كتبت صحيفة الجمهورية تقول: الوقائع الحربية تشهد يومياً تصاعداً خطيراً في المواجهات العنيفة بين «حزب الله» والجيش الاسرائيلي، وتكثفت بالأمس بقصف متبادل على طول الحدود الجنوبية، وما يوازيها من عمليات عدوانية اسرائيلية في العمق اللبناني، كان آخرها اغتيال القيادي في حركة «حماس» صالح العاروري وكوادر آخرين في الحركة، الثلثاء الماضي في ضاحية بيروت الجنوبية، ما فتح الميدان على سباق محموم بين الجهود الديبلوماسية الرامية الى احتواء التصعيد، وبين التدحرج المتسارع لكرة النار نحو حرب مفتوحة على شتى الاحتمالات الكارثية. فيما تقدّم لبنان بشكوى رسميّة الى مجلس الامن الدولي ضدّ اسرائيل على خلفية الاعتداء على الضاحية. وطلبت الشكوى «إدانة هذا الاعتداء، والضغط على إسرائيل لوقف التصعيد، واتخاذ كافة التدابير اللازمة لوقف الإعتداءات الإسرائيلية على أراضيه وشعبه، وذلك للحؤول دون تفاقم الصراع وإقحام المنطقة بأسرها في حرب شاملة ومدمّرة سيصعب احتواؤها».
منطقة الحدود الجنوبية، أشبه ما تكون بغليان على حافة الحرب، حفّز الولايات المتحدة الأميركية على المسارعة إلى إيفاد وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن، وقبله الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين الى المنطقة، لقيادة مسعى اميركي لاحتواء التصعيد والحؤول دون انفلات الامور وخروجها على السيطرة.
ولكن على ما تؤشّر الوقائع التي تحيط بالمسعى الاميركي المتجدد، من قِبل الجانب الاسرائيلي، فإنّ مهمّة «احتواء التصعيد» محفوفة بالفشل المسبق، وقد بدا ذلك جلياً في أنّ المستويات السياسية في اسرائيل استبقت وصول الموفدين الاميركيين برفع وتيرة تهديداتها تجاه لبنان والترويج لضعف احتمالات الحل السياسي للوضع القائم على الحدود. وهو ما عاد وأبلغه وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت الى هوكشتاين، بأنّ فرص تخفيف التوتر مع لبنان ديبلوماسياً ضئيلة، مشدّداً على أنّ تل أبيب مصمّمة على تغيير الواقع الأمني في شمال إسرائيل وعلى طول الحدود مع لبنان». وكذلك فعل عضو مجلس الحرب الاسرائيلي بيني غينتس، الذي قال إنّ مسؤولية اسرائيل هي تمكين سكان الشمال من العودة الى منازلهم. معرباً عن الاستعداد للعمل مع واشنطن للتوصل الى حل، وإذا لم ننجح سيعمل جيشنا على إزالة التهديد».
هل سيزور بيروت؟
جهود احتواء التصعيد يفترض أن تُبذل في الميدانين اللبناني والاسرائيلي، ولكن اللافت انّ بيروت غير مدرجة في برنامج زيارة بلينكن، فيما تضاربت معلومات غير مؤكّدة تفيد بأنّ الوسيط الاميركي غادر اسرائيل وعاد الى واشنطن، بمعلومات مناقضة لها ترجّح احتمال أن يقوم هوكشتاين بزيارة الى بيروت خلال هذا الاسبوع. الاّ أنّ مصادر واسعة الاطلاع أكّدت لـ«الجمهورية» أن لا مواعيد محدّدة للوسيط الاميركي حتى الآن، وزيارته الى لبنان ربما تكون مرهونه بتلقيه تجاوباً مع مسعاه في إسرائيل. مع الاشارة هنا الى أنّ مسؤولاً اميركياً اشار الى انّ هوكشتاين التقى الاربعاء الماضي، وقبل توجّهه الى اسرائيل، وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال عبدالله بوحبيب.
على أنّ المهم في نظر المسؤولين اللبنانيين، ليس زيارة هوكشتاين بحدّ ذاتها، بل ما سيحمله معه هو او غيره من الموفدين. وعلى ما تؤكّد مصادر موثوقة لـ«الجمهورية»، فإنّ بعض هؤلاء المسؤولين، تلقّوا تأكيدات من ديبلوماسيّين غربيين بأنّ المسعى الاميركي غاية في الجدّية هذه المرّة، ومندرج تحت موقف صارم لإدارة الرئيس جو بايدن بمنع الحرب على جبهة لبنان ودفع الاطراف المعنية إلى حلّ سياسي يوقف النزاع القائم».
الحل السياسي… شائك
ولكن اللافت في موازاة تلك التأكيدات، هو أنّ الديبلوماسية الغربية التي تواكب مسعى احتواء التصعيد، تعترف بوجود صعوبات كبرى في طريقه. ويؤكّد ذلك سفير اوروبي (تمنّى عدم ذكر اسمه) بقوله لـ«الجمهورية»: «أبلغنا الجانبين اللبناني والاسرائيلي بمخاطر الحرب، ولكن الوقائع العسكرية التي تتسارع وتيرتها بشكل خطير في منطقة الحدود بين الجانبين، باتت ترجّح احتمال الحرب والمواجهة الواسعة، وهنا تبرز الحاجة الملحّة الى حلّ سياسي يشكّل مصلحة لكلّ الاطراف، يقوم على ترتيبات من جوهر القرار 1701، ولكن التصعيد القائم يحول دون بلوغ هذه الغاية، يجب أن نعترف أنّ الحل السياسي يعطّل احتمالات الحرب ولكن بلوغه أمر شائك ومعقّد».
مخاوف… وتحذير قطري
وفيما اعلنت المانيا انّها تراقب الوضع في جنوب لبنان، وتتخوف من أنّ «خطر التصعيد حقيقي للغاية للأسف»، على حدّ ما اعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الالمانية عشية جولة لوزيرة الخارجية أنالينا بيربوك في المنطقة بدءًا من يوم غد الاحد، وتشمل اسرائيل ومصر ولبنان، يتزايد الدفع الخارجي في اتجاه «الحل الديبلوماسي»، وهو ما اكّدت عليه فرنسا لتجنيب المنطقة خطر الانزلاق الى حرب واسعة. وضمن هذا السياق تندرج زيارة مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الى بيروت، حيث اعلن بيان للاتحاد أنّه «سيناقش مع المسؤولين اللبنانيين الوضع في جنوب لبنان وأهمية تجنّب التصعيد الإقليمي»، وكذلك زيارة منتظرة مطلع الاسبوع لوكيل الامين العام للامم المتحدة لإدارة عمليات حفظ السلام جان بيار لاكروا.
الى ذلك، حذّر رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، في اتصال هاتفي برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من «خطورة المحاولات الرامية إلى جرّ لبنان إلى حرب إقليمية»، مشدّداً على «أنّ اتساع رقعة العنف ودائرة النزاع في المنطقة، ستكون لها عواقب وخيمة في حال تمدّدها، لا سيما على لبنان ودول الجوار»، مؤكّداً في هذا الصدد على «ضرورة تحرّك المجتمع الدولي فوراً لوقف الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي».
اسرائيل مصدر التصعيد
وفي موازاة مساعى التهدئة، تُثار في الداخل اللبناني اسئلة حول كيفية عبور تلك المساعي حقل الالغام الماثل في طريق الحلّ السياسي، الذي من شأنه أن يحتوي التصعيد، في الوقت الذي تصعّد فيه اسرائيل من عملياتها العدوانية على القرى والبلدات الجنوبية، ويقابل ذلك تصعيد مماثل من قبل «حزب الله» ضدّ المواقع العسكرية والمستوطنات الاسرائيلية، مع الاشارة هنا الى أنّ «حزب الله» وبرغم أنّ موقفه معروف سلفاً من الطرح الاسرائيلي بإبعاده عن الحدود، تجاهل هذا الطرح ولم يقاربه بأي موقف بشكل محدّد ومباشر حتى الآن، وسبق له أن أبلغ الموفدين رفضه القاطع لمناقشة أيّ أمر، سواء ترتيبات أو غير ترتيبات مرتبطة بمنطقة عمل القرار 1701، قبل أن توقف اسرائيل عدوانها على غزة ولبنان. وأعاد الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله التأكيد على ذلك امس بقوله «انّ أي تفاوض في ما يخصّ الحدود اللبنانية لن يتمّ إلّا بعد انتهاء العدوان على غزة».
الى ذلك، ورداً على سؤال عمّا اذا كان هوكشتاين سيأتي الى بيروت أو لن يأتي، أبلغت مصادر رسمية الى «الجمهورية» قولها: «شغله الأساسي هناك في اسرائيل وليس هنا في لبنان، والعالم كله يعرف أنّ لبنان ليس مصدر التصعيد بل مصدره اسرائيل التي تسعى إلى جرّ لبنان وكل المنطقة الى حرب».
ولكن ماذا لو حضر الى بيروت؟ تجيب المصادر: «لا نريد أن نستبق الأمور ونبني على المسعى الأميركي قبل الوقوف على مضمونه وكيفية ما يسمّونه احتواء التصعيد، وبمعزل عن كل ذلك، فإنّ موقف لبنان واضح ولا لبس فيه واكّدنا عليه مراراً ومتمسكون به لناحية الالتزام الكامل بمندرجات القرار 1701. وتبعاً لذلك فإنّ احتواء التصعيد شرطه الأساس هو دفع اسرائيل إلى تطبيق هذا القرار، وإلزامها بعدم خرقه، ولا شيء أكثر من ذلك».
لا حل يمسّ بالسيادة
وفي موازاة مساعي احتواء التصعيد، أبلغ مرجع مسؤول الى «الجمهورية» قوله : «إنّ لبنان لا يمكن أن يقبل بأي حلّ على حسابه او يمسّ بسيادته».
ولفت المرجع إلى «أن الحل المقبول، هو أن تطبّق اسرائيل القرار 1701، وتنسحب من مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والجزء الشمالي من بلدة الغجر، ونقطة الـ«b1»، والنقاط العالقة على الخط الازرق، وتمتنع عن خرق السيادة اللبنانية براً وبحراً وجواً؟ اما اذا كانوا سيأتون إلينا بطروحات تلبّي ما تريده اسرائيل حول فرض ترتيبات معينة عبر إقامة منطقة عازلة خالية من الحياة في الجانب اللبناني، أو إبعاد «حزب الله» سواءً بضعة كيلومترات عن الحدود او الى شمال الليطاني، بذريعة توفّر الأمن للمستوطنات الاسرائيلية، فهذا معناه إعطاء اسرائيل ما لم تتمكّن من أن تأخذه في الحرب، وهو أمر لا يمكن القبول به على الاطلاق، وبالتالي فإنّ الإصرار على مثل هذه الطروحات المستحيلة التطبيق، يشكّل الوصفة الملائمة لانزلاق الأمور إلى تصعيد مواجهات كبرى لا يضمن أحد ألّا تتمدّد الى حرب أقسى وأوسع على امتداد المنطقة».
ورداً على سؤال قال المرجع عينه: «لن ينسحب أبناء الجنوب من أرضهم ولو من شبر واحد منها. والشهداء يسقطون دفاعاً عنها. فما يسري على الجانب اللبناني من الحدود يسري على الجانب الآخر من الحدود، واذا كانت اسرائيل تتذرّع بأنّ لديها مهجرين من المستوطنات وتريد اعادتهم اليها، فلدى لبنان عشرات الآلاف من أبناء المناطق الحدودية هم مهجرون من قراهم وسيعودون اليها وليس الى ايّ مكان آخر».
تبدّلت الأولويات
وإذا كانت التطورات الاخيرة، وآخرها استهداف اسرائيل للضاحية الجنوبية واغتيال القيادي في «حماس» صالح العاروري وعدد من كوادر الحركة، قد اشاعت توترات ومخاوف من سيناريوهات دراماتيكية، وكان لقيادة «اليونيفيل» العاملة في الجنوب موقف لافت حيالها، حيث اعتبرت ما حصل في الضاحية «عملاً غايةً في الخطورة، يبعث على القلق الشديد»، فإنّ هذه التطورات فرضت بالتوازي مع ذلك، تبدّلاً في الاولويات الداخلية، بحيث حلّت هذه التطورات في صدارة المتابعات ومواكبة ما قد يستتبعها من ارتدادات وتداعيات، فيما سائر الملفات الداخلية، وفي مقدمها الملف الرئاسي قد وضعت على رفّ التأجيل مؤقتاً، وبحسب معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، فإنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كان بصدد اطلاق تحرّك رئاسي بداية السنة الجديدة حول موضوع رئاسة الجمهورية، قد أوقف محركاته حالياً، وتفرّغ لمواكبة تطوّرات التصعيد الاسرائيلي على الحدود الجنوبية، وتهديدات العدو بالحرب، وتداعيات العدوان الخطير الذي تجلّى في اغتيال العدو للشيخ صالح العاروري في الضاحية الجنوبية.
نصرالله: الردّ أتٍ
الى ذلك، وفي كلمة له في تأبين قيادي في «حزب الله»، أكّد السيد حسن نصرالله «انّ الرّد على اغتيال الشيخ صالح العاروري في الضاحية آتٍ لا محال». وقال: «اذا سكتنا على ذلك، فسيُصبح لبنان مكشوفاً. وعندما يكون الاستهداف في لبنان والضاحية الجنوبية نحن لا يمكن ان نسلّم بهذا الخرق وقطعاً لن يكون استهداف الشيخ العاروري بلا ردّ، والقرار الآن هو في يد الميدان وهو الذي سيردّ على هذا الاستهداف».
واكّد نصرالله أنّ «المعركة القائمة عند الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة هي فرصة حقيقية لتحقيق التحرير الكامل لأراضينا اللبنانية المحتلة من قبل العدو الإسرائيليّ، ومنعه من استباحة حدود وأجواء لبنان».
وشدّد على أنّ ما يحصل على الجبهة الجنوبية هو إذلال لجيش العدو، مشيراً الى أنّ «حزب الله» لم يستهدف ساكني المستعمرات الإسرائيلية رغم أنّهم محتلّون، ومعتبراً أنّ «المهجّرين منها ويصل عددهم الى 300 الف، يشكّلون ضغطاً على حكومة الاحتلال»، وقال: «بعض اللبنانيين أما جهلة أو يتجاهلون، لأنّ منذ عام 1948، إسرائيل هي التي تعتدي على البيوت والمدنيين والجيش وترتكب المجازر. وأقول للمُستعمرين وللمُستوطنين الذين يصرخون كلّ يوم ويخافون ويطالبون حكومتهم بالحزم العسكري مع لبنان، هذا خيار خاطئ لكم ولحكومتكم. وأوّل من سيدفع الثمن هو أنتم في سناعنرات ومستوطنات الشمال، والحل بأن يتوجّه مستوطنو شمال فلسطين الى حكومتهم ومطالبتها بوقف العدوان على غزة».
ورأى نصرالله انّ الادارة الاميركية قلقة من توسيع دائرة الحرب في المنطقة لأنّ لا مصلحة لها في ذلك. وقال: «الولايات المتحدة لا تريد توسيع الحرب لأنّها مشغولة في اولويات اخرى، والادارة الاميركية تواجه مأزقاً كبيراً في اوكرانيا، ويبدو انّها تتهيأ لهزيمة استراتيجية أمام روسيا».
تقييم إسرائيلي
الى ذلك، نشرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيليّة تقريراً أمس، اشارت فيه الى أنَّ نصرالله يعرفُ بالفعل كيف سينتهي الصراع القائم حالياً في جنوب لبنان. فهو سعى إلى تقديم قائمة من الإنجازات ضدّ إسرائيل خلال الخطابات الأخيرة». فيما افاد تقريرٌ آخر لموقع «inss» الإسرائيليّ، بأنّ خطاب نصرالله الأربعاء الماضي كان مُنضبطاً ويُفهم منه أنّ الأخير غير معنيّ بالحرب في هذه المرحلة».
وقال التقرير: «إنّ نصرالله يرغب في ردع القيادة الإسرائيلية عن الدخول في حرب واسعة النطاق، كما أنّه سعى للقول إنّ «حزب الله» يخدم مصالح لبنان وهو يخوض حرباً محسوبة كي لا يوسع حدود الحملة العسكرية ويدفع ثمناً باهظاً في ظل خسارة الكثير من مقاتليه». وأردف التقرير: «أنّ نصرالله سعى أيضاً للتأثير على الروح المعنوية في إسرائيل، وطرح قائمة طويلة من نقاط ضعفها مثل إنهيار الردع والأضرار بأجهزة الإستخبارات والتفوق الجوي، فضلاً عن عدم القدرة على تحقيق نصر سريع إلى جانب فشل جهود التطبيع».