كتبت “الأخبار”: التصعيد الإسرائيلي في الجنوب ليس مجرّد خبر يومي. وهو، منذ اندلاع حرب غزة، يعكس – تصاعدياً – مقاربة إسرائيلية لاستدراج حزب الله إلى الحرب. وإذا كانت يوميات الحرب لا تزال تنحصر في ما يجري من تراشق صاروخي متبادل، فإن ما بدأ يرفع مستوى الخطر من توسّع الحرب فحسب، هو مدى قدرة واشنطن على الاستمرار في لجم الاندفاعة الإسرائيلية نحو لبنان، ومحاولات إسرائيل وضعها أمام الأمر الواقع.
وبحسب متصلين بدوائر أميركية، فإن القلق كبير من أن “الهدنة” التي حظي بها لبنان في مرحلة الأعياد، تشارف على نهايتها. هناك مقاربتان مختلفتان لما تريده واشنطن في كل من قطاع غزّة ولبنان. بالنسبة إلى الأولى، تتعدّد اللهجات بين الدعوة إلى تحييد المدنيين، والاتفاق مع إسرائيل على عدم وقف النار، والتحضير لما بعد الحرب. أما في لبنان فالأمر مختلف، إذ إن ما يقوله الأميركيون وما يفعلونه واحد.
في الأيام القليلة الماضية، رفعت واشنطن – عبر نصائح ورسائل مباشرة – من تحذيرها في شأن ما قد يستجدّ جنوباً. ورغم أن هذا ما دأبت، منذ 7 تشرين الأول الفائت، على إيصاله إلى لبنان، إلا أن ثمة حرصاً مستجدّاً على ألا تبدو هذه التحذيرات مجرّد لازمة دبلوماسية مكرّرة، وعلى أن تكون الرسائل واضحة للمسؤولين، رسميين وغير رسميين، بأن ما تريده إسرائيل من حزب الله، قد لا تكون الولايات المتحدة قادرة على لجمه، مع الإيحاء بأن تل أبيب قد تضع الأميركيين أمام أمر واقع في لبنان
السؤال، لبنانياً، هو: لماذا لا تزال واشنطن تحرص إلى هذا الحد على الضغط على إسرائيل لتحييد لبنان؟ وفي هذا السياق، أطلق الأميركيون، عبر الفرنسيين والألمان والبريطانيين، حملة إعادة تنشيط القرار 1701 كرادع أولي لإسرائيل، وحافظوا – عبر الفرنسيين – على وتيرة إرسال الرسائل إلى لبنان وضمناً حزب الله، ولم يمانعوا طرح التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون للحفاظ على بعض من مظلة الأمن فيه، في ظل تعذّر وجود مخارج قانونية صالحة لتعيين بديل منه.
لا شك في أن مواجهة إسرائيل لحماس تختلف عن أي مواجهة تتعلّق بلبنان. فحرب غزة لا تزال محصورة وليست مرشّحة للتوسع إلى المنطقة، رغم دخول الحوثيين على الخط في البحر الأحمر عبر أعمال مضبوطة برسائلها. وهذه الحرب لم تورّط إيران مع إسرائيل في شكل مباشر، كما لم تورّط دولاً عربية إلا بالحد الأدنى من التعاطف الإنساني. إلا أن أي مواجهة مع حزب الله لن تكون على المستوى نفسه. فهي ستعني إيران أولاً وآخراً، كما تعني أن الحرب لن تدمّر لبنان فحسب، بل ستورّط دول الجوار، حيث لإيران دور فاعل. وإذا كانت دمشق اليوم تنأى بنفسها عن كل ما يجري، إلا أن أي مواجهة بين إسرائيل وحزب الله ستضع سوريا في دائرة الحرب مع كل التهديدات الإسرائيلية المتتالية لها. ولأن لبنان يشكل ساحة تجاذب غربي – عربي – إسرائيلي – إيراني، فإن أي شرارة فيه لن تبقى في مكانها فحسب.