يدرج مقرّبون من دوائر القرار في “حزب الله” الإشكالات الثلاثة التي وقعت أخيراً بين دوريات “اليونيفيل” وجمهور من ثلاث بلدات جنوبية والكلام الإسرائيلي المفاجئ عن سحب الحزب لـ”قوة الرضوان” من المواقع الأمامية التي انتشرت فيها منذ زمن بعيد وأعادت تموضعها في مواقع خلفية في خانة واحدة عنوانها العريض “التلاعب والعبث في ميدان المعركة المفتوحة” بقصد إفقاده تماسكه وإخراجه من العتمة الى دائرة الضوء توطئة لتوهينه لأن انكشافه يجرّده من جزء أساسي من عناصر قوّته ومتانته. ويستند أصحاب هذا الرأي في إطلاق استنتاجهم على الآتي:
– على الرغم من كل التهديدات الإسرائيلية التي تحذر من أن ساعة التصادم الكبير وغير المقيّد بحدود مع الحزب على وشك التحقق فإن ثمة اقتناعاً بأن اليد الإسرائيلية مغلولة بأمر من واشنطن وأن تل أبيب تتعايش مع واقع الحال الحدودي منذ الثامن تشرين الأول الماضي الى أجل غير مسمّى. وبناءً على ذلك وجدت تل أبيب نفسها أمام مهمة أساسية وهي محاولة اختراق ساحة الجنوب والعمل بدأب لفكفكة شفراتها وتفكيك السياج الذي صنعه الحزب حولها.
– إن مدخل إماطة اللثام هذا عن الجنوب لا يكون إلا من خلال معبرين الأول القوة الدولية العاملة في الجنوب، وتحويلها الى حصان طروادة، والثانية استدراج الحزب الى دائرة الكلام والتساجل والبوح عن أسراره. ومن خلال الأمرين تعتقد المصادر نفسها أن إعداد المسرح لصدام مرتقب مع اليونيفيل في أرض الجنوب وجعل قوة “الرضوان” موضوعة على مدار الساعة أمام الأضواء الساطعة هما مدخلا إسرائيل لبلوغ الهدف عينه.
وفي تقدير المصادر نفسها إن تلك الصدامات الثلاثة بين أهالي بعض القرى الجنوبية وبين عناصر من اليونيفيل “هي افتعال موصوف ومدبّر” وإن دوائر “حزب الله” تتهم جهات معيّنة بافتعالها.
فالاصطدام الاول الذي شهدته بلدة الرمادية وقع في مطلع الأسبوع الثاني من اشتعال فتيل المواجهات الحدودية المستمرة، كان مفاجئاً بكل المقاييس، ففيما كانت قيادة القوة الدولية في الناقورة قد أعطت توجيهاتها لكل وحداتها بالكفّ عن تسيير أية دوريات في كل المناطق والتزام المراكز وأخذ إجراءات الحيطة والحذر، ظهرت فجأة في ساعة من ساعات الصباح الأولى دورية لـ”اليونيفيل” في الأحياء الداخلية لتلك البلدة المتاخمة لقانا من دون أي مواكبة من الجيش فما كان من بعض الأهالي إلا أن أحاطوا بتلك القوة مانعين إياها من الحراك. ولم ينته الإشكال إلا بعد أن حضرت قوة من الجيش اللبناني واصطحبت القوة الفرنسية بعد فك الحصار عنها.
ووقع حادث الصدام الثاني بعد أقل من 48 ساعة في بلدة الطيبة الحدودية. واللافت أن الإشكال وقع بين الأهالي ودورية من الوحدة الأندونيسية وهي المرة الأولى التي يُسجل فيها احتكاك بين عناصر هذه القوة المسالمة وبين البيئة الشعبية التي تعمل في وسطها.
وأتى الحادث الثالث بعد أقل من 36 ساعة على الحادث الثاني وكان مسرحه بلدة كفركلا الأمامية القريبة، ووقع بين عناصر من دورية فرنسية وأهالٍ منعوها من دخول أحياء البلدة الداخلية من دون مواكبة من الجيش.
وفي تقدير تلك المصادر إن “توقيت افتعال الحوادث الثلاثة لم يكن منزّهاً عن الشبهات وبريئاً من الاتهامات فهو أتى في ذروة الحديث الإسرائيلي عن إعادة تفعيل القرار الأممي 1701 وفي ذروة الحديث عن اقتلاع أي وجود عسكري للحزب من بقعة عمليات القوة الدولية أي جنوبي الليطاني”. لذا كانت تلك الأحداث ضرورة في رأي تلك المصادر لكي يصدر عن القوة الدولية بيان انطوى على دعوة السلطات اللبنانية الى “إجراء تحقيق كامل وصريح وتقديم جميع الجناة الى العدالة” والى اعتبار الاعتداءات على الذين يخدمون قضيّة السلام “تشكل انتهاكاً لقرار مجلس الأمن 1701 والقانون اللبناني” والى إعادة التشديد على أن حرية حركة قواتها “أمر حيوي خلال عملنا على استعادة الأمن والاستقرار على طول الخط الأزرق”.
ووفق المصادر نفسها فقد أعادت هذه الأحداث الى طاولة النقاش والبحث مسألة تنفيذ القرار 1701. وفي الحال هذه، ليس مهمّاً “حجم الحدث” وكونه عبارة عن مشادّة لم يظهر فيها أي سلاح، ما دام الهدف هو إبقاء الساحة الجنوبية أمام الضوء تمهيداً لربطها إن أمكن مع مسار الصراعات الإقليمية وتحديداً في غزة وأن تكون مشمولة بأية تسويات أو صفقات حلول خصوصاً أن في صلبها الحديث عن ترتيبات لأوضاع المنطقة يقوم على “المناطق العازلة والفاصلة” وهو ما يوفر شعوراً بالأمان المستقبلي لإسرائيل.
وفي موضوع الكلام الإسرائيلي الأخير عن سحب الحزب لقوته (الرضوان) من الخط الحدودي، فالواضح أن إسرائيل تعمّدت أن يكون غامضاً وملتبساً.
ويرى الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد الياس فرحات أن الكلام الإسرائيلي الدائم في شأن هذه القوة، الذي كانت ذروته أخيراً من خلال الحديث عن سحبها وإعادة تموضعها إنما هو حلقة من محاولات إسرائيل استدراج الحزب الى البوح والإفصاح. ولكن الحزب – يضيف فرحات – الذي صار خبيراً ببواطن العقل الإسرائيلي لن يُستدرج الى مثل ذلك إطلاقاً. ولا شك – يستطرد فرحات – في أن الحديث الإسرائيلي المتكرر عن قوة الرضوان هو حديث مريب ومبالغ فيه، خصوصاً أنها ترفع عديد هذه القوة الى نحو ثلاثة آلاف عنصر. ويضيف: إن كان من المؤكد وجود قوة نخبوية ضاربة في كل القوى العسكرية التي تعتمد في تركيبتها نظاماً أقرب الى النظام العسكري التقليدي فإنني أرى أن إسرائيل تبالغ في حديثها عن واقع هذه القوة. فعلى حدّ علمي إن الحزب لا يفاضل بين وحداته إلا في المهمات الموكلة إليها.
وبالإجمال يخلص العميد فرحات الى الاستنتاج أن إسرائيل تحاول في مجمل كلامها ومزاعمها الأخيرة أن توحي لمن يعنيهم الأمر أن الضغوط الميدانية التي تمارسها على الحزب هي التي فرضت عليه التبديل الميداني. ويبدو جلياً أن ذلك ما هو إلا محاولة لتبديد سخط المستوطنين الذين فُرض عليهم النزوح من الشمال الى الداخل والذين يعبّرون دوماً عن استيائهم من الواقع التهجيري المذل والمهين بالنسبة إليهم، ويعبّرون أيضاً عن اعتراضهم على عجز دولتهم عن تأمين الحماية لهم والوفاء بتعهداتها لهم بإبعاد خطر قوة الحزب عن مستوطناتهم.
ابراهيم بيرم – النهار