سيحتفل بالأعياد في لبنان”. إنما في الوقت نفسه، يرفض الأشقر المقارنة ما بين حجوزات العام الحالي في فترة الأعياد وتلك التي في الأعوام السابقة، “لأن لبنان اليوم في حالة حرب وتحذيرات الدول لرعاياها مستمرة في فترة الأعياد حكماً مع استمرار الحرب. وانطلاقاً من خبرتنا الطويلة في هذا المجال، ندرك كيفية إدارة الأزمات. على هذا الأساس، نحن على تواصل مستمر وتنسيق لتوفير الحلول والتشجيع على السياحة الداخلية. كما ندرك جيداً أن المغترب يأتي إلى بيئته ليحتفل بالأعياد ويمضي 10 أيام في وطنه. وهو يمضي الأيام الخمسة الأولى في منزل، ليحتفل مع العائلة بعيد الميلاد. على هذا الأساس، نحاول تحضير حزم تشجّع المغتربين حتى يخرجوا ويمضوا عيد رأس السنة في الفنادق في مختلف المناطق. هذا، على أمل أن تتساقط الثلوج في الأيام المقبلة، فيشجع ذلك المغتربين على التوجه إلى الجبال ومناطق التزلج، ما يسهم في تحريك القطاع. بهذه الطريقة، يمكن الحد من الخسائر التي تكبدناها في الشهرين الماضيين”. وأضاف “بطبيعة الحال، تنعكس هذه الحالة على الأسعار لأنها ترتبط بالعرض والطلب. فمع تراجع الطلب على الحجوزات، من الطبيعي أن تنخفض الأسعار لاستقطاب مزيد منها. وهذه الحزم المناسبة لمتطلبات الناس يمكن أن تساعد على تحريك السوق وعلى استقطاب كثيرين”. وبحسب الأشقر، “عندما ترتفع الأسعار، على أساس الخدمات التي تُقدم والتي تكون بمستوى أعلى. فهناك شرائح متعددة في المجتمع اللبناني، وكل يختار بحسب قدراته وطلبه”.

أما المطاعم، فتزيّنت لاستقبال الأعياد، كما واجهات المحلات التجارية، لتتغلب على الظروف والحزن. لكن حتى اللحظة، لا تزال العروض الخاصة بسهرات الأعياد خجولة، رغم اقتراب موعد سهرة نهاية العام التي كانت إعلاناتها تتكثف في مثل هذا الوقت في سنوات سابقة. وفي شأن الحركة في المطاعم والحجوزات لحفلات الأعياد، أوضح نقيب أصحاب المطاعم، طوني الرامي أن “البلد يعيش اليوم اقتصاد حرب ما بين الحرب الساخنة وتلك الباردة”، مشيراً إلى أن “انحداراً دراماتيكياً سُجّل في القطاع السياحي في مختلف أقسامه. وحالياً نرى الزينة الجميلة في المطاعم التي تظهر إصراراً على الحركة وإثبات الوجود. لكن لبنان يحتاج إلى سلام وأمن وإلى حركة اغتراب حتى تزيد الحجوزات وتتحرك السوق. هناك تحسّن واضح في حركة الاغتراب، حيث من المفترض أن يزيد عدد الوافدين في الأيام المقبلة من ثمانية آلاف إلى 12 ألفاً. هذا ما يؤمّن عدداً من الوافدين الذين يمكن أن يحركوا قطاع المطاعم وينشّطوه، خصوصاً أن المغترب يتمسك ببلاده في الأعياد ويصرّ على الاحتفال فيها”.

كما أقدمت شركة “طيران الشرق الأوسط” على زيادة عدد رحلاتها مع ارتفاع أعداد الوافدين. ومن المفترض أن تزيد أعداد الوافدين أكثر بعد في الأيام المقبلة.

ولا ينكر الرامي أن “حفلات رأس السنة قائمة حكماً، ولو بمعدلات أقل”، مؤكداً “وجود حركة في العيد بعد ما شهدته البلاد من كساد في القطاع السياحي بكل أقسامه من تأجير سيارات ومنازل وارتياد الفنادق والمطاعم”.

كارين اليان ضاهر – اندبندنت

Leave A Reply