لم تكد تمضي ساعات على اغتيال الإسرائيليين نائب رئيس المكتب السّياسي في حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، في الضاحية الجنوبية من العاصمة اللبنانية بيروت في 2 كانون الثاني الجاري، حتى دعت دول عدّة، عربية وأجنبية، رعاياها إلى مغادرة لبنان بسرعة (مثل ألمانيا، كندا، بريطانيا، اليونان، الدانمارك، السّويد والكويت) خوفاً من المخاطر التي باتت تهدّد هذا البلد، خصوصاً بعدما توعّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في اليوم الثاني الذي أعقب الإغتيال، بالردّ والإنتقام والإقتصاص من المعتدين.
قبل ذلك كان عدد كبير من السيّاح والمغتربين قد بكّروا بالعودة من حيث أتوا بعدما أمضوا عطلة عيدي الميلاد ورأس السّنة في لبنان، ما أعطى إنطباعاً أنّ فورة الأعياد قد خمدت نتائجها سريعاً، سياحياً وإقتصادياً، وأنّ التعويل على موسم الأعياد لانتشال البلد من أزماته التي يغرق بها، خصوصا قطاع السّياحة والفنادق والمطاعم والخدمات على اختلافها، ليست سوى أحلام سرعان ما تبخّرت في بلد يقع على حافة، أو في قلب، حروب وزلازل وبراكين المنطقة.
فهذه الدعوات لمغادرة لبنان، كما اغتيال العاروري، جاءت بعد مرور قرابة 90 يوماً على عملية “طوفان الأقصى” التي قامت بها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة في 7 تشرين الأوّل الماضي، في إثر إستفزازات واعتدءات إسرائيلية متكرّرة على المسجد الأقصى والمناطق المحتلة.
وقد أثارت هذه الدعوات مخاوف وقلق كثيرين، من لبنانيين وغيرهم، وفي الداخل والخارج، من أن تكون مقدمة لقيام العدو الإسرئيلي بعدوان عسكري واسع ضد لبنان، في مسعى منه لكي يُعوّض خيباته العسكرية في قطاع غزّة، إنطلاقاً من أنّ هذه الدول، ربما، تملك معلومات مخابراتية ليست متوافرة لدى أغلب اللبنانيين عن نوايا إسرائيل العدوانية تجاه لبنان.
لكنّ بعضاً آخر ذهب إلى الإعتقاد أنّ هذه الدعوات ليست سوى تحذيرية، وهي باتت روتينية بعد كلّ توتر في المنطقة أو اعتداء إسرائيلي على لبنان، مستشهدين بما قامت هذه الدول وسواها من توجيه دعوات إلى رعاياها لمغادرة لبنان على جناح السرعة، في إثر عملية “طوفان الأقصى”، ونصح من اضطر للبقاء فيه إلى تجنب زيارة مناطق معينة، خصوصاً في الجنوب.
ما سبق يدعو إلى التساؤل أيّ الإحتمالين أرجح: شنّ العدو الإسرائيلي عدواناً واسعاً على لبنان؛ أم بقاء الوضع على ما هو عليه منذ 3 أشهر من الإلتزام بقواعد الإشتباك في الجنوب قبل أن يخرقها الإسرائيليون باغتيالهم العاروري؟
لا أجوبة واضحة على ذلك، ووحدها الأيّام المقبلة تحمل إجابات شافية عليها، في بلد إعتاد من نشأته قبل ما يزيد على قرن من الزمن أن يتعايش مُكرهاً مع الإضطرابات والحروب، وأن يتلازم ذلك مع انقسام داخلي يزيد من وضعه صعوبة وبؤساً.
عبدالكافي الصمد
Follow Us: