يقول سياسي مطلع على الموقف الأميركي أن ليس هناك من ارتباط سياسي أو عسكري بين لبنان وغزة، وأنّ الحرب التدميرية التي تشنّها اسرائيل على قطاع غزة لا تمنعها من شنّ حرب انطلاقاً من الحدود اللبنانية الجنوبية.
يقول هذا السياسي، إنّ الأهداف السياسية لإسرائيل في حربها على غزة هي غير أهدافها السياسية في الحرب على لبنان. فهناك تهدف للقضاء على «حماس» أو جعلها حركة مشلولة وبلا فعالية في أي ترتيب سيتمّ لقطاع غزة بعد الحرب. بينما مثل هذا الهدف لا ينطبق على لبنان وعلى «حزب الله» تحديداً، حيث أنّ جلّ ما تريده في لبنان هو إبعاد الحزب بما يشكّله من خطرعلى أمنها، إلى شمال نهر الليطاني، ولا يهمّها دوره وموقعه في ما تبقّى على الساحة اللبنانية. فهي تريد من لبنان تنفيذ القرارالدولي 1701، بما يؤدي إلى سحب المقاومين والسلاح التكتيكي الذي يهدّدها من جنب الليطاني، وهذا الأمر غير قابل للنقاش داخل الكيان الإسرائيلي وليس عرضةً للتجاذب والأخذ والردّ بين المسؤولين الإسرائيليين وداخل المجتمع الإسرائيلي، ويختلف تماماً عن قضية الأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» وأهداف الحرب في غزة، التي من بينهما إطلاق هؤلاء الاسرى و»سحق» الحركة او تقويضها، إن استطاعت اسرائيل الى ذلك سبيلاً.
وكانت الردود اللبنانية التي سمعها الموفدون ناقلو التهديدات الاسرائيلية، انّ على اسرائيل ان تلتزم تنفيذ هذا القرار الذي تخرقه يومياً منذ صدوره صيف العام 2006، قبل ان تطالب لبنان بالتزامه، مع انّه يلتزمه، وقد قدّم مئات الشكاوى الى الامم المتحدة ومجلس الامن حول الخرق الاسرائيلي اليومي والمتمادي لهذا القرار براً وبحراً وجواً.
على انّ السياسي نفسه المطلّع على الموقف الاميركي، يكشف أنّ ما لا يُقال، أو ما يُبحث تحت الطاولة، هو أنّ عدم السماح لـ«حزب الله» بالانتشار العسكري جنوب نهر الليطاني، انما يعني في المقابل اعترافاً بدوره ونفوذه في شمال الليطاني، أي أن ليس هناك من هدف أو محاولة لاجتثاثه مثلما حاولت اسرائيل ان تفعله ضدّه في حرب 2006.
وينطلق هذا السياسي من هذه المعطيات ليغوص قليلاً في الواقع السياسي الداخلي، فيقول، إنّ البرنامج السياسي لما سُمّي فريق 14 آذار «قد سقط وانتهى»، بعد ان كان هذا البرنامج يقوم على التقليل من قوة «حزب الله» وحضوره السياسي، وعلى اعتباره «جزءاً صغيراً» من اللبنانيين، وأنّ شعبيته داخل الطائفة الشيعية مستمدة فقط من الخدمات التي يقدّمها لشرائح كبيرة من أبنائها وغيرهم في طوائف أخرى. ويضيف، انّ هناك فشلاً سريعاً مُني به فريق 14 آذار وكذلك منظمات المجتمع المدني، التي قالت للبنانيين يوماً، إنّ الأحزاب اللبنانية التي كانت السبب في الأزمات التي وصلوا إليها قد انتهت. وإذ بهذه المنظمات وبفريق 14 آذار باتا يعترفان بالواقع السياسي لـ»حزب الله» ويتقبلانه ويتعايشان معه.
ويقول السياسي المطلع على الموقف الاميركي في هذا السياق، إنّ الإسرائيليين الذين يتجاهلون خروقاتهم للقرار 1701 لا يتحدثون عن السلاح البعيد المدى والصواريخ الدقيقة والمسيّرات التي يمتلكها «حزب الله»، ويرون انّه في حال قبل بتنفيذ هذا القرار فإنّ احداً لن يعترض على وجوده ونفوذه اينما كان في لبنان وحتى خارج لبنان. لكن السياسي نفسه يلاحظ انّ الحزب «غير مقتنع حتى الآن بجدّية التهديد الإسرائيلي بالحرب عليه وعلى لبنان، فهذا التهديد كان خمسة موفدين نقلوه، وكان آخرهم وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، التي نقلت الى المسؤولين اللبنانيين الذين التقتهم «تهديداً إسرائيلياً صريحاً» بشن الحرب. ولكن الحزب يعتقد أنّ هذا التهديد هو من باب التهويل ولأسباب داخلية في إسرائيل، وهنا مكمن الخطر»، في رأي هذا السياسي، الذي يضيف «أنّ مكمن الخطر هذا هو أن يخطئ أي طرف التقدير لتكون النتيجة كارثية. إلاّ انّ أحد أسباب عدم شن إسرائيل الحرب على لبنان حتى الآن هو الموقف الأميركي الرافض لها، ولكن عند هدوء الحرب في غزة وانتقالها إلى مرحلة جديدة تتمثل بتمشيط المواقع الفلسطينية المحاصرة بالتزامن مع إدخال إمدادات إنسانية إلى غزة، وكذلك مع دخول الادارة الأميركية في معركة انتخابات الرئاسية، فإنّ لا شيء يمكن ان يمنع اسرائيل من شن هذه الحرب، لأنّ قدرة واشنطن على منعها ستكون ضعيفة، وعلى عكس ما يمكن أن يعتقد «حزب الله»، فأنّ هذه الحرب إن شُنّت عليه قد لا يجد تعاطفاً وتضامناً خارجياً معه بالحجم الذي يلقاه الفلسطينيون الآن في ضوء حرب غزة، بل على العكس، فإنّ الضغط الديبلوماسي والشعبي في أوروبا ومجمل الغرب سيكون لمصلحة إسرائيل وبنسبة أقل بكثير من غزة.
ويتطرّق السياسي إياه إلى موضوع التمديد سنة لقائد الجيش العماد جوزف عون ومن هم برتبة لواء في الجيش والأسلاك الأمنية والعسكرية الأخرى، فيقول إنّ هذا التمديد جاء في مضمار تطبيق القرار 1701، ولو لم تكن هناك حرب في غزة والمواجهات اليوم في الجنوب. فلو لم تكن هناك حرب في غزة ولا مواجهات في الجنوب اليوم لما حصل هذا التمديد، لكن بات هناك ارتباط بين القرار 1701 والتمديد لقائد الجيش والاستحقاق الرئاسي، ما يعني أنّ لبنان قد يدخل في مرحلة خطيرة بعد بضعة أسابيع، حيث تكون الإدارة الأميركية قد دخلت في المدار العملي للانتخابات الرئاسية في ظل احتمال عودة السخونة الى بعض الجبهات الاقليمية والدولية المفتوحة، ما يزيد من إمكانية توسع حرب غزة، علماً أنّ بعض المسؤولين في إسرائيل والمنطقة والغرب، يعتبرون أنّ الحرب على الجبهة الشمالية بدأت بالفعل، وأنّ ما يحصل من قصف يومي متبادل هو أكبر دليل على ذلك. وفي اعتقاد السياسي، أنّه في مكان ما قد يُخطئ أحد في الحسبان، وعلى الارجح أنّ إسرائيل هي التي ستخطئ، بحيث ستحاول احتلال منطقة جنوب الليطاني كما فعلت عام 1978 وإقامة ما سمّته «الحزام الأمني» وظلت تحتله حتى العام 2000 مع بعض الإضافات التي أدخلته عليه بعد اجتياح لبنان 1982، وذلك على عكس حرب 2006، حيث ما أن توقفت الحرب عند التوصل إلى القرار 1701 حتى انسحبت فوراً وعاد النازحون اللبنانيون إلى بلداتهم وقراهم في اليوم التالي.
ويخلص السياسي المطلع على الموقف الاميركي من سرد مجمل هذه المعطيات، ليعود إلى الحديث عن الاستحقاق الرئاسي من زاوية التمديد سنة لقائد الجيش العماد جوزف عون وتداعياته على هذا الاستحقاق، فيتوقع في لحظةً ما أن يبادر رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بعد طول رفض وعدم قبول، الى تأييد ترشيح رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجيه، هادفاً الى إفقاد التمديد لقائد الجيش «محتواه الرئاسي»، وذلك لإدراكه انّ وصول فرنجيه الى رئاسة الجمهورية لا يشكّل تهديداً لمصالحه السياسية والرئاسية الراهنة والمستقبلية، وانّ الخطر الفعلي على هذه المصالح يكمن بوصول قائد الجيش الى قصر بعبدا «كونه يستند إلى أرضية واسعة مسيحية وغير مسيحية»، حسب السياسي ايّاه، الذي يخلص إلى القول إنّ التمديد لقائد الجيش «يشكّل العامل الأساسي لدعم وصول فرنجيه إلى رئاسة الجمهورية».
طارق ترشيشي – الجمهورية