الجمعة, نوفمبر 22
Banner

أطفال لبنان… الشريحة الأضعف في مواجهة الانهيار

عمق الانهيار المالي والاقتصادي من معاناة الأطفال في لبنان، الذين ينتمون إلى الفئة الأكثر هشاشة في المجتمع، إلى جانب الأشخاص ذوي الإعاقة، واضعاً إياهم أمام أخطار متعددة الأبعاد اقتصادياً واجتماعياً وصحياً. وبحسب التقرير الدوري الصادر عن اليونيسيف، فإن الصغار “محاصرون في دوامة الانهيار”، إذ يعيشون تحت تأثير الأزمات المتفاقمة، التي “تحرمهم بشكل متزايد من التعليم وتجبر كثيرين منهم على التوجه إلى العمل، في محاولة يائسة من أهلهم للصمود وسط التحديات الشديدة، والتناقص المستمر للموارد والأساسيات”.

المسح والنتائج الصادمة

يشترك الأطفال في لبنان مع بقية شرائح المجتمع في مواجهة آثار الانهيار المالي والأزمات الاقتصادية والسياسية وحالة انعدام الاستقرار الأمني، ويأتي ذلك بوصفهم جزءاً من العائلة، ولكنهم زيادة على ذلك، يعيشون في بيئة مليئة بالأزمات، وتهديدات متعددة الأبعاد. فهم باتوا ضحايا لأشكال مختلفة من الاستغلال سواء أكانت على مستوى العمالة غير النظامية، أو التحرش والعنف الجنسي، وكذلك الجرائم المتصلة بالفضاء الرقمي، واتساع هامش “الابتزاز الإلكتروني”. وفي موازاة المعاناة التي يشترك فيها مختلف الأطفال، تعيش شريحة من الأطفال معاناة مضاعفة، كما هو حال النازحين واللاجئين ومكتومي القيد، وغيرهم ممن يعانون التمييز العنصري والوسم الاجتماعي.

في خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 قيمت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) التابعة الأوضاع بعد مرور أربع سنوات على الأزمة التي يعانيها لبنان من دون بروز أي أفق للحل، وبحسب المسح الميداني “أكدت أكثر من ربع الأسر بما نسبته 26 في المئة على عدم ذهاب أطفالها، الذين هم في عمر الدراسة إلى المدرسة”، علماً أن النسبة بلغت في أبريل (نيسان) 2023، حوالى 18 في المئة.

وما زاد الأوضاع سوءاً بحسب التقرير الدولي، “إغلاق عشرات المدارس في جنوب لبنان أبوابها منذ أكتوبر/ تشرين الأول بسبب الاعتداءات، مما أثر في 6 آلاف طالب”. كما ارتفعت نسبة الأسر التي ترسل أطفالها (دون 18 سنة) إلى العمل للتمكن من الصمود من 11 في المئة إلى 16 في المئة، واضطرت 84 في المئة من الأسر لاقتراض المال أو الشراء بالدين، فيما تراجع الإنفاق على الصحة لدى 81 في المئة من الأسر المستطلَعة. ناهيك عن زيادة تأثير الأزمة في الصحة النفسية للأطفال، إذ يعاني 38 في المئة منهم القلق، فيما تحدثت 24 في المئة من الأسر عن معاناة أطفالهم من الاكتئاب. وتزداد هذه النسب لتصل إلى 50 في المئة في مناطق جنوب لبنان والمخيمات التي تحتضن اللجوء الفلسطيني.

الأوضاع في تدهور مستمر

يكشف مكتب اليونيسيف في بيروت عبر “اندبندنت عربية” السياق العام للمسح الذي قامت به المنظمة الدولية التي تعنى بشؤون الأطفال، ويشير المكتب إلى أن “تأثير الأزمات المتداخلة والمتواصلة في لبنان يتفاقم، مما يؤثر في جميع الأطفال، لا سيما الفئات تأكثر ضعفاً مثل اللاجئين الفلسطينيين والسوريين”، مشيراً إلى أن “التقييم السريع الذي أجرته اليونيسيف في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، يكشف عن تدهور متزايد في معظم جوانب حياة الأطفال، خصوصاً أن الأزمة تستمر في التوسع منذ أربع سنوات”.

وعن السياق الذي جاء فيه المسح أفادت المنظمة عن قيامها بتقييم سريع يركز على الطفل في لبنان، مرتين في السنة، وبصورة منتظمة، مشيرةً إلى أن “آخر استطلاع أجري في نوفمبر 2023، شمل 2153 أسرة لديها طفل واحد في الأقل، وتوزعت العينة بين 1228 لبنانياً و534 سورياً و391 فلسطينياً، يتوزعون في ثماني محافظات لبنانية، ونتج من المسح تقديرات تمثل السكان”.

أما بالنسبة إلى الدور الذي تلعبه المنظمة لتخفيف الأعباء عن الأسر، قالت المنظمة إن “يونيسيف والجهات المانحة ستواصل دعم الأطفال الأكثر ضعفاً وأسرهم، بغض النظر عن جنسيتهم، مع الاستمرار بالاستجابة للأزمات المتعددة التي تؤثر في جميع الأطفال في لبنان من خلال البرامج المختلفة بما في ذلك التعليم والصحة والتغذية وحماية الطفل”.

الأطفال عمالة رخيصة

في عام 2013 أطلق لبنان الخطة الوطنية للقضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال بحلول عام 2016، ولكن بعد مرور 10 سنوات على تلك الخطة تستمر تلك الظاهرة، في ظل اتساع سوق العمالة غير النظامية التي تبحث عن “يد عاملة رخيصة الأجر”. ويشكل الأطفال الناشئون في مناطق الأطراف، ومخيمات اللاجئين هدفاً لتلك السوق. وبحسب نشرة رسمية صادرة عن وزارة العمل اللبنانية، تشيع عمالة الأطفال في مناطق الشمال والجنوب وضواحي بيروت الكبرى والبقاع حيث ترتفع معدلات الفقر، كما يتركز هذا النوع من العمالة في قطاعات البناء والتصنيع وتوضيب اللحوم ومصائد الأسماك والحدادة والزراعة وتصليح وإعادة دهان السيارات.

وتشير الملاحظة اليومية إلى اتساع ظاهرة الأطفال الذين لا يلتحقون بالمدارس، ويتسولون في الأسواق، ويعمل هؤلاء في بيع العلكة والجوارب والسكاكر في ظل ظروف سيئة ولساعات طويلة، وما يتفرع عنه من تعرضهم لأشكال مختلفة من العنف والاستغلال.

وبالعودة للسياق التاريخي العام، ولدت الخطة الوطنية كنتيجة طبيعية لتوقيع اتفاق بين الحكومة اللبنانية ومنظمة العمل الدولية في عام 2000 لمكافحة عمالة الأطفال، وكذلك كانعكاس لتوقيع ومصادقة لبنان على عدد من الاتفاقات الدولية، في مقدمها اتفاق الأمم المتحدة لحقوق الطفل في عام 1991، واتفاق منظمة العمل الدولية رقم 182 في شأن اسوأ أشكال عمل الأطفال في عام 2001، واتفاق منظمة العمل رقم 138 في شأن الحد الأدنى لسن الاستخدام في عام 2003. في المقابل يبرز الاختلاف في النصوص القانونية التي تتعاطى مع الأطفال في لبنان، فمن جهة يعتبر سن 18 عاماً هو الإطار القانوني العام للرشد، في المقابل يحدد قانون العمل اللبناني السن الأدنى للاستخدام بـ 13 عام، ويمكن أن يرتفع في بعض الظروف إلى 16 عاماً، فيما يشدد على عدم تجاوز دوام العمل اليومي لمن هم دون 18 عاماً ست ساعات.

في مواجهة العنف المتزايد

وشهد عام 2023 سلسلة جرائم جنسية شنيعة طاولت أطفال، وهزت الرأي العام اللبناني أخبار الاغتصاب داخل الخلية المنزلية الضيقة، أو حتى تركهم على أطراف الطرقات بسبب عدم القدرة على رعايتهم. وتشير رئيسة “اتحاد حماية الأحداث في لبنان” أميرة سكر، إلى تأثير مباشر للانهيار الاقتصادي في المجتمع اللبناني وتحديداً الطفولة، إذ لاحظت سكر “تزايد حالات العنف بأشكاله كافة من تسييب وإهمال، إلى الاتجار والاعتداءات الجنسية والتنمر الالكتروني”، إذ شهد عام 2023، ارتفاعاً لتلك الجرائم مقارنة بالأعوام السابقة، كما تتطرق إلى “ازدياد عمليات استغلال الأطفال عبر زجهم في جرائم السرقات المختلفة والترويج للمخدرات، وغيرها من الجرائم”، مؤكدة على “إسهام الانهيار الاقتصادي في ترك الأطفال مقاعد الدراسة وانخراطهم في سوق العمل في سن مبكرة، الأمر الذي يفقدهم براءتهم، ناهيك عن تعريضهم إلى أخطار الشارع ورفاق السوء”. وتشير سكر أن “الطفولة مهددة بشكل عام في لبنان، ولا يقتصر الأمر على المواطنين، وإنما يتجاوزهم ليشمل بصورة واضحة أطفال اللاجئين والمقيمين كافة”. وتعول سكر على خطوات ومشاريع تمولها بعض جهات المجتمع المدني، مستدركة “لكن وللأسف الحاجة تفوق التصور”.

الخوف الدائم من المستقبل

من ناحية ثانية تسببت الاعتداءات الإسرائيلية والقصف المتواصل على المناطق الحدودية في جنوب لبنان إلى نزوح آلاف الأسر، وتشير بعض التقديرات الأولية إلى أن أعدادهم تقارب 45 ألف شخص، يقيمون في خمس مراكز إيواء. كما اضطر آلاف الأطفال إلى مغادرة مدارسهم والإقامة في ظروف غير مستقرة، والاعتماد على مساعدات الجمعيات والجهات الإغاثية.

ولا يختلف الوضع داخل المخيمات الفلسطينية ذات الكثافة العالية، التي يغلب عليها عنصر الأطفال والشباب. ويلتحق أغلبية هؤلاء في مدارس الأونروا التي تعاني أزمة مالية متفاقمة، واكتظاظاً شديداً داخل الصفوف. وتقود زيارة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان إلى ملاحظة غياب المساحات المفتوحة وأماكن اللعب، وممارسة النشاطات الرياضية والهوايات المختلفة. ويصف مسؤول في حركة “فتح” وضع المخيمات بأنها “مخيمات بؤس وحرمان”، و”الأطفال يعيشون في أزقة ضيقة، وهم محبوسون بين أربعة جدران”. كما يفتقر هؤلاء إلى الاهتمام بالرعاية الصحية بسبب غياب المراكز الطبية والاستشفائية المتطورة التي تتسم بالديمومة، ويخشى المتحدث ذاته اتساع بعض الظواهر الاجتماعية السيئة التي طرأت على المجتمع الفلسطيني، بدءاً بالتسرب المدرسي وصولاً إلى تعاطي المخدرات.

بشير مصطفى – اندبندنت

Follow Us: 

Leave A Reply