قال البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي في عظة الأحد، من بكركي، “فيما نصلّي من أجل إحلال السلام في العائلات والمجتمعات والأوطان، نتأمّل في مفهومه على ضوء موضوع رسالة قداسة البابا فرنسيس: “الذكاء الإصطناعيّ والسلام”. المقصود من هذا الموضوع كما من سواه في الرسائل البابويّة، هو الحاجة الملحّة إلى بناء حضارة المحبّة والسلام. ولهذا يفتتح قداسة البابا فرنسيس رسالته بالتأكيد على الكرامة السامية التي يمنحها الله للإنسان لكي يشارك في إدارة الكون ويُجري تحويلات في العالم بفضل تقدّم العلوم والتقنيّات. وتحدّد الرسالة التحديات التي تطلقها التقنيّات الجديدة من أجل بناء عالم أكثر عدالة وأكثر أخوّة.
واضاف الراعي “يرى البابا فرنسيس في الذكاء الإصطناعيّ “علامة الأزمنة” التي تعني واقعًا بشريًّا جديدًا، يولد من كلّ ما هو حاصلٌ حولنا، وتعمل الكنيسة على تفسيره في ضوء الإنجيل، وترى فيه علامات مجيء ملكوت الله في مسيرة التاريخ.
ولكن هذا القول يقتضي قراءة معمّقة من أجل إيضاح ثلاثة أمور:
أ- التأكّد من أن الذكاء الإصطناعي هو بالحقيقة في خدمة الخير العام.
ب- إنّه يحمي قيمة الشخص البشريّ، التي لا بديل عنها.
ج- إنّه يعزّز حقوقنا الأساسيّة.
يقدّر البابا فرنسيس المساهمة التي يقدّمها للبشريّة التقدّم العلميّ والتكنولوجيّ. ذلك أنّ هذه المكتسبات تقدّم خدمة ثمينة للأشخاص وكرامتهم وحقوقهم. ولكن إذا كان المقياس التقنوقراطيّ القاعدة الوحيدة التي تحكم الذكاء الإصطناعيّ من أجل الربح والمصالح الفئويّة، فإنّه يشكّل في هذه الحالة أخطارًا جانبيّة أهمّها: عدم المساواة، الظلم، النزاعات. أمّا التحديات التي يولّدها الذكاء الإصطناعيّ لا تنحصر بالمساحات التقنيّة، بل تشمل أيضًا المساحات الأنتروبولوجيّة والتربويّة والإجتماعيّة والسياسيّة”.
وتابع “ثمّة آخطار أشار إليها قداسة البابا، أهمّها ثلاثة:
1) استعمال الذكاء الإصطناعيّ لغايات الحرب، مع تبرئة المسؤوليّة البشريّة عن مسرح الحرب. 2) تهديد العدالة الإجتماعيّة في حقل العمل حيث جاءت الآلة الذكيّة لتحلّ محلّ العامل، وتلغي بالتالي العديد من مجالات العمل، وفي الوقت عينه تسبّب ازديادًا مرتفعًا لعدد الفقراء. 3) على مستوى وسائل التواصل، يقدّم الذكاء الإصطناعيّ وسائل جديدة لتبديل الكلمات وتغيير الصور وتركيبها من أجل إيصال الخبر المختلف. وبذلك يوضع النظام المدني والحكم الديمقراطيّ في خطر”.
وقال الراعي: “المطلوب حيال هذه الأخطار تربية الشبيبة على حسن استعمال الوسائل التقنيّة الجديدة، وعلى تقييم نتائجها. فالتقنيات الجديدة هذه تتطلّب سهرًا ومراقبة في كلّ مراحل تكوينها: من تصميمها إلى التجارة بها، وحتى استعمالها الفعليّ. فمن أجل انتظام الذكاء الإجتماعيّ واستعماله بنوع مسؤول، يجب وضع قواعد فاعلة في داخل كلّ دولة، بالإضافة إلى اتفاقيّات موسّعة ومعاهدات ملزمة بين الدول. والكلّ يهدف إلى حماية حقوق الإنسان الأساسيّة، والحقوق الإجتماعيّة والإعتناء ببيتنا المشترك”.
واكد أن “هذه الرسالة موجّهة إلى رؤساء الدول، والسلطات السياسيّة، وقادة المجتمع المدنيّ، لكي يمارسوا مسؤوليّتهم المشتركة في هذا الظرف التاريخيّ الخاصّ. ويوصي قداسة البابا بعدم ترك مسؤوليّة القرار إلى أصحاب هذه التقنيّات والعاملين على إنمائها. الكلّ مدعوّون إلى الإنتباه وحسن الإختيار، إذا شئنا تسليم الأجيال المستقبليّة عالـمًا أفضل وأكثر سلامًا وتضامنًا وعدالة”.
واضاف “لا تتوقّف الكنيسة عن إدانة الحروب، والدعوة إلى السلام، وحلّ النزاعات بالتفاوض والطرق السياسيّة والديبلوماسيّة. نحن بدورنا ندين الحرب وندعو إلى السلام بالتفاوض في كلّ مناسبة. وكذلك بالنسبة إلى حرب إسرائيل على غزّة، وامتدادها إلى جنوب لبنان عن غير رغبة من أي لبنانيّ، ومن الدول الصديقة، لا سيما وأنّ لبنان مصان من الحرب مع إسرائيل بقوّة قرار مجلس الأمن 1701. فيجب على الجميع التقيّد به، منعًا لإمتدادات الحرب إلى لبنان رغمًا عن إرادة اللبنانيّين المحبّين لوطنهم وللسلام في ربوعه. السلام هو ثمرة العدالة. كيف يمكن الكلام عن السلام الداخلي في لبنان، وقد رأينا في هذه الأيّام أنّ مشروع الموازنة ظالـمًا بحقّ الشعب اللبنانيّ، وفقًا لما سمعنا وقرأنا من داخل المجلس النيابيّ”.
وتساءل الراعي: هل يجوز تحميل المواطنين في مشروع الموازنة الجديدة أكثر مما تحمّلوا من كلفة الإنهيارات الماليّة والإقتصاديّة والإجتماعيّة، من خلال زيادات ضريبيّة ورسوم وغرامات عشوائيّة؟
– كيف يتعامى واضعو مشروع الموازنة عن التهرّب الضريبيّ والجمركيّ الذي يغذّي الإقتصاد غير الشرعيّ في لبنان بمليارات الدولارات؟”، معتبراً ان “هذه التساؤلات تدلّ على الضرر الناتج عن عدم وجود رئيس للجمهوريّة، فبغيابه يسود الفلتان وعلى المكاسب غير المشروعة التي يجنيها معطّلو انتخاب الرئيس، وعلى ازياد فقر المواطنين”.
وطالب الراعي “النواب بالتعاون الوثيق مع لجنة المال والموازنة النيابيّة من أجل تعديل مشروع الموازنة الحكومي والحدّ من أضراره على المواطنين. وهذا واجب وطنيّ، يتيح لمجلس النواب ممارسة المادّة 86 من الدستور، وتجنّب صدور الموازنة على علّاتها بمرسوم وزاريّ”.
وختم قائلاً: “فلنصلِّ إلى الله، أيّها الإخوة والأخوات، كي يوقف الحروب بقدرته اللامتناهية، ويقي لبنان وجنوبه الحدوديّ من شرّها ومخاطرها، ويزرع في القلوب حضارة السلام”.