مضى وقت على الصمت الذي يلزمه رئيس التيّار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل، من غير أن يدلي بأيّ تصريح أو موقف، أو يزور أحدا أو يلتقيه أحد، ما طرح تساؤلات عدّة حول ما يجري مع شخصية سياسية إعتادت أن تقوم بشكل شبه يومي بنشاط سياسي معين، وأن يكون هذا النشاط محور الحركة السياسية في البلاد.
ولأنّ دور باسيل ووزنه في الحياة السّياسية اللبنانية لا يمكن إنكارهما، ولا تجاوزهما، خصوصاً بما يتعلق باستحقاق إنتخابات رئاسة الجمهورية، فإنّه لم يتردّد يوماً في محاولة فرض شروطه لإنهاء الفراغ في كرسي الرئاسة الأولى المستمر منذ نحو سنة وأربعة أشهر تقريباً، معتبراً أنه يمتلك بيده مفاتيح قصر بعبدا، وأنّه لا يمكن للرئيس المقبل أن يدخله إلا بعد أن يحوز رضاه.
خلال فترة الفراغ الآنفة الذكر إستطاع باسيل، بلا شكّ، تعطيل أيّ تسوية رئاسية، وخصوصاً التوافق مع حليفه الرئيسي حزب الله بانتخاب رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية، معلناً على الملأ عدم قبوله السير به، كما أعلن أيضاً رفضه ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون، مستنداً إلى عاملي قوة: الأوّل أنّه يمتلك أكبر كتلة نيابية مسيحية في مجلس النواب، والثاني مراعاة حليفه حزب الله له، لكن من غير التخلّي عن تبني ترشيح فرنجية، ما جعل الأمور معلّقة إلى أجل غير معلوم.
مع مرور الأيّام لمس باسيل أنّه ليس اللاعب الرئيسي الذي يمكنه التحكّم بمسار الحياة السياسية في لبنان، كما كان الحال أيام عهد رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، إذ أنه بعد خروج عون من قصر بعبدا، نهاية شهر تشرين الأول من العام 2022، وجد باسيل قدرته على الإمساك برأس السلطة في البلاد قد انحسر وتقلّص، وهو ما لمسه حينما حاول تمييز نفسه بـ”التقاطع” مع المعارضة على انتخاب وزير المالية السابق جهاد أزعور.
فحكومة تصريف الأعمال برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي تمارس نشاطها بشكل شبه طبيعي، برغم معارضة باسيل لما تقوم به من دور سياسي خلال فترة الفراغ، ومجلس النوّاب يعقد جلسات تشريعية ويصدر قوانين، مع أنّ باسيل، وسواه، قد عارضوا عقد المجلس أيّ جلسة قبل انتخاب رئيس جديد، والحياة السياسية في البلاد تسير وإنْ بشكل أعرج، إنّما من غير أن يستطيع رئيس التيار البرتقالي التحكّم بها، أو فرض شروطه عليها إذا لم ترق له.
أكثر من ذلك، فإنّ باسيل الذي يعاني من أزمات داخل تيّاره أدّت إلى إبعاد أو استبعاد أو تنحّي شخصيات بارزة فيه، بات اليوم بلا حليف فعلي، وحليفه الوحيد حزب الله يتعامل معه ببرود لافت، كما أنّ التطوّرات السّياسية الأخيرة، ومنها إجتماع رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي السابق وليد جنبلاط مع فرنجية أعطى مؤشّراً أنّ باسيل بدأ يفقد تدريجياً قدرته على الإمساك، وحيداً، بالملف الرئاسي.
هذه الأزمة غير المعلنة التي يعانيها باسيل كان يمكنه تلافيها، ومعها كان يمكن إخراج البلد من الفراغ الرئاسي والأزمات المتفرعة عنه، لو استمع لنصائح كثيرة وُجّهت إليه من حلفاء وخصوم على حدّ سواء كي يسير بفرنجية رئيساً، وأنّ الأخير هو ضمانة له ولتيّاره في المرحلة المقبلة، لكنّه أدار الأذن الصمّاء لجميع هذه النصائح إلى أن وصل اليوم لما يشبه العزلة السياسية التي يعيشها، وسط تساؤلات حول إنْ كان باسيل سوف يستمع أخيراً إلى هذه النصائح، ويأخذ بها، قبل فوات الأوان.
عبدالكافي الصمد – سفير الشمال