كتب خضر حسان – المدن : ليس مبالغاً القول إن الاقتصاد اللبناني يعيش في غيبوبة، لا أحد يعلم إن كانت الصحوة قريبة أم الموت هو المصير المحتوم. لا مؤشرات حيوية على نهضة، وإن متعثِّرة. ولا يشفع موسم الأعياد واختتام العام بإعطاء صورة تجميلية لهذا الاقتصاد وقطاعاته. فانتشار فيروس كورونا من ناحية، يضغط بثقله على الحركة، مِنَ المطار إلى المرفأ فالأسواق التجارية. ومِن ناحية ثانية، توجّه الطبقة السياسية ضربتها القاضية، لتصبح النتيجة، اقتصاداً معدوماً ينتظر اللاشيء بعد نحو أسبوعين.
الفنادق تترحَّم على ماضيها
كل الأرقام سلبية. ليس في الأمر رغبة في النحيب أو الاستعطاف، ذلك أنَّ الأرقام واضحة كما هي، من دون ترتيب للعبارات أو الكلام الانشائي.
جولة على القطاعات الاقتصادية تعطي فكرة عمّا نعيشه، وتخبر إن كان يصحُّ إطلاق صفة “الأعياد” على هذه الفترة من السنة. فقطاع الفنادق الذي يفترض به التباهي بعيديّ الميلاد ورأس السنة، يفتح صفحة الأعياد بتراجع نسبة الإشغال إلى “ما بين 5 إلى 10 بالمئة”، وفق تقديرات نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر.
هذه النسبة المئوية تختصر كامل مشهد القطاع الفندقي، الذي ارتبطت صورة لبنان به. على أنَّ فاتحة نهاية القطاع، تزامنت مع رفض السلطة السياسية إجراء تغيير جذري في إدارتها للبلاد، على وقع انتفاضة 17 تشرين الأول 2019. فترافقت التظاهرات مع تراجع الإشغال الفندقي “وصولاً إلى ما بين 7 إلى 20 بالمئة، في أحسن الأحوال”. ويشير الأشقر في حديث لـ”المدن”، إلى أن الإشغال الفندقي لفترة الإعياد في العام الماضي “وصل إلى نحو 30 بالمئة”.
لم يكن فيروس كورونا قد انتشر بعد في العام الماضي، وكانت الليرة تحافظ على شيء من الصمود المفقود اليوم. ولم يكن مرفأ بيروت قد فُجِّرَ بعد.. هذه المعطيات المستجدّة للعام الحالي، جعلت الفنادق عبارة عن غرف مهجورة، خصوصاً وأنَّ “أحد أكبر الفنادق في بيروت، وهما فينيسيا والفورسيزنز، مقفلان. وهما يحويان نحو 800 غرفة”. ليس تراجع نسبة الإشغال وحده ما يُقلق القطاع الفندقي، بل القيمة الشرائية لأسعار الغرف. إذ يلفت الأشقر النظر إلى أنّ “دفع إيجار الغرف يتم بالليرة، والفنادق ذات الأربعة نجوم تتقاضى بين 200 و250 ألف ليرة، فيما الفنادق ذات الخمسة نجوم، تتقاضى بين 400 و500 ألف ليرة، وهي أكلاف باتت بلا قيمة حالياً”.
لا ينتظر مَن بقي على قيد الإشغال مِن الفنادق، تغييراً جذرياً في القطاع. فكل شيء واضح، ومَن يأتي إلى لبنان في هذا الوقت من العام الحالي، “ليس سوى بعض المغتربين اللبنانيين ممّن يعملون في الخارج، وخصوصاً في دول الخليج أو افريقيا. وهؤلاء لا يمكن احتسابهم ضمن خانة السيّاح، سيّما وأن عائلاتهم موجودة في الأصل في لبنان. كما لا يمكن احتساب الفئات المشغّلة لبعض الغرف حالياً، وهم من الدبلوماسيين الأجانب ووفود الجمعيات الإغاثية وبعض رجال الأعمال”.
يترحَّم الأشقر على مرحلة ذهبية كانت تشهد خلالها الفنادق في الفترة الممتدّة “من 22 كانون الأول إلى 5 كانون الثاني.. إشغالاً تاماً للفنادق”. ولا يتوقّع الأشقر تحسّن الأحوال، “فهناك حالة إحباط عام عند كل اللبنانيين”.
بين المطار والمرفأ
يرتبط الحديث عن أحوال المرفأ تلقائياً، بجريمة تفجيره في 4 آب الماضي. ولعلَّ هذا الارتباط كافٍ لتقدير أوضاع المرفأ. لكن لم يمنع منسوب السلبية، رئيس الغرفة الدولية للملاحة في مرفأ بيروت إيلي زخّور، من وضع القليل من اللمسات الإيجابية على أحوال المرفأ. فبنظره “عدم خسارة محطة الحاويات في المرفأ، انقَذَ نحو 70 بالمئة من حركة المرفأ. لذلك، حين استعاد المرفأ جزءاً من نشاطه، استمر باستقبال البواخر في استعمال المحطة”. لكن ذلك لم يمنع حسب ما يقول زخّور لـ”المدن”، تسجيل تراجع في حركة المرفأ، يُقَدَّر بـ”نحو 50 بالمئة”. فحركة المسافَنة، وهي حركة استقبال المرفأ للحاويات المخصصة للبلدان المجاورة، وخصوصاً سوريا ومصر، “كان يعوِّض نقص السلع المخصصة للاستهلاك المحلي. وهذه الحركة كانت تشكّل 45 بالمئة من حركة المرفأ في الأيام العادية، ووصلت حالياً إلى ما بين 10 إلى 12 بالمئة، على خلفية انتشار كورونا وتراجع الأوضاع الاقتصادية في لبنان والعالم”.
إصلاح 10 رافعات جسرية من أصل 16 رافعة “ساعد المرفأ على العمل، لكنه لم يحلّ الأزمة”. أمّا حركة المرفأ في الأعياد عند نهاية العام، “فكانت ترتفع، لكنّها اليوم تقتصر على زيادة معدّل استقبال بعض السلع الاستهلاكية. فالمستوردون يجدون صعوبة في تأمين الدولار للاستيراد، والوكلاء البحريون يعانون من عدم الافراج عن ملايين الدولارات العائدة للشركات الأجنبية، والتي تمثّل عبئاً ثقيلاً على الوكلاء، لأنهم يريدون إرسال تلك الأموال إلى الشركات، فيما الدولار غير مؤمَّن بسهولة في السوق”.
مطار بيروت ليس أفضل حالاً من مرفئها البحري، فهو يسجّل تراجعاً في الحركة، بنسبة 50 بالمئة، مقارنة بما كانت عليه الحركة في الفترة ذاتها من العام الماضي، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى الاجراءات المتّبعة لتفادي انتشار كورونا. علماً أن إدارة المطار، سمحت لشركات الطيران بزيادة عدد رحلاتها.
إقفال مؤسسات تجارية
تنتظر المؤسسات التجارية موسم الأعياد لتأمين أرباحٍ لا تجنيها في باقي أيام السنة. هذا الأمر تتناساه المؤسسات عاماً بعد عام. غير أنّ ما تعيشه المؤسسات التجارية منذ العام الماضي وحتى اللحظة، لا يُقارَن بأيٍّ من الأعوام السابقة “فلا كورونا ولا الوضع الاقتصادي ولا مسار تشكيل الحكومة يساعد”، على حد تعبير رئيس لجنة التجارة في غرفة بيروت وجبل لبنان، جاك الحكيم، الذي يعتبر في حديث لـ”المدن”، أنّ الكارثة الكبرى لم تأتِ بعد، وإنما آتية “في الشهر الاول من العام 2021، حيث ستعلن الكثير من المؤسسات والمراكز التجارية إقفال أبوابها، فهي تنتظر موسم الأعياد لتحقيق بعض المداخيل، ريثما تقفل مع انتهاء الموسم”. علماً أن “نحو 70 بالمئة من المؤسسات التجارية أصبحت مقفلة حالياً، وتراجع الحركة التجارية يصل إلى نحو 80 بالمئة، وتقتصر الحركة على بعض تجّار المواد الغذائية، فيما باقي جوانب الحركة التجارية، شبه معدومة”.