الكل يدرك ويعرف ان الازمة الاقتصادية والنقدية في لبنان بدأت بالتفاقم منذ العام 2019، و17 تشرين كان يوما تاريخيا ومفصليا وصلت اصداؤه الى العالم اجمع، حيث اندلعت الاحتجاجات الشعبية وقطعت الطرقات ونفّذت الاعتصامات لأسابيع متتالية في مختلف المناطق اللبنانية، وعلى وجه الخصوص ساحة النور في طرابلس وأوتوستراد جل الديب وساحة الشهداء في رياض الصلح وسط بيروت. فارتفعت أسعار المواد الغذائية والمحروقات، وانقطعت الادوية، وبعض العقاقير اختفت لتُباع سوقا سوداء. هذا وتضاعفت تعرفة الدخول الى المستشفيات وحتى مراكز الرعاية الصحية والمستوصفات، وتراجعت القدرة على سداد الديون التي تراكمت على كواهل اغلبية العائلات اللبنانية، وزاد تآكل الطبقة الوسطى والفقيرة بعد ان تدنت قيمة العملة الوطنية.
هذا التدهور الذي شمل معظم القطاعات الحياتية والحيوية، نتج منه انهيار الثقة في القطاع المصرفي الذي قام بفرض قيود على رأس المال للأفراد والشركات، فتقلصت عمليات سحب الأموال بالدولار، واهتزّ استقرار سعر الصرف، حتى كاد ان يصل الدولار الواحد الى حدود الـ 200 ألف ليرة لبنانية.
الى جانب كل ما ذكر، عام 2020 كان الاسوأ على اللبنانيين عموما، فقد عانى لبنان من تداعيات جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت الكارثي، الذي حصد أكثر من 300 ضحية وخلّف عشرات آلاف الجرحى، ودمر آلاف الوحدات السكنية بشكل شبه كامل، فزادت معدلات البطالة وتفاقم الوضع المعيشي والمالي، وتراجع النمو الاقتصادي.
4 سنوات على الازمة النقدية… التدهور مستمر!
بعد مرور نحو 4 سنوات على الاضطراب والشظف والشدة والتعثر المصرفي، لا يزال لبنان غارقاً في براثن الفوضى، ويرجع ذلك الى اهمال وإساءة استخدام السلطة وسوء الإدارة، والفساد المستشري في كل إدارات ومؤسسات الدولة من دون استثناء، والتسيّب تحت غطاء سياسي تدعمه مجموعات سياسية، والاصح عائلات نافذة تستحوذ على اغلبية المصارف في البلد وتسيطر على قطاعاته الاقتصادية والتجارية.
تقرير البنك الدولي حول لبنان “كارثي”
على صعيد آخر، كان البنك الدولي أعلن في تقرير له عن حجم ارتفاع أسعار الغذاء في لبنان بين 2022 وأيلول 2023، الذي وصل الى 239%. وجاء لبنان في المرتبة الثانية عالميا بعد فنزويلا. ففي نهاية عام 2022 بلغ سعر صرف الدولار 60 ألف ليرة، ليصل نهاية 2023 الى معدل 89 ألف ليرة، أي ان سعر المواد الغذائية ارتفع بحوالى 5 اضعاف سعر صرف الدولار.
“جمعية حماية المستهلك” تّعلّق!
وفي الإطار، علقت “جمعية حماية المستهلك” على تقرير البنك الدولي قائلة: “لو اضفنا معدل ارتفاع أسعار الغذاء العالمي بين 5 و10% ، فهذا لن يغير شيئا من واقع التضخم الكارثي في لبنان، وبخاصة ان الغذاء يشكل العبء الأكبر للأكثرية الساحقة من السكان”. اضافت “منذ أكثر من أربع سنوات وأسعار الغذاء ترتفع بلا توقف، وبشكل منفصل تماما عن سعر صرف الدولار. انه مؤشر عن أوجه فشل السلطة على كافة الأصعدة في السياسة والاقتصاد والاجتماع والكهرباء والماء والاتصالات والمواصلات والصحة والنفايات”، واشارت الى “ان الحلول موجودة ومعروفة، وقد شاركنا في طرحها”.
النظرة واقعية لا تشاؤمية
بالموازاة، قالت نائبة رئيس “جمعية حماية المستهلك” د. ندى نعمة لـ “الديار”: “الجمعية قامت بالتعليق على ما ورد في تقرير البنك الدولي حول نسبة التضخم، بعد ان احتل لبنان المرتبة الثانية عالمياً. لكن للأسف هذا التقرير لم يهزّ الحكومة التي نستغرب صمتها القاتل حيال هذه النتيجة، ولكن الأبشع ان هذه المحصلة ستنعكس سلبا على القدرة الشرائية للمواطنين ومعاناتهم، التي على ما يبدو لن تنتهي في العام المقبل”.
اردفت “ان ابداء وجهة نظرنا اتى انطلاقا من رؤية واقعية شمولية لا تشاؤمية، فالأرقام في هذا الإطار واضحة، والجمعية تعمل على متابعة تطور الأسعار من بعد الدولرة، حتى خلال الازمة وقبل الضائقة لم نلحظ أي انخفاض بالأسعار التي تراجعت عالميا، فهبطت أسعار بعض الأنواع وذلك بحسب تقارير الفاو”.
وتابعت: “حتى النفط الذي تراجع عالميا لم ينعكس إيجابا على الأسعار في الأسواق المحلية الداخلية، وذلك يعود لعدة اعتبارات في لبنان، كعدم إيجاد تسوية عملية لحل المشكلة الاقتصادية، ووضع خطة طريق لتذليل العوائق ومعالجة العقبات. ولا نزال في الحلقة نفسها لذلك الازمة باقية في ظل غياب الحلول”.
واستكملت “من الطبيعي ان يزيد التضخم، وان نشهد فلتاناً كبيراً بالأسعار بسبب الشغور والفراغ واضمحلال الحماية والرعاية والمراقبة الرسمية. واحتكار السلع من قبل الباعة يبقى واردا، بما ان السوق هو عرض وطلب، وفي هذه الحالة لا إمكانية للمواطن بالتوجّه نحو خيار ثانٍ ما يعني انه مرغم على الشراء”.
وأوضحت نعمة ان “الحرب راكمت من الأعباء المعيشية فزاد استغلال المستهلكين من قبل حيتان السوق والتجار، الذين ضاعفوا حتى أسعار المواد الأساسية والسلع الضرورية. فقرار الدولة لجهة التسعير بالدولار كان في الاصل مخالفا للقوانين، لان هذه الآلية شرّعت التلاعب بالأسعار، بحيث أصبح كل صاحب دكان صغيرا كان او كبيرا انتهازيا، ويكسب أرباح على سلع تعتبر أساسية او مفقودة من السوق”.
وختمت: “بات كل تاجر يسعّر البضائع بالسعر الذي يحلو له، فداخل “السوبرماركت” الواحدة نجد التسعيرة بالليرة اللبنانية وأيضا بالدولار، والهرج والمرج واضحين في ظل غياب من يحاسب، ليكون المواطن بمنأى عن السرقات التي تجري على عين المسؤولين، دون ان يحرك هؤلاء ساكنا. للأسف يبقى سيناريو السقوط والتآكل قائمين، ويظل لبنان في حلقة مفرغة بحال عدم إيجاد حلول سريعة وعمليّة، كما ان قرار التسوية محصور بيد الدولة”.
ندى عبد الرزاق – الديار