يواجه لبنان في الوقت الراهن أزمة جديدة تُضاف إلى أزماته المتعددة تتمحور حول التأثيرات غير المباشرة للصراع في الشرق الأوسط، فيما لا تزال البلاد غارقة في فراغ سياسي ومؤسساتي، وأزمة اجتماعية واقتصادية خانقة.
فقد توقّع البنك الدولي مؤخراً أن تتسبب الحرب بين “إسرائيل” و”حماس” في عودة الاقتصاد اللبناني إلى حالة الركود، على الرغم من التوقعات المتفائلة التي تحركها السياحة وتحويلات المغتربين. وأشار البنك في تقرير المرصد الاقتصادي للبنان حمل عنوان: “في قبضة أزمة جديدة” إلى أن تداعيات الصراع الحالي أثرت على الانتعاش الطفيف الذي حققه لبنان الغارق في أزمة اقتصادية عميقة منذ سنوات، بحيث تشهد الحدود الجنوبية للبنان تبادلاً منتظماً لاطلاق النار، خصوصاً بين الجيش الاسرائيلي و”حزب الله” منذ اندلاع الحرب في غزة في 7 تشرين الأول.
وبحسب التقرير، كان من المتوقع قبل تشرين الأول 2023، أن يسجل الاقتصاد ولأول مرة منذ العام 2018 نمواً طفيفاً في العام الجاري بنسبة 0.2 في المائة بسبب الموسم السياحي الذي حقق عائدات كبيرة في الصيف، بالاضافة إلى تحويلات المغتربين المالية. فكلاهما عززا نمو الاستهلاك وعملا كأداة تمكينية لشبكة الأمان الاقتصادي والاجتماعي بحكم الأمر الواقع.
لكن مع اندلاع الصراع الحالي، من المتوقع أن يعود الاقتصاد اللبناني إلى حالة الركود في العام 2023. وبافتراض استمرار الوضع الحالي المتمثل في احتواء المواجهة العسكرية على الحدود الجنوبية، تشير التقديرات إلى أن الاقتصاد سينكمش في العام 2023، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الصدمة التي أصابت الانفاق السياحي. وعلى وجه التحديد، من المتوقع أن يتراوح انكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بين -0.6 و-0.9 في المئة وفقاً لحجم الصدمة التي سيشهدها القطاع السياحي.
وأفاد البنك الدولي بأن أكثر من نصف حجوزات السفر إلى لبنان لقضاء عطلة الشتاء ألغي، محذراً من أن اعتماد لبنان على السياحة وتدفقات التحويلات لا يمثل استراتيجية أو خطة اقتصادية سليمة لحل الأزمة الاقتصادية. ونظراً الى التقلبات التي يشهدها قطاع السياحة وتعرضه لمخاطر الصدمات الخارجية والداخلية، لا يمكن لهذا القطاع أن يكون بديلاً لمحركات نمو أكثر استدامة وتنوعاً.
وحتى قبل بدء الصراع الحالي، كان من غير المرجح أن يستمر النمو الفاتر المتوقع لعام 2023 لأنه كان يعتمد على محركات هشة تعتمد على هيكل اقتصادي مختل. ولا يؤدي ضعف إطار الاقتصاد الكلي إلى إفقار نسبة كبيرة من السكان وزيادة عدم المساواة فحسب، بل يحول أيضاً دون تبلور نموذج للتنمية المستدامة.
وأكد التقرير الصادر عن البنك الدولي أن الصراع الدائر في الشرق الأوسط، والمتمركز حالياً في غزة، يمثل صدمة إضافية كبيرة للاقتصاد اللبناني الذي يعاني بالفعل من أزمة اقتصادية ومالية عميقة. علاوة على ذلك، من المرجح أن تكون مساهمة صافي الصادرات في النمو الاقتصادي الحقيقي أقل بكثير من النسبة المتوقعة البالغة 1.1 نقطة مئوية، وذلك بسبب انخفاض صادرات السلع والخدمات. كما أن حالة عدم اليقين التي أوجدها التصعيد العسكري على طول الحدود الجنوبية، من المتوقع أيضاً أن تؤدي إلى الانكماش في الاستثمارات أكبر بكثير من المتوقع.
ومن المرجح أيضاً أن يكون للأزمة تأثير اجتماعي كبير، بحيث أشارت البيانات الأولية من مسح الأسرة اللبنانية 2022-2023، الذي أجري قبل تشرين الأول 2023، إلى استمرار معدلات الفقر المرتفعة وتدهور الظروف المعيشية للأسر. فحوالي ثلاث من كل خمس عائلات تعتبر نفسها فقيرة أو فقيرة جداً. ومن المتوقع أن يهدد فقدان مئات فرص العمل في قطاع السياحة، والذي يعد نتيجة مباشرة للانكماش الاقتصادي الناجم عن تراجع السياحة وعدم اليقين السياسي، سبل عيش العديد من الأفراد. وسوف يؤدي النزوح الداخلي أيضاً إلى تقويض قدرة النازحين داخلياً على الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية.
هدى علاء الدين – لبنان الكبير
Follow Us: