يزداد انزلاق قطاع النقل البري العام نحو الهاوية يوما بعد يوم، بينما المسؤولون صم بكم عمي، وكل هذا يحدث وسط استخفاف المعنيين بالأوضاع المزرية والتقهقر المعيشي الحاصل في البلد. فلم يحاول هؤلاء على الأقل القيام بإجراءات جذرية او وضع تسوية لمعالجة الأسباب ومواجهة العقبات التي ضاعفت من الانهيار، ويبدو ان ويلات 2023 مستمرة الى ما بعد بعد العام 2024. وبات واضحا ان الامور تتدحرج نحو الاسوأ، خاصة بعد اغتيال “إسرائيل” القيادي في حركة حماس صالح العاروري في الضاحية الجنوبية، فالتجانس في الذرائع والمسوغات والغايات والشطور ليس عرضيا او بالمصادفة، بل احداث يكشفها الزمن، لذلك يبقى الهلع من اتّساع رقعة الحرب الدائرة جنوباً الشغل الشاغل للبنانيين عموما والجنوبيين خصوصا.
بداية قاسية!
غالبا ما يُستهل العام الجديد بجرعة فائضة من والتفاؤل والايجابية، لكن هذا الاستبشار خيّب توقعات المنجمين والمتكهنين وحتى المواطنين، لجهة الانفراجات التي سيشهدها الوضع المعيشي. وبعد فرصة الأعياد الطويلة، عاد قطاع النقل البري العام ليتصدر واجهة الاهتمام مجددا. فعلى الرغم من ثبات سعر صرف الدولار وانخفاض سعر صفيحة البنزين، فان تسعيرة السرفيس “طلوع” لأسباب غير منطقية او مقنعة، بحيث ان السائق يبتز الركاب من خلال تحكّمه بالتسعيرة، التي باتت تتجاوز ربع راتب موظف من الفئة العادية.
تعرفة متفاوتة والنقابة عاجزة!
بالموازاة، يعتمد أصحاب “الفانات” والباصات لنقل الركاب تسعيرة بالدولار، بحيث ان التعرفة على الخط الممتد من شتورا الى بيروت تصل الى (3 دولارات)، كذلك الامر بالنسبة للخط الممتد من الحمرا الى انطلياس مرورا بساسين – الاشرفية، وتتراوح تعرفة الخط الممتد من عاليه الى الكولا بين 3 و5 دولارات، اما تسعيرة الخط الممتد من الكولا الى الشمال فتبلغ حوالى الـ (4 دولارات)، إشارة الى ان كل صاحب باص يتقاضى تعرفة مختلفة ويتحكم بوضع التسعيرة التي تحلو له.
من المؤكد ان تعرفة النقل العام تؤثر سلبا في أبناء الطبقة الفقيرة والوسطى، حيث لا يزال كثر من المواطنين يتقاضون رواتب بالعملة الوطنية، وفق حد أدنى للأجور لا يتعدّى الـ 6 ملايين ليرة لبنانية أي حوالى 66 دولارا.
ويتواصل الهرج والمرج بتعرفة بدل النقل العام ليشمل أيضا تسعيرة “الدليفري”، فتوصيل طلب عبر الدراجة النارية داخل بيروت بدءاً من 3 دولارات، وهو بدلٌ مرتفع بالنسبة لقرب المسافة ووسيلة النقل المستخدمة.
الباصات الفرنسية تمثيلية
“شاهد ما شفش حاجة”!
على صعيد آخر، تآكلت الباصات المقدمة كهبة من الدولة الفرنسية بفعل الصدأ، كونها مركونة مذ وصلت الى لبنان، ويبدو ان الزمن كفيل بإفسادها واستهلاكها بدلا من الناس. ويسأل المواطن اين أصبحت تلك الباصات التي اقام لها وزير الاشغال علي حميّة طنّة ورنّة و”بهورة” إعلامية، وواكب وصولها بسلام، ووضع خطة شاملة لتنظيم هذا القطاع، وأطلق الوعود الرنانة بتسييرها، وتقاضي تعرفة 20 ألف ليرة مقابل الراكب الواحد، لكن تلك الباصات “فص ملح وذاب”، أي اختفى أثرها كليّا.
قال مصدر في وزارة الاشغال والنقل العام عن مسألة التسعير بالدولار لـ “الديار”: ان “هذا الامر حكما مخالف للقانون، ولا يمكن للوزارة في الوقت الراهن وضع تسعيرة لأنها ستكون مضطرة الى تغييرها أسبوعيا، وهذا الامر صعب حاليا”.
الوزارة متقاعسة!
وفي شأن يتصل بالباصات الفرنسية، كشفت مصادر رسمية لـ “الديار” ان “الباصات الفرنسية لم تكن الا مسرحية مفتعلة، لإقناع البنك الدولي بأن حكومة تصريف الاعمال بدأت بوضع خطة محكمة للنقل العام، وهذه الخطة انتهت مباشرة بعد انتهاء العرض التمثيلي الذي أدّته السلطة امام الرأي العام المحلي والدولي”.
“السرفيس” بـ 3 دورات وأكثر!
وعلى وقع الازمات المتلاحقة، وحده المواطن يدفع ثمن المناكفات السياسية والفوضى والاحتكار وتلكؤ الوزارة المعنية، فالتلاعب ينهش كل القطاعات الحياتية بدون استثناء، ولا يوجد قطاع واحد يراعي ظروف الناس المعيشية المتكدّرة. يأتي عام آخر جديد على اللبنانيين وكأن شيئا لم يتغير، فلا يزال التلاعب بالأسعار يشمل الادوية والمواد الغذائية والمستشفيات وحتى الكهرباء، ناهيك بالفساد المستشري في النافعة والاتصالات وصولا الى المواصلات، بحيث يستأثر السائق بوضع تسعيرة “على ذوقه”، ضاربا عرض الحائط القوانين والدولة والنقابات والمعنيين المسؤولين في “الاشغال”.
إشارة الى ان السائق قد لا يجد راكبا واحدا طوال اليوم، وهذا لان المواطن بات يقصد مكان عمله سيرا على الاقدام، غير آبه بطقس ماطر او برد قارس، او حرارة تذيب الحديد، وهذا طبعا بغية توفير بعض الأموال، لان الراتب قد لا يكفي لعدة أيام من الشهر. كما ان كثرا استبدلوا وسائل النقل التقليدية بأخرى اقل تكلفة واحراجاً مثل “البيسكلات” و “السكوتر”.
وفي الإطار، كشف سليم فقيه وهو أحد سائقي التاكسي لـ “الديار” ان “تسعيرة السرفيس داخل بيروت أصبحت بـ 3 دولارات، والسرفيس من العدلية الى الحمرا بـ 4 دولارات، والتاكسي بـ 6 دولارات، وتزيد هذه التعرفة او تنقص كلما زادت او نقصت المسافة”، مؤكدا “ان معظم السائقين العموميين أصبحوا يتلقّون بدل النقل بالدولار”.
“السرفيس” في طرابلس بـ 50 ألف ليرة؟
وفي هذا الخصوص، تقصت “الديار” عن سعر بدل النقل للراكب في طرابلس، وتبين ان السائق يتقاضى 50 ألف ليرة لبنانية، مقابل نقل راكب من جانب “سينما سيتي كومبلكس” الى دير عمار، بينما تبلغ التعرفة من شتورا وحتى مفرق قب الياس 60 الفا. وهذا ان دل على شيء فيدل على ان عدم الثقة بالدولة ومؤسساتها يزيد، من استباحة الحرمات العامة واستلاب المواطنين، وهذا كله يحصل والدولة تعلم، لكنها تتغاضى عن المخالفين ولا تحرك ساكنا او تحاسب مخالفا واحدا للقانون ليرتدع العصاة.
ندى عبد الرزاق – الديار
Follow Us: