يبدو أنّ الامور لا تبشّر بالخير الكثير لمعالجة التوتر الحدودي في الجنوب، بعدما تكشّفت الصفقة التي عقدها الموفد الاميركي آموس هوكشتاين مع الكيان الاسرائيلي يوم الاحد الماضي، وكشف الاعلام العبري أمس بعض تفاصيلها، وهي لا تختلف عمّا سبق وطرحه هو وغيره من موفدين في خلال زياراتهم الاخيرة الى لبنان، ولاقت رفضاً لبنانياً.
الرفض اللبناني مردّه أمرَين طلبتهما اسرائيل:
الاول إبعاد مقاتلي «حزب الله» مسافة تتراوح بين 8 كيلومترات (4.9 أميال) و 10 كيلومترات (6.2 أميال). وزيادة انتشار قوات الأمم المتحدة والجيش اللبناني في المنطقة. وعودة السكان الذين تم إجلاؤهم إلى منازلهم في شمال إسرائيل وجنوب لبنان.
الثاني: إجراء مفاوضات حول ترسيم حدود برية فعلية بين إسرائيل ولبنان لمعالجة الخلافات حول 13 نقطة حدودية يتحفّظ لبنان منذ العام 2006 على استمرار احتلالها. وسيرافق ذلك «تقديم حوافز اقتصادية محتملة بقيادة الولايات المتحدة لبيروت للموافقة على الإتفاق».
لكن ما حمله هوكشتاين من اسرائيل لم يُرضِ لبنان بالطبع كونه يُرضي اسرائيل فقط ولا يلبّي مطالب لبنان الجوهرية، لا سيما انّ انسحاب مقاتلي الحزب الى الخلف يحقق أمن الكيان الاسرائيلي ويُعيد نازحيه ولا يضمن أي أمن للبنان ومواطنيه ولا توجد ضمانات لوقف الخروقات للقرار 1701، حتى لو حصلت مفاوضات حول ترتيب وضع الحدود البرية بمعزل عن تراجع الحزب الى شمال نهر الليطاني، وهو أمر غير وارد مطلقاً بحسب معلومات مصادر رسمية ومصادر الحزب.
ولذلك، عاد هوكشتاين الى واشنطن من دون زيارة لبنان لأنه يدرك انّ كل ما يُطرح من اقتراحات لن يوافق عليها لا لبنان الرسمي ولا الحزب، برغم ترويج وسائل الاعلام الاسرائيلية بأنّ «المبعوث الأميركي أعطى إشارات إيجابية لإمكان الوصول لحل سياسي لتهدئة جبهة جنوب لبنان». كما قالت هيئة البث الإسرائيلية نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين، «انّ هناك فرصة حقيقية لنجاح مساعي إنهاء التوتر مع «حزب الله»، وان هناك مقترحاً أميركياً يشمل تراجع الحزب عن الحدود فضلاً عن عودة النازحين على خَطّي الحدود».
ولعل كلام وزير الخارجية عبد الله بوحبيب أمس خلال لقاء وزير الخارجية الفرنسية ستيفان سيجورنيه يحمل الرد الكافي، حيث أبلغ نظيره الفرنسي وجهة نظر لبنان بحسب معلومات «الجمهورية» بما مُختصره «التطبيق الكامل والشامل للقرار 1701 ضمن سلة واحدة»، بما يعني ان تشمل كل مطالب لبنان. ويُعطَف هذا الكلام على مواقف رسمية سابقة أعلنها بوحبيب ورئيسا المجلس نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي عَدا ما يعلنه الحزب، يعني انّ كل ما «يُطبخ» بين اميركا واسرائيل غير قابل للتنفيذ من دون موافقة لبنان طالما انه يشمل استرضاء الجانب الاسرائيلي في أمن جنوده ومستوطنيه، ولا يحمل أي تعهّد بوقف حرب الابادة في غزة التي كانت سبب تفجّر الوضع في الجبهة الجنوبية، ولا بوقف الاعتداءات على المدنيين في القرى الحدودية، ولا باسترجاع كامل الارض المحتلة التي يصرّ لبنان على ان تشمل اي مفاوضات حولها مزارع شبعا وتلال كفر شوبا وخراج بلدة الماري أي شمال بلدة الغجر المحتلة، وهذه المطالب سمعها اكثر من مرة هوكشستاين ولا يُعلم هل نقلها بحرفيتها الى اسرائيل أم تغاضى عنها، او انه عرضها ولاقى رفضاً لها.
واللافت للنظر اكثر، انّ كل الموفدين الذين زاروا لبنان (الاميركيون والاوروبيون) او سيزورونه لاحقاً، يحملون نفس المقترحات تقريباً مع فوارق في لهجة التعاطي، بين نقل تهديد او تحذير او تَمنٍ او إغراء، وكلها لا تفيد في تغيير موقف لبنان الرسمي ولا المقاومة. فماذا بعد؟
يبدو انّ هوكشتاين سيضطر الى القيام بمقاربات اخرى اكثر واقعية في سعيه لتبريد الجبهة الجنوبية، تبدأ من إلزام الكيان الاسرائيلي بتطبيق القرار 1701 كاملاً وتلبية مطالب لبنان، وإلّا سيبقى الوضع يدور في دوامة التوتر الذي تقول واشنطن انها تريد إنهاءه.
غاصب المختار- الجمهورية