الجمعة, نوفمبر 22
Banner

إنسداد في أفق المنطقة.. الكل يراوح في مربع الأزمة!

دخلت المنطقة في سباق محموم بين الوصول الى تسوية تجنبها الحرب لمصلحة الحلول الدبلوماسية، أو الذهاب نحو مواجهة كبرى إنطلاقا من التطور الكبير الذي طرأ على المشهد العسكري أمس الأول، بإستهداف أميركا وبريطانيا مدينتيّ صنعاء والحديدة في اليمن بـ 73 غارة على مواقع للحوثيين.

هذا السباق، يضع كل الأطراف في مراوحة ضمن مربع الأزمة، ويدفعها الى أن تبني مواقفها وتكتيكاتها وخططها السياسية والعسكرية إنطلاقا منه، ما يجعل الحلول التي يطالب بها الجميع بعيدة المنال كونها تحتاج الى تنازلات لا يمكن لأي كان أن يحتمل تداعيات تقديمها لأنها ستؤدي حتما الى إنهياره إذا لم يكن الى زواله.

يقول بن غوريون: “إن في إسرائيل مجتمع عسكري وإن أول هزيمة فعلية تتعرض لها ستكون بمثابة بداية النهاية”..

ومنذ نحو ربع قرن وإسرائيل تجر أذيال الخيبة، بدءا من الانسحاب المذل لجيشها من لبنان تحت وطأة ضربات المقاومة في العام 2000، وفشلها الذريع في تحقيق أهداف عدوان تموز وبالتالي إنتصار المقاومة، ومؤخرا إخفاقها في عملية سيف القدس، وصولا الى الهزيمة القاسية والتاريخية في عملية طوفان الأقصى وما تلاها من عجز كامل على مدار مئة يوم عن تحقيق أي من الأهداف التي وضعتها حكومة الاحتلال لجهة القضاء على حركة حماس وتحرير الأسرى الاسرائيليين بالقوة من دون مفاوضات وتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.

لذلك، فإن أميركا التي تدير الحرب على غزة، تستمر في إعطاء إسرائيل المساحات الزمنية الواحدة تلو الأخرى من أجل تحقيق أي إنجاز ميداني تستطيع أن تعتمد عليه في وقف إطلاق النار والانتقال الى المفاوضات، وهي تدرك بأن إنتهاء الحرب في ظل العجز الاسرائيلي سيضع الكيان الصهيوني على طريق الزوال خصوصا في ظل الانقسامات والخلافات التي تنتظر إعلان وقف إطلاق النار لتتفجر في الداخل الاسرائيلي الغاضب على نتنياهو والداعي الى إسقاطه مع جنرالاته ومحاسبتهم على أكبر هزيمة إسرائيلية في تاريخ الكيان الغاصب وعلى الفشل في إستعادة الأسرى وفي إعادة النازحين الى منطقة الشمال الواقعة تحت نيران المقاومة الاسلامية في لبنان.

ولا شك في أن موقف أميركا الداعم لإسرائيل يجعلها شريكة في مربع الأزمة، كونها لم تعد تحتمل ضغط الرأي العام العالمي الغاضب على جرائم الابادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، ولعل ما يجري في محكمة العدل الدولية في “لاهاي” أكبر دليل على تبدل الموقف العالمي من ممارسات الكيان الصهيوني، إضافة الى تعرّض مصالحها في الشرق الأوسط للإستهداف من قواعد عسكرية وغيرها، فضلا عن قيامها بشن هجمات على الحوثيين سيكون لها تداعيات خطيرة في ظل تأكيد الحوثي بأن ذلك لن يثنيه عن نشاطه العسكري في منع حركة الملاحة للسفن المرتبطة بإسرائيل وبأن ما أقدمت عليه أميركا وبريطانيا لن يمر من رد وعقاب.

والأمر نفسه ينطبق على المقاومة الفلسطينية التي لم يعد لديها ما تخسره بعد تقديم مئة ألف بين شهيد وجريح ومفقود وتدمير أفقي لغزة، وبالتالي فإن أي حديث عن تنازلات أو قبول بتسويات سيؤدي الى ضرب صورة المقاومة وإفقادها حضورها وهو أمر لا يمكن لحماس أن تحتمل تداعياته الكارثية، لذلك فإنها ما تزال تقاتل تحت سقف الشروط التي وضعتها.

وكذلك الأمر في لبنان الذي لا يريد الحرب، لكنه مضطر للرد على الاعتداءات الاسرائيلية لتحقيق توازن الرعب وقوة الردع، فيما الانقسام السياسي واضح حول المقاومة التي تقوم بواجبها في التصدي وفي منع تمدد الحرب في آن واحد، بالرغم من الاستفزازات الاسرائيلية التي تحاول توسيع الهجمات لاستدراج لبنان الى حرب يريدها نتنياهو لإطالة عمره السياسي وتخشاها أميركا التي تدرك إمكانات وقدرات المقاومة، كما أنها تعلم جيدا مدى إصرار الحوثيين في اليمن على البقاء الى جانب غزة، وتحمّل في الوقت نفسه إيران مسؤولية ما يحصل في كامل المنطقة.

في ظل التدرج المنطقي للأحداث، وإنسداد أفق الحلول، وتوسع الحرب بإتجاه اليمن، تبدو المواجهة الكبرى هي الأقرب الى الواقع تمهيدا لفرض التسويات، إلا إذا نجحت الوساطات الجارية على قدم وساق في إيجاد صيغة تحافظ على ماء وجه الجميع وتجنب المنطقة حربا ليست في مصلحة أحد، وهذا ما يزال مستبعدا، فمن يسبق الحرب أم الحل؟!..

غسان ريفي – سفير الشمال

Leave A Reply