قبل بضعة أسابيع من انصرام العام الفائت، أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري بقدر من الإصرار، أنه سيجعل شغله الشاغل في السنة الوليدة العمل على طيّ صفحة الشغور الرئاسي فبدا ذاك الإعلان بمثابة بشرى ووعد يحاكي تطلعات ورغبات الشريحة الاوسع من اللبنانيين التي تنادي بإنهاء مرحلة “الرأس المقطوع للجمهورية” كمعبر الى تحقيق الكثير من الملفات الحيوية الملحّة. وبناءً على ذلك سمح كثر لأنفسهم بأمرين اثنين: عقد الرهانات من جهة والاستعداد لمساءلة الواعد إذا ما قصّر عن تحقيق وعده.
المعلوم أن الرئيس بري عندما أطلق تلك البشرى كان يسند ظهره الى فعل سياسي مهم كان تحقق للتوّ بعد مخاض عسير تمثل في رفع مجلس النواب سن التقاعد سنة إضافية لقائد الجيش ما شكّل مدخلاً لدرء فراغ زاحف الى رأس قيادة المؤسسة العسكرية، فشكّل ذلك قرينة عملانية على إظهار أمرين اثنين:
– استعداد الافرقاء السياسيين والكتل النيابية لتجاوز خلافاتها وتبايناتها والمضيّ الى إبرام صفقات وتسويات إدارية – سياسية تنهي بعض العقد المتراكمة وتخرج البلاد من حال العجز الموصوف عن الفعل والمعالجة.
– قدرة المكوّنات السياسية على الفعل والتأثير إن هي حزمت أمرها وحسمت تردّدها ووجدت غطاءً خارجياً.
وهكذا ومع بدايات السنة الوليدة لتوّها ثمة أبصار شخصت نحو عين التينة منتظرة أن يبدأ صاحب الوعد خطواته الأولى في رحلة الوفاء بالوعد والعهد والبشرى، لكي يستكمل إنجازه الحديث ويؤمن ما يحصنه من جهة ويثبت بالملموس أن سيد عين التينة ما زال فعلاً آخرالسياسيين الفاعلين والقادرين على إنتاج الحلول وإنضاج التسويات عند انسداد الأبواب.
وما زاد في حرارة المشهد أن الرئيس بري لم يقل كلمته ويطلق وعده ومن ثم يمشي، إذ إنه أردف وعده بإطلاق جملة مواقف متتالية تحمل في طيّاتها بشائر تعزّز الآمال من جهة وتشي بأن الرجل يحمل في يمينه من المعطيات والوقائع وكلمات السر ما تجعله قادراً على تجاوز العراقيل.
ففي مقابلة صحافية قدّم الرئيس بري نفسه على أنه رجل المرحلة المقبلة وذلك عندما تعهّد بجملة أمور هي مثار بحث وتداول ومنها:
– تمسكه بالحفاظ على القوة الدولية العاملة في الجنوب ونفيه أي كلام مناقض.
– دحضه لكلام روّج له بعض السياسيين اللبنانيين عن مقايضة محتملة عرضها الثنائي الشيعي على من يعنيهم الامر قوامها استعداده القبول بإنفاذ القرار الأممي الرقم 1701 في مقابل حصوله على الرئاسة الأولى. وقال: نحن لا نفرّط بمتر واحد من الجنوب ومن الاراضي اللبنانية في مقابل حصولنا على أعلى المناصب في الدولة.
ويكشف بري عن وعد أميركي تلقاه عبر السفيرة دوروثي شيا بعودة وشيكة للموفد الاميركي آموس هوكشتاين الى بيروت ومعه عروضه للترسيم البري، وعن حراك سيكون هو فيه قطب الرحى لتبديد كل ما نتج عن الإشكالات مع اليونيفيل مكرّراً: نحن حاضرون اليوم قبل الغد لتطبيق هذا القرار إلا أن إسرائيل هي العائقة لتنفيذه.
وإن كان بري يصر على التأكيد أنه عند وعده بالاستعداد للوفاء بكل ما تعهد به أخيراً، فإن ثمة من لا يزال يدرج المشهد كله في دائرة إشاعة مناخات إيجابية لها مردود معنوي ويعزز فسحة الامل عند اللبنانيين التواقين الى رؤية انفراجات ما في موازاة الضغوط والمخاطر اليومية في الجنوب الملتهب. ويستمد أصحاب هذه الرؤية الرمادية رؤيتهم تلك من وقائع وشواهد منها:
– سبق للرئيس بري أن أطلق في عام الفراغ ثلاث مبادرات، إلا أنها اصطدمت بمن يعارضها ويحاصرها بالشكوك فما كان من بري إلا أن تراجع عنها مضطراً.
– إن الفريق الذي اعتبر أن بري قد لاقاه أخيراً في منتصف الطريق عندما مرر مطلب التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون عاود سيرته الأولى بالتصدّي لخطوة برّي عندما لاقاها بتحديد شروط مسبقة للسير بها.
– إن بري أبقى مبادرته الموعودة محاطة بستار من الغموض والالتباس ولم يكشف عن ماهيتها ما أبقاها في إطار العموميات الواعدة.
ويدرج عضو “اللقاء الديموقراطي” الدكتور بلال عبد الله “الأحاديث المرتفعة عن بشائر ومؤشرات تشي بقرب طيّ صفحة الفراغ الرئاسي في خانة إشاعة المناخات الإيجابية لتطغى على ما عداها”. ويقول لـ”النهار”: “في العمق لا نرى أية مؤشرات أو وقائع صلبة جدّية تترجم الرغبة العارمة بانتخاب رئيس للبلاد ينهي عهد الفراغ القاتل. وبالنسبة لنا ننتظر تحوّلين من شأنهما إن حدثا أن يطردا الشكوك ويعززا الآمال بقرب انتخاب الرئيس وهما:
– أن يعلن الثنائي الشيعي جهاراً تراجعه عن ترشيح مرشحه الحصري للرئاسة الاولى وهو زعيم تيار المردة سليمان فرنجية.
– أن يجاهر حزب “القوات اللبنانية” ومعه قوى الاعتراض والتغيير بمقاطعة دعوات الرئيس بري الى شكل من أشكال الحوار الوطني المخصّص للتوافق على اسم رئيس جديد”.
وأضاف عبد الله: “ما دامت الأمور عبارة عن إشاعة مناخات فإن الفراغ مديد، إذ لايمكننا أن ننسى أن أي جلسة لانتخاب رئيس جديد تحتاج الى نصاب 86 نائباً، وهذا لا يؤمنه إلا توافق وطني واسع مبنيّ على تفاهمات صلبة”.
ورداً على سؤال أجاب عبد الله “أن ما أعلنه جعجع سابقاً عن استعداده للذهاب الى حوارات ثنائية هو بداية مؤشر على الرغبة بالمراجعة، ولكنه لا ينمّ في نهاية المطاف عن رغبة أكيدة بالمضيّ الى أداء وسلوك يخالف أداءه السابق المعروف.
وهنا لا بد من أن نشير الى أن جعجع وسواه قد أخطاوا في السابق عندما أعلنوا اعتراضهم على المبادرة الثالثة للرئيس بري التي تحدثت عن حوار غير مشروط لبضعة أيام على أن تليها مباشرة خطوة الذهاب الى جلسات مفتوحة لانتخاب الرئيس العتيد، إذ إنها كانت فرصة للجميع”.
وعما إن كان هناك أي تواصل بين “اللقاء الديموقراطي” والرئيس بري على توجه مشترك في المرحلة المقبلة؟ أجاب “نحن في خط علاقة مفتوحة مع الرئيس بري وعلى قدر من التنسيق والانسجام ولكن لا شيء جديداً واضحاً ومحدداً يمكن البناء عليه”.
من جهته أبلغ عضو كتلة “الاعتدال الوطني” سجيع عطيّة “النهار” أن لا جديد في موضع انتخابات الرئاسة يضاف الى ما علم به الجميع قبل نهاية العام الماضي. وأضاف “أن الأمر عبارة عن إشاعة مناخات إيجابية وتفاؤلية ولم نعاين لحد اللحظة أية معطيات أو وقائع أو بوادر واعدة من أحد يمكن البناء والرهان عليها للتبشير بدنوّ موعد الخروج من أزمة الشغور الرئاسي”.
ابراهيم بيرم – النهار