كتبت صحيفة النهار تقول: لولا التطوّر الخطير في دلالاته الحربية المتمثّل، أمس، في تجاوز إسرائيل للجنوب اللبناني إلى ساحل الشوف الجنوبي في عمليات الاغتيال والاستهداف التي تُنفّذها، لكانت معالم الاشتباك السياسي على خلفيات دستورية وطائفية، الذي أثاره رد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على البطريرك الماروني الكاردينال ماربشارة بطرس الراعي، تصدّرت المشهد الداخلي وشكّلت عنوان عاصفة سياسية.
ولكنّ التطوّر الميداني الجديد اكتسب دلالات تصعيديّة إضافية على وقع التهديدات الإسرائيلية التي لا تنقطع وتيرتها بالاستعداد لحرب واسعة على لبنان. إذ إنّه بعد يومين فقط من تنفيذ أول محاولة اغتيال بمسيّرة إسرائيلية في قلب مدينة النبطية منذ حرب تموز 2006، سُجّلت أول عملية اغتيال واستهداف إسرائيلية مماثلة في بلدة جدرا التي تقع في إقليم الخروب، أي عند ساحل الشوف الجنوبي. بذلك تكون الرسائل الحربية الإسرائيلية توغّلت أوسع ممّا يتّصل بنطاق المواجهات الميدانية، علماً أنّ اليومَين الأخيرَين شهدا تطوّرات تثير القلق التصاعدي لجهة اتّساع نطاق تبادل العمليات. فـ”حزب الله” أعلن الجمعة، للمرة الأولى، إطلاق صليات صاروخية كثيفة نحو المواقع الإسرائيلية في هضبة الجولان المحتل، فيما ضربت إسرائيل تباعا في النبطية وجدرا.
هذا الواقع المحتدم رسم الكثير من علامات الشكوك المتعاظمة عن المفارقة التي جعلت وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان يُكرّر من بيروت الحديث عن ترجيحه حلّاً سياسيّاً في غزة، وأن “ينطق” باسم طهران وبيروت برغبتهما بعدم اتساع الحرب، في حين تتسع نذر خطر المواجهة الكبيرة، وهل كلامه ينطوي على رسائل للدول المعنية وأوّلها إسرائيل والولايات المتحدة، أم أنّه مجرّد مناورات دعائية تتّبعها طهران لنفض تبعات التصعيد عن عاتقها؟
وفي الوقائع، فإنّ مسيّرة إسرائيلية نفّذت غارة استهدفت سيارة أثناء عبورها طريق عام بلدة جدرا الساحلية – برجا، وتحدّثت معلومات عن استهداف مسؤول فلسطيني في السيارة. وفي السياق، أكدت مصادر فلسطينية لـ”النهار” أنّ أحد المستهدفين الفلسطينيين وضعه مستقر. وذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أنّ “هدف محاولة الاغتيال في لبنان هو باسل صالح، المسؤول عن تجنيد وتشغيل الناشطين في الضفة الغربية، وصالح كان يعمل مع القيادي في حماس عزام الأقرع الذي اغتيل مع صالح العاروري”. وفي الرواية المتداولة، أنّ غارة المسيرة استهدفت سيارة بصاروخ داخل بلدة جدرا وكان فيها شخصان أحدهما فلسطيني يقيم في المنطقة. ولكن “حزب الله” نعى عصراً خليل محمد علي فارس (حمزة) من بلدة عيترون وسكان جدرا. كما قُتِل في الغارة مواطن سوري وجرح الشخصان اللذان كانا في السيارة، وأصيب جندي لبناني بجروح طفيفة.
وعلى وَقع الغارات الاسرائيلية في العمق اللبناني، أجرى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان محادثات في بيروت مع كبار المسؤولين، شملت الأمين العام لـ”حزب الله ” السيد حسن نصرالله وممثّلين عن فصائل فلسطينية ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب، وشدّد على أنّ “إيران ولبنان يؤكدان أنّ الحرب ليست الحل ونحن لم نكن نتطلع إلى توسيع نطاقها”. وقال إنّ “التطورات في غزة اليوم تتجه نحو حل سياسي، لكنّ نتنياهو لا يزال يرى الحل في الحرب لإنقاذ نفسه”. وشدّد على أنّه يتعيّن على الجميع “محاولة إيجاد حلّ سياسي لإنهاء الهجمات الإسرائيلية وجرائم الحرب ضد الفلسطينيين في أسرع وقت ممكن”. وإذ اعتبر أنّ “نتنياهو يسعى إلى أخذ البيت الأبيض رهينة له وعلى البيت الأبيض أن يختار إما أن يبقى رهينة لنتنياهو أو أن يذهب إلى الحل السياسي”، هدّد بأنّ “أي خطوة تتّخذها إسرائيل نحو هجوم واسع النطاق على لبنان سيكون اليوم الأخير لنتنياهو”.
ردّ ميقاتي… والردود عليه
في غضون ذلك، عُقِدت جلسة لمجلس الوزراء في السرايا برئاسة ميقاتي، أقرّت خلالها الحكومة رفع بدل النقل للقطاع الخاص إلى 450 ألف ليرة لبنانية.
وبادر ميقاتي في مستهل الجلسة إلى الرد على الكلام الأخير للبطريرك الراعي في مناسبة عيد مار مارون. وممّا قاله ميقاتي: “هناك موضوع يثير لدي الحساسية المفرطة، ويتعلّق بالحديث الذي يتم تداوله عن الاستئثار بادارة البلد والدويكا وما إلى ذلك من كلام لا يمت الى الحقيقة بصلة. وفي هذا المجال أكرّر القول أنّني غير راغب في أخد دور أحد أو الحلول مكان أحد، وعندما يكون هناك فراغ فالعتب واللوم يجب أن يوجّه إلى من يتسبّب بهذا الفراغ لا على من يسعى لادارة البلد لمنع التأثير السلبي للفراغ. نحن نكرّر الدعوة الى انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت، وإذا كُنّا نتولّى اليوم صلاحيات رئيس الجمهورية ودوره كحكم بين جميع اللبنانيين، فحينما يشعر أحد أن هناك جنوحاً ما أو تجاوزاً ما، فلنلفت النظر الى ذلك على طاولة مجلس الوزراء، بعيداً عن المنطق الطائفي البغيض، لان الاساس ان نتحدث مع بعضنا البعض ونتوصل الى الحلول الموجوة لما فيه خير جميع اللبنانيين لا طائفة وحدها، او فريقاً بمفرده”.
واثار رد ميقاتي ردوداً فورية، إذ ردّ عليه بعنف نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب بعد زيارته لعين التينة وقال: “أصبحنا نرى تمادياً كبيراً جداً من قبل رئيس الحكومة في ما يتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية، والأخطر منه الصلاحيات التي بدأ يعتدي عليها، وهي صلاحيات بعض الوزراء، لماذا أقول بعض الوزراء لأنه أكيد لا يتصرف بنفس الطريقة مع كل الوزراء، وكما سبق وقلت من المجلس النيابي وسألته لو كان الوزير زعيتر هو وزير الدفاع كنت تصرفت معه بهذه الطريقة؟ وأنا وقتها كنت أعرف لماذا قلت هكذا، واليوم وصلنا لهذه المشكلة، ويقول رئيس الحكومة بأنه لا يسعى لأخذ دور أحد مثلما سمعنا اليوم ونحن صدقنا، ولكنه يرسل رسائل باتجاه المرجعيات الدينية ليقول لهم أنا أقف على خاطركم ببعض الأمور، ولكنه يقف على خاطرهم في بعض الأمور الثانوية، أما الأمور السياسية الأساسية مثل التعدي على صلاحيات رئيس الجمهورية وبعض الوزراء طبعاً يمعن في موضوع التعدي على هكذا صلاحيات”. وتابع: “من هنا أود أن أقول أن الذي يقوم به هو نسف لدستور الطائف، وهو سيتحمل مسؤوليته وهذه سابقة خطيرة ما سبق لأحد أن تصرف مثلما يتصرف رئيس الحكومة، وهذا استفزاز لشارع طويل عريض” .
وقال: “سجلت اعتراضاً عند الرئيس بري، ولماذا قبل ووزراؤه أن يكونوا في هذه الحكومة وأن تؤخذ هكذا قرارات، وذكرته على أساس أنها حكومة تصريف أعمال وتهتم فقط بالشؤون الضيقة من تصريف الأعمال، ولكن أصبحنا أمام جدول أعمال فضفاض، وهذه الحكومة كانت تقول وسمعنا من المرجعيات السياسية أنها لا تعين وفجأة صارت الحكومة “بدها تعين”، فكان عندي أسئلة وعتب وقلت للرئيس بري نتمنى عليك أن تكون الضامن في المستقبل، لأنه في غياب رئيس الجمهورية و”السلبطة” التي تحصل على الصلاحيات، نريد منك العمل لإيقافها وليس وزراءك أن يكونوا ويصوتوا ويسمحوا لهذا الشيء أن يحصل”.
كما ردّ النائب السابق أمل أبو زيد على مداخلة ميقاتي في جلسة مجلس الوزراء، فقال: “غريب أمر رئيس الحكومة المبتورة والفاقدة الميثاقية كيف يستمر بإنكار استئثاره بالسلطة وبممارسة حكم الدويكا خصوصاً أن غبطة البطريرك الراعي كان حاسماً وواضحاً بحديثه عن إقصاء مبرمج للموارنة… فاتّعظ يا حضرة رئيس الحكومة وإعلم ان كلام البطريرك يبقى بطريرك الكلام”.
بدوره، أشار رئيس جمعية “نورج” فؤاد أبو ناضر الى أن “رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي هو الوحيد في لبنان الذي يجهل تعدّياته على صلاحيات رئيس الجمهورية، فيصوّر نفسه الحمل الوديع الذي يعمل لخير جميع اللبنانيين . وإذا اعتبر ميقاتي كلام البطريرك الماروني بشارة الراعي لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة، فإننا نسأل أين حدود صلاحيات حكومة تصريف الأعمال والمستقيلة. وعلى أيّ أساس يعقد جلسات بجداول أعمال فضفاضة، بينما يحدّد النص تصريف الأعمال بحدوده الدنيا وإطاره الضيّق . من المعيب والمرفوض أن يلمّح ميقاتي الى كلام البطريرك الراعي في عيد مار مارون على أنه كلام طائفي بغيض. فيما يجمع اللبنانيون على مرجعية بكركي وتاريخ الكنيسة المارونية المرتبط بتاريخ لبنان. كما يُجمع الكلّ على مواقف البطريرك الوطنية والحاضنة لجميع الطوائف. فلذلك، نطلب من ميقاتي تقديم الاعتذار من البطريرك الماروني، وكفى مواقف غير مسؤولة وفيها تحدٍ غير مقبول، في وقت أحوج ما نكون فيه إلى الوحدة والتضامن ورصّ الصفوف”.