يأخذ التصعيد العسكري مداه في المنطقة، من غزة الى جنوب لبنان فاليمن والعراق وسوريا وإيران وباكستان، ما يشير الى إمكانية أن تتفلت آلة الحرب من عقالها، وتتدحرج الأمور الى ما لا يُحمد عقباه على الصعيد الأقليمي.
لا شك في أن الجهد السياسي الذي يبذله الرئيس نجيب ميقاتي من لبنان الى دافوس للضغط من أجل وقف التصعيد الاسرائيلي على لبنان، والموقف اللبناني الرسمي المنسجم مع موقف المقاومة، فضلا عن الاتصالات التي يجريها الرئيس نبيه بري كلها تصب في تجنيب البلاد كأس الحرب التي لا تريدها أميركا وكذلك المجتمع الدولي، لكن في الوقت نفسه يرى فيها الاسرائيلي إمكانية لحفظ ماء الوجه وتحقيق إنجاز ولو كان وهميا، بعد تراكم فشله وإخفاقاته في غزة.
يدرك الإسرائيلي ومعه الأميركي أن المواجهة في الجنوب الذي بدأ يشهد تصعيدا غير مسبوق، مختلفة عن غزة، وأن حركة المقاومة الاسلامية “حماس” شيء، وحزب الله شيء آخر لا سيما على صعيد الجهوزية بكل مندرجاتها خصوصا أن المقاومة حتى الآن لم تستخدم أكثر من 5 بالمئة من قدراتها وإمكاناتها العسكرية، ولعل ما قاله السيد حسن نصرالله من أنه “إذا فرضت علينا الحرب فإننا سنقاتل من دون ضوابط ولا سقوف”، يؤكد أن المقاومة أعدت لإسرائيل ما لم تره في غزة وما لم تتوقعه أو تحسب له حسابا، إلا أن ما يثير المخاوف هو أن نتيناهو وجنرالاته يخوضون حرب وجود وهذا ما قد يدفعهم الى إرتكاب الحماقات الواحدة تلو الأخرى، خصوصا أن إطالة عمرهم السياسي والعسكري قبل المحاكمات القاسية لا مرتبط بالحرب التي باتت من دون خطة أو إستراتيجية في غزة، في وقت ما يزال فيه العدو الصهيوني يفتش عن مزيد من الدماء والدمار.
على وقع هذا التوتر الكبير يتحرك الملف الرئاسي من جديد، مع حراك اللجنة الخماسية التي تستعد لإجتماع غير تقليدي مسرحه المملكة العربية السعودية التي بدأ سفيرها في لبنان وليد البخاري سلسلة زيارات طابعها إجتماعي وبروتوكولي ومضمونها رئاسي بإمتياز.
واللافت، هو دخول السعودية بقوة الى الملف الرئاسي، بعد فترة طويلة من غض النظر عنه، حيث أصرت على ضرورة نقل إجتماع الخماسية من مصر الى الرياض، ما يوحي بأنها قد تستعد لدور جديد، خصوصا بعدما تراجع الدور الفرنسي الى أدنى مستوياته، وإقتصار الدور القطري على المشاورات والاستماع الى وجهات نظر الكتل النيابية.
دخول السعودية بهذا الزخم أعطى الملف الرئاسي جدية، ووضع التيارات السياسية أمام مسؤولياتها، خصوصا أن كل المعنيين باتوا على قناعة بأنه لا يمكن أن يبقى لبنان في ظل الظروف الأمنية الخطيرة من دون رئيس جمهورية، وبالتالي يجب إدراك حجم المخاطر وأن تسارع الكتل النيابية الى حوار أو تشاور أو نقاش للوصول الى قواسم مشتركة أو خيار يرضي الأكثرية لملء الكرسي الشاغر في قصر بعبدا.
ويبدو أن الحراك السعودي ليس بعيدا عن الدفع الأميركي لإنتخاب رئيس، خصوصا وبحسب المعلومات أن آموس هوكشتاين قد فتح هذا الملف مع من إلتقاهم وشدد على ضرورة الوصول الى تفاهمات حول الرئاسة، ما يشير الى أن هوكشتاين الذي نجح في الترسيم البحري، مكلف اليوم بملفين الأول تطبيق القرار 1701، والثاني الملف الرئاسي.
تشير مصادر سياسية مطلعة أن الأيام المقبلة ستهد حراكا كثيفا على خطين أساسيين الأول تجنيب لبنان الحرب، والثاني الغوص في الملف الرئاسي، لافتة الى أن المنطقة دخلت في سباق بين التدحرج نحو حرب إقليمية وبين سحب فتائل التفجير وصولا الى التهدئة، وهناك شبه قناعة بأن لبنان لم يعد قادرا على تحمّل الفراغ القاتل والنكد السياسي حول كل المؤسسات الدستورية.
غسان ريفي – سفير الشمال