منذ أكثر من ثلاثة أشهر والوضع على حاله، صحيح أن مخاوف اندلاع حرب كبيرة على لبنان، خفت، لكنها لم تنتفِ.
لسنا بخير على كل المستويات والعناية الالهية تحضر في معظم الأحداث التي نمر بها، وكل الملفات تراجعت الى ما وراء الجبهة الجنوبية التي أصبحت الشغل الشاغل، وتربط بها كل خطوة تتخذ اما على صعيد الدولة أو حتى الأفراد.
هو ليس سباقاً بين الحسم العسكري والحراك الديبلوماسي، فلا الأول استطاع قلب الموازين وتحقيق نصر للعدو الذي يمسك بقرار وقف العمليات، ولا الثاني تمكن حتى الآن من تحقيق خرق يؤسس لحل، وبالتالي غرقت المنطقة في مستنقع مفتوح الجبهات، ميدانه مشتعل والاستنزاف سمة المشهد.
باتت غالبية المعطيات تتحدث عن تسوية شاملة على حساب الحرب الشاملة، وهذا الأمر يعززه التحرك الأميركي في المنطقة الذي يسير على نبض الانتخابات الرئاسية الأميركية، لكن العارفين بتطور الأحداث يجزمون بأن التوقيت لم يحن بعد، وطالما أن أياً من الأطراف المتنازعة لم يصرخ بعد، ولا قرار بتوسيع الجبهات، ستترك الأمور الى الترتيبات والمفاوضات التي يقوم بها الفريق الديبلوماسي الأميركي ومعه بعض الدول العربية وفي مقدمها السلطنة العمانية التي تلعب دوراً خفياً.
ما يهم اللبنانيين هو التأكد من أن الحرب لن تحصل وينظرون بقلق الى الحدود اللبنانية.
“لا أحد يريد توسيع الحرب” جملة نسمعها كل يوم، وبعكس الوفود الأوروبية التي تحمل الى لبنان سقوف تهديد عالية يسير الأميركي بواقعية أكثر من موقع الممسك بالملف، فالكلام الذي سمع من الموفد الأميركي آموس هوكشتاين لم يكن لا تهديداً ولا وعيداً ولا تحذيراً من أن لبنان سيدمر على رؤوسنا اذا استمر “حزب الله” بعملياته في الجنوب، لأنه عارف “البير وغطاه”، لذلك أطلق سريعاً عملية التفاوض على الحل بعد نيله موافقة “حزب الله” على المفاوضات والكل يعلم أن لا شيء سيحصل قبل انتهاء الحرب على غزة.
وفي الوقائع التي حصل عليها “لبنان الكبير” من مصادر الحلقة الضيقة لهذه العملية، فإن هوكشتاين طلب من نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب ملاقاته في روما قبل أن يتوجه الى اسرائيل، فكان جواب بو صعب له: لا لزوم للقاء اذا لم يكن لديك جواب من اسرائيل في موضوع وقف اطلاق النار في غزة. غادر هوكشتاين الى اسرائيل وعندما أنهى لقاءاته فيها اتصل مجدداً ببو صعب وطلب منه أن يلتقيه في روما، قائلاً: “أنهيت زيارتي الى تل أبيب وهناك ضرورة لأن نلتقي”. فنقل بو صعب الى رئيس مجلس النواب نبيه بري و”حزب الله” ما طلبه هوكشتاين قبل أن يغادر الى روما لملاقاته.
لا شيء اسمه حل مؤقت، تقول المصادر، انما steps ومراحل للحل، وبدل أن يخطو خطوة كبيرة باتجاه الحل اقترح خطوات صغيرة توصل الى الحل نفسه(tremplin) ، وضع أكثر من محطة في طريق الوصول، وبرأيه يجب أن يتم اجتيازها تباعاً للوصول الى المحطة النهائية .
هوكشتاين حمل هذه الأفكار الجدية الى الرئيس بري فكان جوابه: لنذهب مباشرة الى المحطة الأخيرة وهي تطبيق الـ١٧٠١. هوكشتاين لم يعطِ ضمانات بأن تلتزم اسرائيل بتطبيق القرار الدولي، وعليه تم الاتفاق على البحث عن أفكار “ذكية” تساعد هذا الوصول وتؤمنه. ولم يتحدث هوكشتاين أبداً عن انسحاب “حزب الله” الى ما وراء الليطاني انما عن منطقة خالية من السلاح والصواريخ والقواعد العسكرية بعمق ٦ الى ٧ كيلومترات لطمأنة سكان الشمال (ما وراء حدود جمعية “أخضر بلا حدود” التي يعتقد العدو أنها تحوي قواعد عسكرية كبيرة لـ “حزب الله”) وهو أيضاً مدى صواريخ الكورنيت التي تقصف المستوطنات وهكذا يمكن طمأنة سكانها. فكان الجواب: ان الحزب يملك صواريخ أبعد ويمكنه قصف اسرائيل من بيروت اذا أراد. وقيل له أيضاً ان كل هذه التفاصيل لن توضع بصورة جدية على طاولة التقاش طالما القصف على غزة مستمر، وقبل أن تقولوا لنا ماذا سيحصل في غزة لن نسلم الأجوبة. وبدا لافتاً أن الموفد الأميركي فصل بين الحزب كعناصر هم أبناء الجنوب والبيئة وسلاح الحزب.
اما الكلام الذي صدر عن رئيس الحكومة وفريقه ووزير الخارجية حول خط هدنة الـ ١٩٤٩ومزارع شبعا، فلا أساس له تقول المصادر، فما نبحث فيه هو النقاط المختلف عليها، واذا وصلنا الى اتفاق حولها يسقط حكماً الـgreen line لأن ما بعد الهدنة دارت ٦ حروب مع اسرائيل، وحينها لم يكن هناك شيء اسمه مزارع شبعا ولم تكن ضمن خط الهدنة (لم تكن محتلة ولم يكن هناك خلاف عليها مع سوريا) فكيف نريد العودة الى هذا الخط؟ تسأل المصادر، مضيفة: “ان مفاوضات من هذا النوع يجب أن يحكمها الصدق وخصوصاً مع الأميركيين الذين يفتحون أكثر من خط”. وهنا تغمز المصادر من قناة الثقة التي يبديها الأميركيون للكلام مع الرئيس بري والتفاوض معه، لتؤكد أن كل ما يحصل خارج عين التينة لا يعدو الشكليات، “والشغل كلو تحت”، وهذا يفسر مدة اللقاء الذي حصل في عين التينة وتجاوز الساعة، والأهم أن هوكشتاين لم يخرج ملفه الا في اللقاء مع الرئيس بري.
وتعود المصادر الى الحديث عن الخطوط فتقول: “الخطوط تصبح نتيجة، والنتيجة تصبح ترسيم حدود، هدنة، هدوء، ولا زلنا في مرحلة البحث عن مكان ما في مسار الحل الذي يمكن له أن يوصلنا الى تحقيق هذه النتيجة، ومفتاح كل هذه الأمور وتنفيذها هو وقف اطلاق النار في غزة”.
مصادر مقربة من “حزب الله” أكدت لموقع “لبنان الكبير” أن الحزب لديه الثقة التامة بما يقوم به الرئيس بري. وأضافت: “كل التهديدات التي أطلقها (بنيامين) نتنياهو ووزير الحرب والمسؤولون الاسرائيليون لم تنفع، والرسائل التحذيرية التي نقلها الوسطاء الذين حضروا الى لبنان من تهديد اسرائيل وجنون نتنياهو تم الرد عليها بموقف واحد: مارسوا دوركم في الضغط على اسرائيل لوقف عدوانها على غزة وتطبيق القرار ١٧٠١ في الجنوب”.
وشددت المصادر على أن “حزب الله” منفتح على النقاش بعد العدوان على كل ما يضمن الحصول على أرضه ومياهه، ويبدي الدعم الكامل لهذا التفاوض غير المباشر وتحويل التهديد الى فرصة كي يستعيد لبنان حقوقه في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ونقطة الـb1 في الماري واستكمال حل النقاط الـ١٣ المتنازع عليها.
وينتظر أن يعقد “لقاء المتابعة” بين بو صعب وهوكشتاين قريباً لبلورة هذه الأفكار قبل أن يعود الموفد الأميركي مجدداً الى لبنان، والمعلومات تؤكد أن وتيرة التفاوض ستوضع على نار حامية بدءاً من الشهر المقبل.
ليندا مشلب – لبنان الكبير
Follow Us: