بعد أقل من 24 ساعة على الجلسة التشريعية الأخيرة لمجلس النواب، وبعد النتائج النوعية التي تمخّضت عنها، أشاعت الدائرة السياسية المحيطة برئيس مجلس النواب نبيه بري إشارات ومناخات فحواها أن رئيس المجلس يعد العدة لإطلاق تحرّك نوعي جديد في الأيام الأولى من السنة المقبلة بهدف التأسيس جدّياً لتوافق وطني من شأنه أن يقود إلى طيّ نهائي لصفحة الفراغ الرئاسي المستمرة منذ أكثر من عام والتي ترفع من منسوب المعاناة في البلاد والاهتراء اللاحق بالإدارة.
يقرّ هؤلاء بأنهم لا يملكون حتى الآن تصوّراً واضحاً لما سيكون عليه هذا الحراك شكلاً ومضموناً، ولكنهم يشددون في هذا الإطار على أربعة أسس وهي:
الأول أن الرئيس بري استمد ولا شك حوافز وتشجيعاً مما حصل في الجلسة التشريعية الأخيرة في المجلس النيابي، حيث من المعلوم أنها أفضت وإن بعد مخاض عسير إلى إنجاز نوعي هو التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون من خلال إقرار مشروع اقتراح يقضي برفع سن التقاعد لحامل رتبة العماد واللواء (قائد الجيش والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان) سنة إضافية واحدة، ما أنهى سجالاً مستمراً منذ أشهر ووقى رأس هرم المؤسسة العسكرية شغوراً داهماً.
الثاني أن الرئيس بري مطلِق الدعوات الثلاث المعلنة للحوار الوطني بغية إقرار تفاهم على صيغ وآليات تسمح بانتخاب رئيس جديد، لم يكن قد انسحب نهائياً من موجبات هذه المهمة الشاقة عندما اضطر قبل أشهر تحت وطاة موجة الرفض وعدم التجاوب إلى إعلان تجميد دعوته الأخيرة للحوار، بل أعلن حينها أنه قرر وضع تلك المبادرة على الرف بانتظار ظروف موضوعية أفضل تبيح إعادة بعث الروح فيها وتطلقها من جديد.
الثالث أن ثمة قناعة ظلّت تسكن وجدان سيد عين التينة ولم تبارحها لحظة واحدة، جوهرها أن كل الذين أبدوا اعتراضاً على مبادرته الحوارية وسارعوا إلى محاصرتها بتهم ونعوت شتّى سيأتي حين من الدهر ويجدون أنفسهم مخطئين وسيتيقّنون أن رهاناتهم سرابية بلا فائدة، وأكثر من ذلك سيعودون إلى تلبية النداء والاستجابة للدعوة، لأن الحوار والتفاهم ممر إجباري لا بديل من العبور فيه، لإنجاز استحقاق وطني بحجم استحقاق انتخاب رئيس جديد في ظروف مثل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد والمنطقة عموماً.
الرابع، كان لا بد من أن يمر وقت لكي تبرد الحماوة في رؤوس عدد من النواب الجدد الذين أغوتهم لبعض الوقت شعارات وحسابات معيّنة وأفرطوا في البداية في لعبة إثبات الحضور و”عرض العضلات” والتعطيل والسعي إلى فرض وقائع جديدة. وكان لا بد لشخصية مخضرمة مثل الرئيس بري أن تنتظر بعض الوقت لكي يعودوا من رحلتهم تلك إلى واقعية سياسية كان عليهم أن يقرّوا بها ذات يوم.
بناءً على كل هذه المعطيات والأسس يؤكد عضو “كتلة التنمية والتحرير” النائب قاسم هاشم في اتصال مع “النهار” أن الرئيس بري يفصح أخيراً عن تفاؤل مسبق بنتائج أكبر هذه المرة يفوق المرات السابقة عندما يقارب هذه المسألة ويؤكد عزمه على المضيّ بهذه المبادرة الجديدة – القديمة.
ويقول هاشم: “لا شك في أن الرئيس بري يستند في موجة تفاؤله تلك إلى نتائج الجلسة التشريعية الأخيرة للمجلس، إذ إن تلك الجلسة أظهرت عناصر إيجابية وواعدة، إن لجهة حجم المشاركة فيها أو لجهة عودة بعض الكتل عن مقاطعتها لجلسات المجلس تحت حجج وتفسيرات معيّنة، وثمة عنصر آخر مشجع يتمثل في أن هذا الشتات النيابي المختلف قد وجد قاسماً مشتركاً واستحقاقاً وطنياً يتقاطع عليه وهو حماية المؤسسة العسكرية من سلبيات الشغور في رأس هرمها القيادي”.
وردّاً على سؤال أجاب هاشم: “إن كان أكيداً أن الرئيس بري قرر الانطلاق في القريب العاجل في حراك جديد لإنهاء الشغور في قصر بعبدا، لكنه لم يبدِ بعد أن تصوّره لهذه المبادرة صار جاهزاً ومكتملاً عنده، فهو في طور بلورة الأفكار والرؤى والآليات الكفيلة بتحقيق ذلك. ونحن اعتدنا من الرئيس بري أن يمضي دوماً في ما يريد بلوغه على أسس ثابتة ومنتجة”.
وكان لا بد من سؤال النائب هاشم: “كيف يمكن أن تكون هناك مبادرة ودعوة للحوار حيال تأمين انتخاب رئيس جديد يطلقها الرئيس بري وهو يعلن تمسّكه أخيراً بخياره الرئاسي المعروف منذ زمن وهو رئيس تيار المرده سليمان فرنجيه؟”.
وعلى هذا يجيب هاشم: “عندما تستحوذ المكايدة والغرضية على عقل ما، حينها يضيع ميزان الأمور ويتوه المنطق والعقلانية. وما حصل سابقاً أن الرئيس برّي قد وجّه دعوات صريحة وبيّنة إلى حوار وطني يشارك فيه الجميع بهدف الاتفاق على لائحة مواصفات يتعيّن توفّرها في الرئيس المقبل، وبعدها يصير عندنا اسم أو لائحة أسماء تنطبق عليهم تلك المواصفات المتفق عليها ثم نتوجّه جميعاً إلى القاعة العامة في مجلس النواب ونحتكم إلى صندوق الاقتراع ليُنتخَب واحد من لائحة الأسماء على أن يبادر بعدها الجميع من دون استثناء ليقدّموا التهاني والتبريكات للرئيس الفائز ويعلن إثر ذلك إنهاء زمن الفراغ الثالث في قصر بعبدا وتنتظم أمور الدولة بعدها”.
وخلص هاشم: “إن التبصّر بموضوعية بهذه الصيغة وهذه الآلية من شأنه أن يبدّد كل الكلام الذي روّج له البعض من أن الرئيس بري يعمل ويطرح المبادرات والدعوات بقصد تحقيق هدف واحد هو تأمين الفرص لفوز مرشّحه الحصري. ومن البديهي أن هذا العناد السياسي قد ضيّع على البلاد والعباد أشهر، إذ كان يمكن أن يكون عندنا رئيس في الشهر الثاني أو الثالث بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون”.
ابراهيم بيرم – النهار