كتبت الإعلامية وفاء بيضون في ” اللواء “
ما يقرب من أربعة أشهر على الحرب الإسرائيلية المفتوحة على غزة، ومثلها بوتيرة أقل على جبهة الشمال مع لبنان؛ لم تحمل حتى اللحظة ما يشير إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو»، ومعه فريق الحرب اليميني المتطرف، بإمكانهم تقديم ما يخرج نتنياهو من أزمته التي أقحم بها كامل كيانه، ومعهم الأسرى لدى حركات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي.
ومع أن حركةً ما تلوح في أفق الأزمة، حيث ثمة سعي لم يتبلور بعد إلى قرار لوقف إطلاق النار؛ إلّا أن الجانب الإسرائيلي بدا منهكاً ومهزوماً، بالجملة والمفرق، جراء الصمود الأسطوري الذي تسجله المقاومة الفلسطينية بوجه الاحتلال في غزة، وينسحب ذلك على جبهة الشمال الفلسطينية مع لبنان، التي بدورها حولت رهان كابينيت الحرب وتهديداته، إلى كابوس انعكس على عشرات آلاف المستوطنين الذين فرّوا من معظم المستعمرات الى داخل فلسطين المحتلة، محملين بخيبة عودتهم معطوفة على خيبة جيشهم، بعد ما حوّلته المقاومة إلى دمًى متناثرة بفعل صواريخ المقاومة اللبنانية، التقليدية منها والمتطورة.
لذا يرى البعض أن ما اعتقده رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في السابع من تشرين الأول المنصرم، مشكلة كبيرة يقتضي حلّها عبر مفهوم التدمير والقتل كعنصر صاعق، ظنه يحوّل هزيمته إلى انتصار؛ على ما يبدو أثر عليه، وجعله أمام تشابه بالعملية الأميركية التي نفذتها واشنطن في العراق عام 2003؛ ليتبيّن أن معركته ضد حماس والمقاومتين الفلسطينية واللبنانية، أكثر تعقيداً بكثير، وأصبحت مشكلةً مستعصية تشبه، إلى حد كبير، مستنقعات الوحول التي غرق فيها الأميركيون والسوفيات في أفغانستان.
من هنا وجد نتنياهو في عملية طوفان الأقصى، استجابة لصلواته في التخلص من معضلاته الداخلية، القانونية والسياسية وما يرتبط بهما من فساد، وما زال يبحث عن مخرج ينقذ ماء وجهه ويعيد له توازنه النفسي.
وكلما استمرت الحرب يمضي نتنياهو، ومن خلفه كيانه المحتل، بتلقّي الضربات وليس آخرها مقتل ما يزيد على عشرين ضابطاً وجندياً في يوم واحد وفي عملية واحدة، وهو أمر لم يعتد عليه الإسرائيليون؛ ولا شك زاد من حماوة المطالبة برحيله.
نعم اليوم، وبعد نحو أربعة أشهر على بدء الحرب، تبقى الأسئلة محصورة بخيارات نتنياهو فهل من الممكن أن يكون الأسرى باب خلاصه الوحيد؟
ترى مصادر متابعة أنه، من الواضح، منذ اللحظة الأولى للمواجهة القاسية، لم يكن أحدٌ متحمساً للوصول إلى حرب شاملة وإغراق المنطقة، وربما العالم، في معمعة عسكرية خطيرة جداً من شأنها تغيير وجه المنطقة كلها.
وتتابع المصادر: يبدو أن رئيس الحكومة الإسرائيلية وحده من كان يسير على هذا الخط، ويعدّ العدّة لتحقيق حلمه؛ لكن الأميركيين ورغم تمويلهم لإسرائيل مالياً ودعمهم لها عسكرياً، كانوا على الضفة الأخرى، كما هو حال إيران وبقية الدول الغربية والإقليمية، فكان نتنياهو الصوت الوحيد المنادي بوجوب توسيع الحرب، فيما كل الأصوات الأخرى كانت تنادي بعكس ما يقول.
وتشير المصادر: أنه في حين يستمر نتنياهو في محاولاته حتى هذه اللحظة، يبدو أن هذا الخيار يبتعد شيئا فشيئا عن دائرة البحث، ويحلّ محله بحث مشاريع ورؤى ما بعد الحرب، إن في غزة أو في لبنان والمنطقة.
وفي وقت تتصاعد فيه حدّة أصوات أهالي الأسرى الإسرائيليين لدى حماس وباقي فصائل المقاومة الفلسطينية، لتشكّل ربما هذه القضية طوق نجاة ينقذ نتنياهو من الأزمة التي يتخبط فيها؛ فتبقى استعادة الأسرى بعيدة بالمسار العسكري، لا بل تحوّلت إلى ورقة ضغط تميل نحو خسارة نتنياهو لكل إرثه السياسي، وقد يبدو مجددًا بصورة من شأنها، أن تضعه وجهًا لوجه مع الشارع الإسرائيلي الذي يؤيد بقوة إبرام اتفاق مع حماس لاستعادة الأسرى، وإنهاء هذا الوضع الذي يقض مضاجع الإسرائيليين، ويطمئن المستوطنين على الحدود اللبنانية، أنه في حال عادوا وحصل السيناريو الذي يتخوفون منه، أي قيام حزب الله بعملية مماثلة لما قام به الفلسطينيون، فإن الأمل يبقى قائماً في عودتهم إلى أهلهم وأقاربهم.
من هنا تبقى خيارات قادة اليمين الإسرائيلي محصورة وضيقة الأفق، وأي تعويل على استمرار الحرب قد يفضي إلى أسوأ السيناريوهات، وليس أفضلها بدء العد العكسي الجديّ لإنهاء دولة الكيان ديمغرافيا وسياسيا. هذا عدا عن انكشاف زيف أسطورة الجيش الذي لا يقهر؛ لذا فلا مناص سوى الإذعان لمطالب المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، بوقف شامل لإطلاق النار.
على الكيان الإسرائيلي، بقيادتيه العسكرية والسياسية، القبول والإقرار بهزيمته قبل أن تتحول الهزيمة الجزئية إلى هزيمة كبرى، تطيح بكل أحلام «إسرائيل» منذ احتلّت فلسطين وهجّرت أهلها، وتنقلب الصورة.