جاء في صحيفة النهار : مع أنّ الآمال التي علقت على التحرك أو المسعى الذي أطلقه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل من جهة، ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري من جهة أخرى، عله يساهم في تذليل العقبات امام تأليف الحكومة كانت ضعيفة أساساً، لكن أحداً لم يتوقع ان يعاجلها موقف تصعيدي هجومي غداة التحرك كأنه يتعمد إجهاضه بأسرع ما يمكن.
وقد أثار الموقف الهجومي الحاد الذي صدر في بيان للهيئة السياسية في “التيار الوطني الحرّ” بعد ظهر أمس، ولم يكن انقضى على زيارة رئيس التيار باسيل لبكركي اربعاً وعشرين ساعة، انطباعات واضحة أن التيار كان يرد على سيد بكركي ضمنا فيما هو يشن هجومه الحاد على الرئيس الحريري. إذ يبدو واضحاً أنّ موقف البطريرك الراعي العلني في بعبدا لم يرق لا الرئيس عون ولا النائب باسيل خصوصاً لجهة تشدد الراعي في رفض الثلث المعطل لأي فريق وتأييده القوي لحكومة اختصاصيين وكذلك تشديده على التزام الأصول الدستورية في التاليف بما يعني ان رئيس الحكومة المكلف يقدم تشكيلته الى رئيس الجمهورية لتصدر الحكومة بتوافقهما. وهي ثلاث نقاط جوهرية شكّلت دعماً ضمنياً ومعنوياً قوياً للرئيس الحريري الذي ينادي بمثلها دوما الامر الذي يفسر اطلاق التيار الوطني الحر سهامه الحادة ضد الحريري غداة تحرك الراعي.
وإذا كان تيار المستقبل لم يمرر هجوم التيار العوني من دون رد سريع، فإن مجمل المشهد المستعيد السخونة التصعيدية بل التفجر السياسي والإعلامي يكشف بما لا يقبل جدلا ان مسار تأليف الحكومة بات في واقع اشد تعقيدا وعرقلة وتعطيلا من أي وقت سابق في ظل اطلاق نيران القنص السياسي من جانب التيار العوني على تحرك البطريرك الراعي من جهة وتصاعد التوتر الحاد بين بعبدا وباسيل من جهة والحريري من جهة مقابلة. ومع ذلك، بدا لافتاً اصرار البطريرك الراعي على المضي في تحركه اذ كشف النقاب عن اتصال طويل حصل بينه وبين الرئيس الحريري عصر الجمعة الماضي أي بعد لقائيه مع كل من الرئيس عون في بعبدا والنائب باسيل في بكركي واطلع الراعي الحريري خلال الاتصال على نتائج اللقاءين.
وبعد هذا الاتصال اجتمع في مكان ما في بيروت مستشاراً الرئيس الحريري والبطريرك الراعي الوزير السابق الدكتور غطاس خوري والبطريرك والوزير السابق سجعان قزي واستكملا البحث في تفاصيل مجريات تحرك بكركي. وبعد ظهر امس استقبل البطريرك الدكتور غطاس خوري موفدا من الرئيس الحريري، وأفادت معلومات أنّ موقف الراعي ظل متمسكا بما اعلنه من بعبدا ان لجهة حكومة اختصاصيين وان لجهة التزام الأصول الدستورية في تأليف الحكومة بحيث يقدم الرئيس المكلف تشكيلته الى رئيس الجمهورية ويتوافقان على إصدارها وان لجهة اعتبار الثلث المعطل دخيلا ولا لزوم له. وبعد زيارة خوري لبكركي توجه والوزير السابق سجعان قزي الى بيت الوسط حيث التقيا الرئيس الحريري.
ولكن “التيار الوطني الحرّ”، وعبر هيئته السياسية برئاسة باسيل، هاجمت الحريري واتهمته بمحاولة تجاوز الصلاحية الدستورية لرئيس الجمهورية كشريك كامل في التاليف كما اتهمت الحريري بالإصرار على القفز فوق الميثاقية وعدم اعتماد معايير واحدة وواضحة. واتهمته أخيرا بالعمل على العودة الى زمن التهميش وقضم الحقوق. وسارع تيار المستقبل الى الرد، معتبراً أنّ قيادة التيار الوطني الحر تصر على سياسة الهروب الى الامام والانقلاب على المعيار الدستوري لتشكيل الحكومات المنصوص عليه في المادة 64 من الدستور وقال ان العودة الى نغمة المعايير الواحدة هي محاولة مرفوضة للالتفاف على المبادرة الفرنسية متهما قيادة التيار بالقيام بحملات تطييف من خلال الاخبار الملفقة عن إصرار الرئيس المكلف على تسمية الوزراء المسيحيين وختمت بالتأكيد ان الثلث المعطل لن تقوم له قائمة بعد اليوم. وعلى الأثر رد “التيار” على رد المستقبل، فاتّهمه بتجاوز المادة 53 من الدستور التي تتحدث عن اصدار مرسوم تشكيل الحكومة بالاتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء وبانه اول من ضرب الاتفاق القائم حول حكومة الاختصاصيين في المبادرة الفرنسية من خلال ترشيح رئيس حكومة سياسي بامتياز وغير اختصاصي وضرب مبدأ الاختصاص من خلال الإصرار على دمج حقائب متباعدة بوزير واحد. وقال في موضوع الثلث المعطل، أنّه “لا يحق لاحد منع أي مكون لبناني من المشاركة الفعلية والمتوازنة في الحكم والقرار الوطني ولن تكون له قائمة من يعتقد غير ذلك ” . وعاد المستقبل ورد على التيار لافتا الى “أنّ المادة 53 وجه اخر للمادة 64 يصدر ولا يشكل”.
وسط هذا الاحتدام، برزت الدعوة المباشرة الأكثر وضوحاً التي وجهها رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع لاستقالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وقال جعجع عقب ترؤسه امس اجتماع كتلة “الجمهورية القوية” ان “المجموعة الحاكمة ليست اهلًا للحكم ولا تجيده أصلا وهي فاسدة وهذا ما أوصل البلاد الى ما وصلت اليه فكيف تريدون منا ان ننتظر منها ان تقوم بإخراج البلاد من المأزق الذي أوقعتها فيه؟”. وقال: “لو كنت مكان رئيس الجمهورية لكنت تقدمت باستقالتي وهذا لا ينطبق فقط على رئيس الجمهورية وانما على كل المجموعة الحاكمة في الوقت الراهن”.