الجمعة, نوفمبر 22
Banner

السنة الجديدة ترث الأزمات والتصعيد جنوباً

كتبت “الجمهورية” تقول: غداً.. يوم الرحيل لسنة غير مأسوف عليها، كانت امتداداً لسنوات مريرة، بل أسوأ منها كلّها، وفاقتها بما راكمته من آلام وأثقال أتعبت اللبنانيين، وأدخلتهم في صراع مرير للبقاء. والفضل في ذلك، يُسجّل لذهنيات العبث السياسي التي استقوت على البلد وأهله، وكتبت بالتكافل والتضامن، كابوس الأزمة القاتلة، ورسّخت الفراغ في رئاسة الجمهورية، وقطعت كل سبل التوافق والتفاهم، وأطفأت الأمل بانفراج، واغتالت حلم الشعب اللبناني بوطن معافى يفخر بانتمائه اليه، وتوقه إلى دولة أمن وأمان واستقرار وازدهار ورخاء. في وداع هذه السنة، لا يملك اللبنانيون، وهم يطوون يومها الاخير، سوى أن يجدّدوا الرّهان على السّنة الجديدة، لعلّها تضيء ما تبقّى من أمل في أن تحمل بداياتها استفاقة سياسيّة تلفظ الشعبويات والعداوات، والارتهانات، وسباق المصالح والمغانم، والفجع الى السلطة والتحكّم، وتنهض من جديد بوطن انحدر إلى أسفل حدود الفقر والتعاسة والتصدّع والوهن، ومصيره يترنّح على حافة جحيم جهنمي يمتد على طول المنطقة، وليس معلوماً متى ستحين لحظة السقوط الكارثي.

في السياسة، ورّثت السنة الراحلة الملفات والتعقيدات إلى السنة الجديدة، تاركة شيفرة حلولها محبوساً عليها في قمقم اصطفافات تنذر انقساماتها بغرق كل تلك الملفات من جديد، في دوّامة النّكايات والمكايدات والمزايدات ذاتها، وفي موازاة ذلك، وعدٌ مقطوع بإعادة تحريك الملف الرئاسي، باعتبار أنّ حسمه الشرط الأساس لتصويب مسار البلد، وفتح باب المخارج والحلول لكل الملفات الشائكة.

التعويل في الملف الرئاسي، يبقى على المبادرة الخارجية الموعودة التي تحدثت عنها وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا. وعلى ما يقول مرجع سياسي شديد الحماسة والاستعجال لحسم الملف الرئاسي، فإنّه «سواءً أكانت أحادية الجانب من الفرنسيّين وحدهم، او من القطريين وحدهم، او منسقة بين باريس والدوحة او مدعومة بصورة مباشرة أو غير مباشرة من قِبل اللجنة الخماسية، فإنّ في أيّ حركة او حراك احتمال بركة، وما نريده في نهاية المطاف هو أن نأكل العنب الرئاسي، بعدما أنهكنا حصرم التعطيل».

المبادرات: تشكيك وقلق

على انّه في موازاة هذا التعويل، تشكيك صريح بنجاح أيّ مبادرة رئاسيّة داخلية او خارجية، وتعكس ذلك بصراحة شخصية وسطية بارزة بقولها لـ«الجمهورية»: «اي مبادرة جديدة، ستكون بالتأكيد بنت التجارب السابقة التي أسقطت فيها انقسامات الداخل وتناقضاته، سلسلة طويلة من المبادرات الفاشلة، سواءً من قبل الفرنسيين او من القطريين او من اللجنة الخماسية، او المبادرات الحوارية المتتالية التي اطلقها الرئيس بري. فوسط هذه التناقضات لا أمل بأي انفراجات، وبالتالي أنا على يقين بأن لا رئيس للجمهورية قبل أشهر، حتى لا أقول سنة واكثر، وبالتالي ما يُحكى عن مبادرات ليس اكثر من تعب وتضييع وقت، وما يجب ان نركّز عليه هو الحرب في غزة وجنوب لبنان، وننتظر ماذا سيحصل في المنطقة، وكذلك في لبنان، حيث أنّه يتملكني قلق كبير من مغامرة جنونية لا استبعد أن يُقدم عليها بنيامين نتنياهو ووزراؤه المتطرفون، هرباً من محاكمته التي ستبدأ في شهر شباط».

بري: الرئيس ضرورة

هذه الصورة السوداوية في المنطقة، الى جانب ضرورات الداخل اللبناني، تؤكّد الحاجة اكثر الى انتخاب رئيس للجمهورية، على حدّ تعبير الرئيس بري. الذي رفض المقولة التي تروّج في بعض الاوساط بأنّ «البلد ماشي بلا رئيس جمهورية»، وقال لـ«الجمهورية»: «هذا حكي فاضي، رئيس الجمهورية ضرورة للبلد، ويجب أن يُنتخب في أسرع وقت».

وردّاً على سؤال عن ماهية التحرّك الذي سيقوم به حول الاستحقاق الرئاسي، يؤكّد بري أن «ليس في جعبته أيّ مبادرة، لا حوارية ولا غير ذلك. فقط مشاورات للتأكيد للجميع على أنّ أقل الواجب والمسؤولية الوطنية على كلّ الأطراف في هذه المرحلة، هو إعادة تنظيم وتحصين وضعنا الداخلي بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية».

ويتابع الرئيس بري تطورات الوضع في الجنوب في ظلّ الاعتداءات الاسرائيلية المكثفة على المناطق اللبنانية والمدنيين في البلدات الآمنة، ويؤكّد «أنّ المقاومة في مواجهتها للعدو في الجنوب، ومنذ اليوم الأول وحتى الآن، لم تحدّ عن قواعد الاشتباك فيما اسرائيل تتعمّد خرق هذه القواعد وتوسيع دائرة اعتداءاتها».

وحول ردّ المقاومة المتصاعد على هذه الاعتداءات: قال بري: «الرطل بدو رطلين».

وعندما يُسأل عمّا إذا كان ثمّة جهود خارجيّة تُبذل لخفض التصعيد، يقول بري: «كلّ الناس تتواصل وتدعو الى التهدئة، فيما المطلوب أمر وحيد هو إلزام إسرائيل بوقف عدوانها». وسبق له أن قابل دعوات الموفدين الذين التقاهم الى تجنّب لبنان تصعيد المواجهات والانزلاق الى حرب واسعة مع اسرائيل بتأكيده «أنّ خطر التصعيد واندلاع حرب واسعة، ليس مصدره لبنان، بل أنّ مصدر الخطر الحقيقي هو اسرائيل».

ميقاتي: قلق

وفي السياق، نُقل عن الرئيس ميقاتي «قلقه الشديد من تصاعد حدّة الاعتداءات الاسرائيلية على جنوب لبنان، بالتزامن مع الحرب الدائرة على قطاع غزة».

وبحسب ما نُقل ايضاً، فإنّه خلافاً للتطمينات التي تلقّاها لبنان في الفترة الماضية من حصر العمليات ضمن «قواعد الاشتباك» المعروفة، بات رئيس الحكومة شديد القلق من تفلّت الاوضاع ومحاولة اسرائيل تحويل الانظار عن المأزق الشديد الذي تعاني منه في غزة، بتصعيد عدوانها على جنوب لبنان. ومن هذا المنطلق يكثّف ميقاتي اتصالاته ولقاءاته الديبلوماسية، لحضّ «دول القرار» على الضغط لوقف العدوان الاسرائيلي على جنوب لبنان. كما يكثف اتصالاته الداخلية في اطار السعي لضبط الوضع وعدم الانجرار وراء ردات فعل تعطي مبرراً للعدو الاسرائيلي لتصعيد عدوانه.

يُشار الى أنّ جدول مواعيد ميقاتي يفيد بأنّ السرايا الحكومي سيشهد بعد رأس السنة مباشرة، سلسلة لقاءات ديبلوماسية دولية وعربية لرئيس الحكومة، لمتابعة الاوضاع والسعي الى وقف المواجهات، بالتزامن مع اتصالات محلية لبت الملفات العالقة أو المؤجّلة وفي مقدّمها ملف التعيينات العسكرية.

عودة هوكشتاين

الى ذلك، ووسط تصاعد العمليات العسكرية على الحدود الجنوبية، كثر الحديث في الآونة الاخيرة عن زيارة محتملة للوسيط الاميركي آموس هوكشتاين الى بيروت منتصف شهر كانون الثاني المقبل، حاملاً معه مبادرة اميركية متعلقة بتطبيق القرار 1701. وعلى الرغم من نسب الحديث عن الزيارة الى السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا، الّا انّه لم يصدر حتى الآن تأكيد رسمي لهذه الزيارة من قبل الادارة الاميركية.

وسواءً تأكّدت هذه الزيارة او لم تتأكّد، فإنّ ما يثار حول القرار 1701 في هذه الفترة، يتلاقى بشكل مباشر مع ما بدأت اسرائيل بالترويج له حول ترتيبات يجب أن تحصل في منطقة عمل القرار المذكور، يكون في نتيجتها توفير الأمن للمستوطنات الاسرائيلية على الحدود، وإبعاد «حزب الله» الى شمالي نهر الليطاني. وهو الأمر الذي سبق للبنان الرسمي أن اكّد امام كل الموفدين الاميركيين والفرنسيين وغيرهم، التزامه الكامل بتطبيق القرار 1701 واستعداده للمساعدة في تطبيقه، ودعوته المجتمع الدولي إلى إلزام اسرائيل بتطبيق القرار، وهو ما شدّد عليه بصورة خاصة الرئيس بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي.

يُشار في هذا السياق، الى رواج معلومات غير مؤكّدة قبل وصول هوكشتاين، تفيد بأنّ المبادرة الاميركية تقوم على مسارين، الأول خفض التصعيد على الجبهة الجنوبية، والمسار الثاني صياغة تسوية على خط الحدود البرية تنسحب بموجبها إسرائيل من النقاط 13 بما فيها نقطة b1، وخراج بلدة الماري، والجزء الشمالي من بلدة الغجر، وتحسم وضع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

موقف «حزب الله»

حول هذا الأمر، يمارس «حزب الله» صمتاً متعمداً، والمطلعون على أجواء الحزب لهذه الناحية، يؤكّدون أنّه احبط مسعى الموفدين الى استدراجه الى موقف حيال ما يُثار عن القرار 1701 وترتيبات في المنطقة الحدودية التي يشملها هذا القرار، ورفض الحديث في اي تفصيل متصل بهذا الامر، ذلك أنّ المطلوب فقط الآن، هو أن توقف اسرائيل عدوانها على غزة وعلى لبنان.

وبحسب هؤلاء المطلعين، فإنّ «الحزب عالم بكلّ الدوافع إلى اثارة هذا الموضوع، التي تحاول إسرائيل من خلال هذه الإثارة ان تفرض شروطها، من قبيل إبعاد «حزب الله» الى شمالي الليطاني. فهذه الطروحات عن ترتيبات وما شاكل ذلك، وكما يعتبرها الحزب، أمنيات لإسرائيل تحاول أن تسوّقها عبر بعض الاوروبيين، ومن هنا فإنّ تصعيد المواجهة على الحدود الجنوبية، ليس فقط مجرّد إشغال لجيش العدو، بل هو إتعاب وإنهاك له، حتى لا يصل الى لحظة يعتقد فيها أنّ في امكانه فرض شروطه وتحقيق مكتسبات ميدانية على حساب لبنان والمقاومة».

الى ذلك، اعتبر مرجع مسؤول «أنّ الحديث عن ترتيبات جديدة في منطقة عمل القرار 1701 بالشكل الذي تريده اسرائيل امر بالغ الخطورة، وتستبطن شرارة اندلاع حرب واسعة»، وقال لـ«الجمهورية»، انّ «هذه الترتيبات بالشكل الذي تريده اسرائيل، تحت عنوان إبعاد «قوات الرضوان» الى شمالي الليطاني وإنشاء منطقة عازلة لحفظ امن المستوطنات الاسرائيلية، مكمن الخطورة فيها أنّ الطرح الاسرائيلي هو في الشكل «إبعاد الرضوان»، الّا أنّه في جوهره يستبطن إبعاد الناس، وتفريغ المنطقة من سكانها، أي الغاء الحياة على كل الجانب اللبناني من الحدود. ومثل هذا الامر يستحيل على اسرائيل تحقيقه لا بالسياسة ولا بغير السياسة، كما لا يستطيع احد في الخارج، وحتى أقرب حلفاء اسرائيل الاميركيين والدوليين، أن يغطيه ويدافع عنه ويدفع في اتجاه تحقيقه، كما لا يستطيع أحد في الداخل اللبناني أن يخضع له ويمرره ويقبل به».

تهديدات إسرائيلية

وفي وقت اشار فيه الإعلام الاسرائيلي الى أنّ المستوطنات الاسرائيلية المحاذية للبنان تشهد بلبلة كبيرة، ومخاوف متزايدة من تسلّل مسيّرات اليها، لفت الى انّ قادة اسرائيل يكثرون في إطلاق التهديدات بحرب على لبنان. وآخرها ما جاء على لسان وزير الدفاع الاسرائيلي السابق افيغدور ليبرمان، الذي علّق على ما تُسمّى «مسـألة اليوم التالي من الحرب على غزة» وقال في تصريح عبر مواقع التواصل الاجتماعي: «في اليوم التالي ضدّ «حزب الله»، يجب على جنود الجيش الإسرائيلي أن يتمركزوا في نهر الليطاني والسيطرة على المنطقة الواقعة بين الليطاني والحدود، ويجب أن تكون كامل الأراضي تحت السيطرة الإسرائيلية، كل هذا حتى تقوم حكومة في بيروت تكون قادرة على ممارسة سيادتها على جميع أراضي لبنان، ولا تفعل ذلك. ومهما طال الزمن، 5 أو 15 أو 50 سنة، فإنّ أي ترتيب آخر يعني التنازل عن الجليل».

واعتبر ليبرمان أنّ «مسألة اليوم التالي يجب أن تتضمن رسالة واضحة ألّا يعبث أحد معنا. ولن يتمّ ذلك إلاّ من خلال تحصيل ثمن باهظ من أولئك الذين بدؤوا الحرب ضدنا، وعلى رأسهم حركتا «حماس» و«حزب الله».

الاّ انّ اللافت للانتباه في موازاة ذلك، هو ما يؤكّد عليه الخبراء العسكريون لجهة أنّ التهديد الاسرائيلي بحرب شيء، والفعل شيء آخر، فحتى لو ارادت اسرائيل الحرب مع لبنان، فإنّ الولايات المتحدة الاميركية ستمنعها لأنّها لا تريدها كونها تشكّل شرارة لحرب واسعة في المنطقة. حيث أنّ الحرب مع لبنان ستكون أوسع وقد تفتح أبواباً إقليمية مغلقة على الجحيم. فضلاً عن انّ الجيش الإسرائيلي الذي تعذّر عليه حسم المعركة في غزة منذ نحو ثلاثة أشهر، سيجد أنّ الوضع أصعب بكثير مع لبنان. وسيواجه مصاعب اكبر ويتكبّد اثماناً باهظة إذا وقعت حرب مع لبنان. ذلك انّ الإمكانات الصاروخية التي لدى حركة «حماس»، والمحصورة في نطاق ضيّق ومحاصر، وتمكنت من خلالها من إيلام اسرائيل وإلحاق خسائر كبرى في جيشها، لا تعدو اكثر من امكانات «تذكيرية» ورسائل، وليست امكانات تدميرية ضاغطة كالتي يملكها «حزب الله» في نطاق مفتوح يبدأ من جنوب لبنان ويصل الى ايران.

اعتداءات وعمليات

وكانت جبهة الحدود الجنوبية قد شهدت امس، يوماً عنيفاً في القصف المعادي على المناطق اللبنانية، وعمليات «حزب الله» ضدّ المواقع الاسرائيلية، حيث شنّ الطيران الحربي الاسرائيلي والمسيّرات سلسلة غارات، شملت عيترون، حيث افيد عن سقوط جريحين، ووادي حامول – الناقورة، اللبونة ومحيط العين الزرقا، وحرجاً بين اللويزة ومليخ، واطراف بلدة يارون، كما قصفت مدفعية العدو اطراف بلدات علما الشعب، الضهيرة، وادي حسن، مروحين، جبل بلاط، وراميا، محيط الخريبة وراشيا الفخار، شيحين، ام التوت، كفر حمام، والماري.

وفي المقابل، أعلن «حزب الله» عن أنّ المقاومة الاسلامية استهدفت موقع حدب يارون مرتين، ورافعة ‏تحمل تجهيزات ومعدّات تجسّس في مزارع دوفيف، وموقع المرج، ومرابض مدفعيّة العدو في خربة ماعر، وموقع رامية، وأماكن انتشار جنود العدو الإسرائيلي بين ثكنة زرعيت وموقع بركة ريشا، وموقع رويسة القرن في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة.

وأفادت وسائل اعلام اسرائيلية عن 27 هجوماً جرى تنفيذها ضدّ الجليل، وقالت انّ صفارات الإنذار دوّت في مستوطنات كريات شمونه، مرجليوت، مسكاف عام، كفار يوفال، معيان باروخ، المنارة، المطلة، كفار جلعادي، وبيت هيلل في اصبع الجليل، خشية تسلّل طائرات مسيّرة، وانّ الجيش الإسرائيلي اطلق رشقات ناريّة ثقيلة على أطراف بلدة البستان الجنوبيّة، من مواقعه المتاخمة لبلدة عيتا الشعب.

Leave A Reply