كتبت “الديار” تقول: فوضى شاملة تشهدها الساحة اللبنانية من جوانبها السياسية والاقتصادية والمالية والنقدية. ففي ظلّ استمرار العدوان «الإسرائيلي» على الجنوب اللبناني مع ما يُشكّله هذا الأمر من ضغط على لبنان والذي كان يفرض توحيد المواقف من معظم الملفات السياسية والاقتصادية، ها هي بوادر تباعد سياسي كبير تلوح في الأفق قد تأخذ منحّى تصعيديا بعد الهدنة قيد الدرس بين العدو الإسرائيلي من جهة والفصائل الفلسطينية من جهة أخرى. وتتخوّف مصادر سياسية من أن ينسحب هذا التصعيد على الشارع المحقون سياسيًا واقتصاديًا، إلا أن مصدرا أمنيا رفض الكشف عن اسمه قال لجريدة «الديار» إن الجيش والقوى الأمنية والأجهزة الأمنية جاهزة لصد أي عمل مُخلّ بالأمن وسيكون الردّ حاسمًا نظرًا إلى حساسية المرحلة.
الفوضى السياسية تتجلّى في التشدّد في المواقف الذي أعربت عنه كلٌ من المعارضة والموالاة حيث يتمسّك كل فريقٍ بمرشحه الرئاسي وهو ما دفع رئيس المجلس النيابي نبيه برّي – بحسب مصادر صحافية – إلى إعلام اللجنة الخماسية بأن أي دعوة لانتخاب رئيس بجلسات متتالية مشروط بحوار بين الأفرقاء، وهو أمر ترفضه المعارضة بشكلٍ حازم مما يؤدّي إلى الاستنتاج أننا أمام مرحلة صعبة شبيهة بمراحل العقد الأول من هذه الألفية، قد يكون إطارها السبب من مخاوف أمنية واضطرابات في الشارع ما دام التمسك بالمواقف هو سيدّ الموقف وما دام الخطاب الإعلامي عالي السقف.
المُجتمع الدولي والعربي المُنهمك – كلٌ لأسبابه الخاصة – بالبحث عن اتفاق هدنة بين «إسرائيل» والفصائل الفلسطينية، كثّف من حركته في لبنان. فقد برزت أوّل من أمس زيارة وزير الخارجية البريطانية دايفيد كاميرون الذي عقد لقاءات مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وقائد الجيش العماد جوزيف عون، تناول فيها الهدنة بين الفصائل الفلسطينية و «إسرائيل» وإمكانية انسحابها على لبنان مع تطبيق للقرار 1701. وتقول المصادر ان الرئيس برّي شدّد في لقائه مع كاميرون تمسّك لبنان بالقرار 1701 الواجب تطبيقه من قبل الطرفين وليس فقط من قبل لبنان.
إلا أن هذه الهدنة لن تُبصر النور إلا بعد وقف العدوان على غزّة بحسب ما اشترطت حركة حماس وهو ما أبلغته إلى الجانب القطري والجانب المصري الذيّن يقومان بدور الوساطة. كما أن الهدّنة مع لبنان لن تُبصر النور أيضًا إلا بوقف هذا العدوان بحسب عميد متقاعد قال فيها أن شهداء المقاومة اللبنانية ستذهب سدى إذا توقّف القتال في لبنان الذي هدفه في الأساس التخفيف من معاناة غزّة.
عمليًا تضّغط إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو من أجل إقرار هدّنة في غزّة، لما في ذلك من إراحة للمرشّح بايدن على أبواب الإنتخابات الرئاسية الأميركية. إلا أن نتنياهو ليس متحمّسًا لأسباب خاصة به وهي المُحاسبة السياسية التي سيتلقاها وللضغط الذي يُمارسه وزراء حكومة الحرب عليه حيث أشارت وسائل إعلام إسرائيلية أن نتنياهو ناشد البارحة وزراءه عدم الخروج من الحكومة وقال لهم إن ذلك سيضر بوحدة الجانب الإسرائيلي. وإذا أعلن نتنياهو أنه مستعدّ لتبادل الأسرى مع حماس، إلا أن الأخيرة ترفض رفضًا قاطعًا أي وقف لإطلاق النار ما لم يكن هناك من وقف شامل للعدوان على غزّة.
وهنا تبرز المخاطر بحسب بعض المراقبين الذي يروّن في هذا الأمر حلقة مُفرغة إذ لم يتنازل أي طرف عن موقفه حيث ان الأمر سينتهي بتراجع الطرف الأكثر خسارة وبالتالي الموافقة على هدنة. هذا الأمر دفع بالرئيس الأميركي إلى الإستحصال على إذن لضرب مواقع داخل إيران وهو ما وصفه المراقبون بالهروب إلى الأمام لأن أي إشتباك مع إيران لن يكون نزّهة، والأهمّ أن هذا الأمر قدّ يُشعل حربا إقليمية رفضت بريطانيا المشاركة فيها عبر بيان قالت فيه انها لن تُشارك بضربات في الداخل الإيراني. لذا يتوقّع المراقبون إرتفاع نسبة الضربات على الحوثيين بمشاركة أوروبية أكبر خصوصًا بعد تصريح رئيس الإتحاد بأن الهجمات الحوثية تخطّت البعد التجاري وأصبحت تُهدّد الأمن والسلام في المنطقة. على هذا الصعيد، شنّت البارحة القوات البريطانية والأميركية سبع غارات على منطقة الجر بمديرية عبس في محافظة حجّة شمالي غربي اليمن.
في هذا الوقت، أكد وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان أن إيران لا تسعى لتوسيع دائرة الحرب وأن عمل الدوّل يجب أن يكون حول الوقف الفوري للحرب في غزّة والتوجّه نحو حلّ سياسي لأزمة غزّة والضفّة، مُضيفًا إلى أن تصاعد التوترات في منطقة غرب آسيا والقلق بشأن استمرار النهج المسبب للتوتر لبعض اللاعبين من خارج المنطقة.
إلى هذا كشفت وكالة «رويترز» أن المملكة العربية السعودية مُستعدة لقبول التزام سياسي من قبل «إسرائيل» بإقامة دولة فلسطينية كشرط من أجل إبرام اتفاقية دفاعية مع واشنطن، قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، ومن أجل خلق مساحة للمناورة في المحادثات حول الاعتراف بـ «إسرائيل»، وإعادة الاتفاق الأميركي إلى مساره. وبحسب الوكالة أخبر المسؤولون السعوديون نظراءهم الأميركيين، أنّ الرياض لن تصر على أن تتخذ «إسرائيل» خطوات ملموسة لإنشاء دولة فلسطينية، وستقبل بدلاً من ذلك، التزاما سياسيا لإقامة دولة فلسطينية ضمن سياسة حل الدولتين. وهو ما عبر عنه الرئيس الأميركي الذي تحدّث عن حل الدولتين ضمن حل الأزمة القائمة، حتى ان بريطانيا صرّحت أنها بدأت مسارًا للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
هذا الجوّ الإقليمي – الدوّلي المُتوتّر يُلقي بظلاله على الساحة الداخلية اللبنانية حيث ان الحراك الدولي المُستجد حول موضوع الرئاسة أعاد إلى الواجهة ضرورة انتخاب رئيس وتشكيل حكومة أصيلة لمواجهات التحدّيات، لن يلقّى صدًى إيجابيًا بحسب المراقبين بحكم أن التوتّر الإقليمي – الدوّلي وما له من تشعّبات داخلية لن يسمح بتمرير هذا الإستحقاق إلا من باب كلُ بحسب مصلحته. وبالتالي فإن الفوضى السياسية والفراغ الذي بدأ ينهش مؤسسات الدولة وإدارتها، سيؤدّي حكمًا إلى ضرب الدولة وإضعافها داخليًا وخارجيًا.
الفوضى شملت أيضًا الشق الإقتصادي، حيث تعجز الحكومة عن استعادة السيطرة على الوضع الإداري والإقتصادي. فقد أكّد «تجمع موظفي الإدارة العامة» في بيان إستمرار الإضراب نظرًا إلى عدم تلبية مطالبه من قبل الحكومة. وجاء في البيان أن «مطلب التجمّع الأساسي هو تصحيح شامل للرواتب عبر إعداد سلسلة رتب ورواتب عادلة وموحدة ومنصِفة لكل القطاع العام إضافةً الى تصحيح التعويضات العائلية وكافة التقديمات التعليمية والاجتماعية وخصوصاً الصحية من طبابة ودواء واستشفاء».
عجز الحكومة عن أخذ قرار في ما يخصّ توحيد سعر الصرف، إنسحب على المصرف المركزي الذي عدّل التعميم 151 الى 166 عبر إعطاء المودع 150 دولارًا أميركيًا كاش شهريًّا، مع الإبقاء على سعر 15 ألف ليرة لسحب مبلغ فوق الـ 150 دولارا أميركيا. وسيتمّ تمويل كلفة هذا التعميم المُقدّرة بـ 250 مليون دولار أميركي من مصرف لبنان والمصارف بالتساوي. وبحسب معلومات «الديار» يُعقد اليوم في الساعة الحادية عشرة من قبل الظهر، إجتماعًا في مصرف لبنان بين حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري ورؤساء مجالس إدارة المصارف، حيث من المتوقّع أن يتمّ البحث في آلية تطبيق التعميم الجديد بالإضافة إلى موضوع توحيد سعر الصرف وتداعياته على المصارف. وبحسب معلومات تداولها الإعلام فإن الحكومة في صدد تحديد سعر صرف السّحوبات بما ينسجم مع الواقع المالي وقدرات المصارف على الدّفع، لتجنّب انهيار القطاع وخسارة أموال المودعين.
إلى هذا تراجعت السلطة السياسية أما ضغط شركات استيراد المحروقات وأقرّت أن الضريبة المُستحدثة على الدعم الذي قدّمه مصرف لبنان بطلبٍ من حكومة الرئيس حسان دياب هو على الأرباح وليس على الإيرادات، وهو ما دفع إلى تراجع شركات إستيراد المحروقات عن عدم تسليم المحروقات إلى المحطّات. المسار الذي اتبعته هذه الشركات، بدأت بتطبيقه قطاعات أخرى مثل قطاع الأفران وشركات الإستيراد عامّة والتي هددت بالإضراب في حال تمّ فرض ضرائب عليها.