الجمعة, نوفمبر 22
Banner

رغم “تنظيف” الموازنة: أرقام غير دقيقة وأسعار صرف متعدّدة

مع اقتراب المهلة الدستورية المحددة لإقرار الموازنة العامة من نهايتها آخر الشهر الحالي، وعلى الرغم من محاولات لجنة المال والموازنة تنقية الموازنة من الفجوات والشوائب والخلل في إعدادها، تبقى الموازنة في عداد المستند العشوائي، لا أرقام دقيقة ولا أسس واضحة.

ومن بديهيات إعداد الموازنة العامة أن تتضمن أرقاماً مبنيّة على سعر صرف موحّد للعملة، وهو ما لم تحرص عليه وزارة المال في إعداد موازنة العام 2024. بالإضافة إلى رمي أرقام وفرض زيادات عشوائية غير مبنية على أسس واضحة.

وفي حين ورد في مشروع الموازنة العامة إجازة لأصحاب الحسابات الدولارية المحتجزة في المصارف لسداد الضرائب والرسوم من حساباتهم وفق سعر صرف يوازي 40 في المئة من سعر دولار صيرفة، في وقت حدّدت فيه سعر صرف مختلف لأبواب أخرى من الموازنة، وسعر منصة صيرفة لأبواب مختلفة، كانت وزارة المال قد طلبت من الإدارات والمؤسسات العامة احتساب أكلافها ونفقاتها على أساس سعر صرف 85 ألف ليرة.

من هنا السؤال، كيف سيتم إقرار موازنة 2024 وعلى أي سعر صرف؟ وما هي الشوائب المعرقلة لإقرارها؟

سعر الصرف في الموازنة

تم إعداد مشروع قانون موازنة 2024 بطريقة متسرّعة، غير دقيقة ولا تراعي الشفافية. فالأرقام الموجودة بالمشروع غير دقيقة. كما أن المشروع برمّته يضمر استخفافاً لا يوصف بوضع الأرقام في الموازنة. هناك عدم جدية بالتعاطي مع الموازنة. إذ يتم التعاطي مع الأرقام كورقة محاسبية وليس موازنة، على ما تقول عضو لجنة المال والموازنة النائبة غادة أيوب.

وقد شمل مشروع موازنة 2024 الكثير من الشوائب والتجاوزات والأرقام غير الدقيقة، إلا أن أكثرها نفوراً مسألة عدم توحيد أسعار الصرف، وعدم توحيد المعايير التي وضعت على أساسها الرسوم والضرائب. وتقول أيوب في حديثها إلى “المدن”، إن مسألة أزمة توحيد المعايير لا تقتصر على أسعار الصرف، لكنها تنسحب أيضاً على الرسوم والضرائب التي تضاعفت عدة مرات بشكل غير مفهوم.

هناك رسوم تضاعفت 10 مرات وغيرها تضاعف 30 مرة. من هنا، طالبت لجنة المال بتوحيد المعايير لتفهم على أي أساس تمت زيادة الرسوم. هل بالاستناد إلى حجم التضخم أم إلى زيادة سعر الصرف الرسمي، الذي ارتفع من 1500 إلى 15 ألف ليرة؟ أم إلى ماذا تحديداً؟ وعند توحيد المعيار الذي على أساسه تمت زيادة الرسوم، يجب توحيد زياداتها بناء على المعيار نفسه.

وإذ أوضحت أيوب أن لجنة المال طالبت وزارة المال بتوضيحات بشأن سعر الصرف الموحد، والمعمول به في الموازنة، وبشأن معايير زيادة الرسوم، أكدت أن اللجنة مستمهلة عدة أيام بانتظار توضيحات من الوزارة، وأجوبة على العجز الفعلي بعد إلغاء الضرائب المستحدثة الجديدة.

موازنة غير شفافة

ولا تقتصر تجاوزات الموازنة على تعدد أسعار الصرف المعتمدة فيها، وغياب المعايير المعتمدة في رفع الرسوم والضرائب، وحتى على سلفات الخزينة من خارج الموازنة، وغير ذلك.. بل تتعداها إلى تجاوزات تفضح استخفافاً واضحاً في إعداد الموازنة. وحسب أيوب، فقد تبيّن في الموازنة أن حجم الإيرادات الجمركية (TVA ورسوم جمركية) بلغت لغاية شهر تشرين الأول نحو ملياري دولار، ومن المتوقع أن تبلغ حتى نهاية 2023 نحو مليارين و200 مليون دولار. وهذا يعني أن الإيرادات المتوقعة للعام 2024 متوفرة. وهو ما يطرح سؤالاً “لماذا يتم استحداث ضرائب ورسوم جديدة لتأمين المزيد من الإيرادات؟”. من هنا نستنتج أن حجم الإنفاق المتوقع غير دقيق، والحجم الحقيقي أكبر بكثير من الرقم المذكور في الموازنة، تقول أيوب.

ممارسات فضائحية

أما الفضيحة في المشروع، فترتبط بحجم الاحتياطي البالغة قيمته 87 ألف مليار ليرة. وهو رقم كبير جداً. وبعد التدقيق به، تبيّن أن حجم الاحتياطي -وهو عبارة عن الاعتمادات المرصودة لتدارك أي طارئ- يشمل الرواتب الأربعة المخصصة لموظفي القطاع العام، والتي تضاف إلى رواتبهم الثلاثة. فالموظفون يتقاضون 7 رواتب، منها أربعة أودعت في احتياطي الموازنة من دون أي تبرير، على أساس أن يتم نقلها حين الحاجة إلى الموظفين. وحسب أيوب، فهذا أمر غير مبرّر وغير شفاف. فكيف يمكن شمول احتياطي الموازنة رواتب الموظفين التي هي مساعدات اجتماعية مستحقة.

لا تنتهي المخالفات المرتبطة بمشروع موازنة 2024. فهناك أيضاً مسألة بند الكهرباء في كل الوزارات. وهو بند غير دقيق. إذ تبيّن أن وزارة المال وزّعت حجم الإنفاق الإجمالي على الكهرباء على كامل الوزارات بشكل عشوائي بذريعة ضيق الوقت.

ولا ننسى عدم وجود قطع حساب للسنوات السابقة. وهنا لا بد من الإشارة إلى رد ديوان المحاسبة، الذي يبيّن أن وزارة المال تقاعست ولم ترسل قطع الحسابات. وفي رد الديوان ما حرفيته “بالرغم من انقضاء المهل القانونية، وبالرغم من توجيه مذكرات عديدة وعقد جلسات عديدة مع ممثلي الإدارة (المالية)، فإن قطوعات حساب الأعوام 2020 و2021 و2022 لم ترد إلى الديوان حتى تاريخه”.

باختصار، مهما نظفت لجنة المال من شوائب الموازنة، ومهما عدّلت وأصلحت، فإن أرقامها لن تعكس الواقع، وحجم العجز الفعلي الذي يقارب 17 ألف مليار ليرة غير دقيق. وأرقام الإنفاق غير دقيقة، على ما تؤكد أيوب. ومن المفترض أن تصدر الموازنة قبل نهاية شهر كانون الثاني الحالي. وفي حال تقاعست المالية عن الإجابة على تساؤلات اللجنة، فإن الأخيرة لديها الحق في رفع تقريرها وتضمينه كل الأمور العالقة، والتي تلكأت الوزارة بالإجابة عليها، ليتم رفعه إلى الهيئة العامة. وحينها توضع الأمور في نصابها.

بالمحصلة، لا يمكن إصدار الموازنة بمرسوم حكومي.

عزة الحاج حسن – المدن

Leave A Reply