فقد المواطن اللبناني قدرته على تحمّل الأعباء المعيشية والاقتصادية الصعبة، نتيجة كل المعاناة التي يعيشها أكان من ناحية مدفوعاته وايجاراته وأدويته وتعليم أولاده…إلخ وباتت الحياة أصعب بكثيرٍ ممّا كانت في السابق وتاتي اليوم حكومة تصريف الاعمال لتزيد الطين بلة من خلال فرض ضرائب ورسوم على السعر الواقعي اي 89500 ليرة بينما المواطن يئن ويتألم لعدم قدرته على اعالة عائلته .
ونتيجة هذه الأعباء والغلاء الفاحش في لبنان، ارتفعت معدلات الانتحار وقفزت 16% في العام 2023 عن العام 2022، وفقًا لدراسات أجرتها الدولية للمعلومات. وبلغت نسبة الانتحار 170 حالة مقارنةً بـ138 حالة في العام 2022.
عام 2015، بلغ عدد حالات الانتحار 138 منتحرًا، وتراجع في 2016 إلى 128 حالة، وأصبح العدد 143 عام 2017، وارتفع إلى 157 عام 2018، وبلغ 170 عام 2019، وهو رقم مطابق للسنة المنقضية 2023. وتراجع عام 2020 إلى 150 منتحرًا، و145 حالة انتحار في 2021، وصولاً إلى 138 حالة عام 2022.
تأثير مواقع التواصل الاجتماعي
صنّف الاتّحاد الدّولي للطب النفسي “الإدمان الرقمي” ضمن فئة الأمراض النفسية. وتبيّن أنّ الحياة المثالية الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي تجعل من الفرد أكثر كئيبًا ومعزولًا بسبب مقارنته بهذه الحياة الأكثر من رائعة بالنسبة لحياته.
ومن هنا، تولد حالة عدم الاكتفاء الذاتي والتمني لو أنّ حياته كانت أفضل، كحياة الآخرين وبالتالي تلد الأفكار السوداوية لديه.
البروفيسور ديزيره القزي، دكتورة في علم النفس العيادي ومحللة نفسية، تؤكد في حديثها للدّيار، أنّ العزلة أيّام كورونا والشعور بالوحدة والفراغ، جعلت الإنسان يفكّر أكثر في مشاكله.
أمّا المشاكل العائلية، فارتفعت معدّلاتها بشكلٍ أعلى. لذلك، العزلة والشعور بالوحدة والأزمات العائلية، تَوضَّحت أثناء فترة كورونا، لا سيّما بعد جلوسه في المنزل لفتراتٍ طويلةٍ.
وأشارت إلى أنّ اختبار العزلة ترتبط بشخصية الفرد وإلى أي حدّ هذه الشخصية تعيش المشاكل والصراعات.
الثورة تليها المشاكل الاقتصادية
توضّح القزّي أنّ الثورة والمشاكل الاقتصادية تزايدت بشكلٍ كبيرٍ لا سيّما بعد فترة كورونا.
وتغيّرت المعايير بعد أن كان المواطن إنسانا اجتماعيا محض، إلى شخصٍ خسر جنى عمره ورزقه وبات منعزلًا لا يفكر سوى بجني المال، بعيدًا عن نشاطاته وصداقاته وانشغالاته.
وخسر المال الذي كان يؤمن له الطمأنينة والاستقرار، ليصبح مُعدما.
هذا ما زاد من نسبة الاكتئاب والإحباط والشعور بالوحدة وانتشرت الأفكار السوداوية والشعور بعدم الأمل والأمان والاستقرار. هذا ما يزيد من نسبة الانتحار.
وشدّدت على عدم تبريرها للانتحار، لأنّه من يصل الى هذه المرحلة من السوداوية إمّا هو وإمّا العائلة التي تحتويه، عليها أن تستشير اختصاصيا أو طبيبا نفسيا، مشيرةً إلى أنّ الانتحار هو فرار وليس تغييرًا للواقع.
الوضع يزداد سوءًا… فهل حالات الانتحار ستزداد؟
عن سؤال ما إذا ستتزايد هذه الحالات نتيجة تدهور الوضع المعيشي، أجابت:
نعم، من الممكن أن تتزايد هذه الحالات في هذه الفترة نتيجة شعور المرء بالظلم والشعور بعدم العدل. فمثلًا من يعمل في القطاع العام، أو القطاع التربوي، أو الاستشفائي، والعاملون الكادحون هم أيضًا في وضع اقتصادي مزرٍ وصعب.
ونسبة الإحباط ازدادت وبات الحل الوحيد للمواطن اللبناني الهجرة. ومن هنا أهمية العناية بالصحة النفسية وأهمية الإرشاد النفسي وتسليط الضوء عليه في الإعلام المرئي والمسموع، أكان لجيل الشباب أم لجيل الآباء الذين يستصعبون تأمين كل مسلزمات الحياة لهم ولأبنائهم.
وشدّدت القزي على ضرورة استشارة طبيب نفسي لأنّ هذه الأفكار السوداوية من الصعب التحرّر منها من دون اختصاصي.
“الألم يستطيع أن يجعل الإنسان يؤذي ذاته” هكذا وضّحت البروفيسور فكرة عدم إعطاء الأولوية لزيارة الطبيب النفسي.
تؤكّد القزي أنّ الإرشاد النفسي والصحة النفسية عليها أن تكون مدعومة من قبل الدّولة.
وتمامًا، مثل الضمان الاجتماعي الذي يغطي نسبة من زيارة طبيب قلب أو زيارة طبيب صحة عامة، يجب أن يكون هذا الأمر مقرّرا من قبل الدّولة أيضًا للطبيب النفسي.
وعلى الدّولة أيضًا أن تهتم بالصحة النفسية وأن تؤمن استشارات نفسية بتكاليف رمزية من قبل مستوصفات تابعة لها بهدف تأمين الإصغاء للمريض.
ولفتت إلى أنّ هنالك العديد من الشركات المحترمة اليوم التي أدرجت الاستشارات النفسية تحت نطاق الضمان الاجتماعي.
مارينا عندس – الديار
Follow Us: