إرتفعت مؤخراً كل الأسعار المعيشية وسائر تكاليف الإنتاج وغيرها على نحو خيالي ومخيف وغير مسبوق، وذلك جرّاء التضخّم الداخلي، الإقليمي والدولي المتصاعد، لكن أيضاً جرّاء تطبيق ضرائب مباشرة وغير مباشرة بطريقة مبطّنة كالعادة على الشعب المنكوب والمذلول والمنهوب والاقتصاد المكسور والمهترئ.
لا شك في أنّ للحروب تداعيات إقتصادية، إجتماعية، مالية ونقدية مؤذية، تؤدي إلى ارتفاع في كل الأسعار، خصوصاً في المنطقة المعنية، كما أيضاً في الدول المجاورة، الإقليمية والعالمية. فإنّ الحروب تزيد المخاطر والمخاوف، وتؤثر مباشرة على تكاليف الإنتاج، التأمين، وأسعار الغاز، النفط ومشتقاتها، وتجمّد الإستثمارات والإنماء، وتجرّ إلى تضخّم مخيف وخطر. أما توسّع رقعة الحرب فستكون لها تداعيات على نحو أكثر خطورة إذا ما استمرت.
في هذا السياق، تتفاقم الحرب الإجرامية والتدميرية في غزة، وترتفع وتيرتها على حدودنا الجنوبية، أما الهجومات على اليمن والبحر الأحمر فتزيد المخاوف والمخاطر والتداعيات السلبية، كما أن استمرار واشتداد الحرب الروسية – الأوكرانية تؤثر كلها مباشرة على كل الأسعار والتكاليف، والنقل والتأمين وغيرها. ويُمكن أن تجرّ منطقتنا والعالم إلى تضخّم مفرط وتدهور القيمة الشرائية، وانهيار نسبة العيش.
أما في لبنان، فنُواجه حرباً ساخنة على حدودنا، لكن أيضاً حرباً مالية، وعبوات ناسفة، أبرزها موازنة 2024 المطروحة والتي تتحضّر على نار حامية جداً من وراء الستار، والمبنية على رفع الضرائب عوضاً عن الإصلاحات، وتهدف إلى ضرب ما تبقّى من الإقتصاد عوضاً عن التركيز على الإنماء والتطور.
فالمسؤولون المباشرون عن أكبر أزمة إقتصادية وإجتماعية ونقدية ومالية في العالم، والمسؤولون أيضاً عن أكبر عملية نهب في التاريخ، يحاولون تكملة مشروعهم الغامض ومتابعة نهب القروش المتبقية مع الشعب المنهوب والمذلول.
حتى قبل إقرار الموازنة، ازدادت بعض الضرائب بطريقة غير مباشرة، وبخانات جديدة سُمّيت بالإحتياط وإزدادت على كل تكاليف المخالصات الجمركية. فنقرأ بوضوح، في بعض الخانات، زيادة احتياطي القيمة المضافة، وضريبة جديدة تُراوح بنسبة 3% من دون أي مبرّر قانوني، وأُدخلت بطريقة غير مباشرة على كل البضائع المستوردة في لبنان.
فهذه الزيادة الجديدة غير المعلنة، تُدفع من المستوردين والتجار والصناعيين، من هذا البند الإحتياطي، لكن لا تُدرج في خانة القيمة المضافة، لعدم استردادها، هذا يعني أن هذه الزيادة المبطّنة تزداد مباشرة على أسعار المبيع، ويدفعها المواطن والإقتصاد الأبيض. علماً أننا ندرك تماماً من خبرتنا وتاريخنا بأن زيادة الضرائب لا تزيد مداخيل الدولة لا بل تخفّز الإقتصاد الأسود والموازي، وتشجع المهرّبين والمبيّضين والمروّجين، وتضرب الإقتصاد الأبيض والشركات الشفّافة وتُهرّب المستثمرين والمبتكرين والرياديين.
في المحصّلة، لا شك في أن الحروب تُفاقم التضخم، لكن الحروب المالية الداخلية تُفاقم الإنهيار الإقتصادي والمالي والنقدي. فقبل الإختباء وراء ضرائب جديدة مبطّنة فلتُطبّق الضرائب القائمة على كل الشعب والمناطق، قبل التركيز على قوانين جديدة، بحيث يجب أن نُطّبق القوانين القديمة المدفونة في اللجان والدهاليز. مرة أخرى يتواصل مسلسل نهب الشعب وضرب الإقتصاد باستراتيجيات مختبئة ومبطّنة، حيث يتبارى المسؤولون أمام الشاشات والمنصّات بشعارات وهمية وكاذبة، ويُطبّق فعلاً العكس تماماً.
د. فؤاد زمكحل – الجمهورية
Follow Us: