فيما تنشغل أكثر من عاصمة بملف الانتخابات الرئاسية المعطلة جراء عدم تمكن الكتل النيابية من انتخاب رئيس للجمهورية تزامناً مع تصاعد خطورة التهديدات العسكرية في الجنوب، لم يبقَ التعويل إلا على ما يمكن ان تجترحه المجموعة “الخماسية” التي اعادت تحريك ماكينتها عبر السفراء الخمسة في بيروت، والتي افتتحت لقاءاتها عند الرئيس نبيه بري. وثمة لاعب دولي من المؤثرين في سياسات المنطقة هي روسيا التي تتعاطى مع لبنان بهدوء ومن دون ضجيج، وهي ترى ان عملية الانتخاب يجب ان تكون صناعة لبنانية مئة في المئة، اي بمعنى ان على النواب الـ 128 ان يتحملوا مسؤولياتهم الدستورية وينتخبوا رئيساً وان يتحاوروا في ما بينهم، واذا لم يفعلوا ذلك ستزداد علاقاتهم تعقيدا. ولذلك لا ترى الديبلوماسية الروسية ان “الخماسية” تستطيع أن تساعد في انتخاب رئيس اذا لم يساعد اللبنانيون انفسهم ويغلّبوا المصلحة الوطنية على كل مساحة انقساماتهم. ويصدر هذا الكلام من دون اي قفازات عن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الذي يعرف جيداً تشعبات لبنان واهواء قواه السياسية منذ اكثر من اربعة عقود. وتقول موسكو إن كل ما يقوم اعضاء “الخماسية” لن يصل الى نتيجة، وتطلق هذا الموقف حيال دول المجموعة رغم ارتباطها بعلاقات جيدة مع ثلاثة بلدان منها: السعودية وقطر ومصر، في وقت يعود عدم تلاقيها مع اميركا وفرنسا لجملة اسباب ارتفعت سخونتها اكثر بعد الحرب الدائرة على اراضي اوكرانيا والدعم الذي تتلقاه الاخيرة من بلدان الغرب. وينقل زوار لبنانيون على تواصل مع ادارة الكرملين ووزارة الخارجية ان المخرج الافضل الذي يجب ان يسلكه اللبنانيون، بحسب وزير الخارجية سيرغي لافروف ونائبه بوغدانوف، هو التوصل الى سلة حلول لبنانية كاملة يكون مفتاحها الاول انتخاب رئيس للجمهورية بدل الاستمرار في هذا العقم من المراوحة والاتكال على الخارج، ولو ان موسكو لا تقلل من تأثير اكثر من عاصمة عربية وغربية على الافرقاء اللبنانيين. ويقول المسؤولون الروس انهم على تواصل مع اكثر من جهة لبنانية، وهم طلبوا في الآونة الاخيرة من صديقهم الرئيس سعد الحريري التوقف عن عزوفه وان ثمة اكثر من اشارة في الاقليم مشجعة تدعوه للعودة الى بيروت ليستأنف نشاطه السياسي واعادة بث الروح في صفوف “تيار المستقبل” وقواعده التي تنتظر زعيمها. ويعتقد الروس ان الفراغ الذي احدثه الحريري على المستوى الوطني وداخل طائفته السنية لم تستطع اي جهة تعبئة هذا الموقع رغم اشادة موسكو بالدور الذي يلعبه الرئيس نجيب ميقاتي وعدد من الوجوه السنية الاخرى. وتقول الديبلوماسية الروسية ان الحريري يمكنه استعادة دوره الاساسي في الخريطة السياسية اللبنانية والمساهمة في توفير حلول للملفات العالقة مع اقطاب آخرين في البلد، وإلا ستبقى سياسة العجز مسيطرة على المشهد، وان موسكو في النهاية حريصة على إحداث هذا التوازن السياسي المطلوب في لبنان من خلال رجوع الحريري الى البلد ومساهمته في هذه المهمة لمتابعة الدور الذي كان يؤديه في لبنان، وهو سيحضر الى بيروت في ذكرى اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 الجاري وسيلتقي اركان تياره وجمهوره.
وبالعودة الى موسكو، فان فريقها الديبلوماسي يعمل مع اكثر من جهة لمنع تمدد شرارة الحرب الكبرى الى لبنان، وهو على تواصل مع اكثر من طرف دولي وتحديداً مع الحكومة الاسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو مع اعتراض موسكو على حربه في غزة أو إقدامه على توسيع مساحة الحرب الى لبنان، ويبقي الروس على تواصلهم مع قيادة حركة “حماس”، فضلاً عن دولتين مؤثرتين في المنطقة وعلى تماس مباشر مع الفلسطينيين هما قطر وايران، وان تركيز موسكو يبقى مصوباً منذ السابع من تشرين الاول الفائت على العمل على رفض اي اعتداء اسرائيلي في جنوب لبنان، وان من الافضل ولجملة من الاعتبارات سلوك تل أبيب طريق حل الدولتين وعدم التضييق على الفلسطينيين في قطاع غزة ووقف العدوان المفتوح منذ نحو اربعة أشهر على اهلها والاعتداءات المتواصلة ضد ابناء الضفة الغربية.
رضوان عقيل – النهار