الجمعة, نوفمبر 22
Banner

موفّق طريف: زعامة الغفلة … والعار

فوق جماجم الفلسطينيين ومآسي الحرب على سوريا وتفكك الدولة في لبنان، وموقع طائفة الموحّدين الدروز في المنطقة، يطأ شيخ عقل الطائفة في فلسطين المحتلّة موفّق طريف بقدميه، متسلّقاً نحو زعامة إقليمية متخيّلة. إنها زعامة الغفلة والعار

أمام عالم منقسم بين حفنة من القتَلة ومليارات من البشر اكتشفوا بالصوت والصورة حقيقة المشروع الصهيوني، أيّهما أكثر استفزازاً: بنيامين نتنياهو، وهو يُفاخر بإبادة الفلسطينيين، أم شيخ عقل الموحّدين الدروز موفق طريف وهو يتحدّث بالعبرية في مأتم جندي من جيش الاحتلال قُتل على أرض غزة؟هي ليست المرة الأولى التي يبدو فيها طريف متطرفاً تلمودياً كعتاة الصهاينة، أكثر منه «مسؤولاً» عن أقليّة حقيقية، وَرِثَ الخضوع لسلطات الاحتلال وقوانينه بذريعة “حمايتها”.

من خطابه الشهير في نيسان 2018، في ذكرى قيام إسرائيل، قبل أربعة أشهر فقط من إقرار الكنيست تكريس العنصرية الصهيونية بـ«قانون يهودية الدولة»، إلى مقالة «يديعوت أحرونوت» 2022 حين تغنّى بـ«قيم» تيودور هيرتزل، متجاهلاً قيم «التوحيد»، إلى تغطيته الكاملة لسفك الدم الفلسطيني منذ 7 أكتوبر الماضي، تجاوز طريف كل حدّ، رابطاً مصير الدروز الفلسطينيين بمصير كيانٍ صار في خريف العمر.

تآمر تاريخي على دروز فلسطين

في بحثه الحصيف، «دروز في زمن الغفلة، من المحراث الفلسطيني إلى البندقية الإسرائيلية» الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية (2019)، يقدّم الراحل الدكتور قيس فرّو ابن قرية عسفيا قرب حيفا، كتاباً مرجعياً في السياسة والتاريخ لفهم المؤامرة التي نسجها المشروع الصهيوني وبعض عملائه من الدروز، بهدف سلخ الفلسطينيين منهم عن هويتهم الشامية والعربية وصناعة هوية إسرائيلية لهم، تبدأ من اختراع خرافة قربى بين موسى والنبي شعيب!

نجح فرّو بعرض مظلوميّة دروز الجليل والكرمل، البالغ عددهم 14 ألفاً في عام 1948 (حوالي 130 ألفاً الآن)، وكيف تمكنت الآلة الصهيونية وعملاؤها عبر سياسة العصا والجزرة، من سلبهم ما يزيد على 85% من أراضي قراهم، وفرض التجنيد الإجباري عليهم مع قيام الدولة المزعومة. ثم لاحقاً، تم إقرار قانون تنظيم شؤون الطائفة، والنظام التعليمي الخاص (درزي متأسرل)، حتى تخلّى معظمهم عن المحراث الفلسطيني لحمل البندقية الإسرائيلية ضد أبناء شعبهم، واضطُهد الوطنيون منهم حتى التذويب.

يكشف الكتاب الأهداف العسكرية والسياسية بحسب كل مرحلة، لمخطط استمالة هذه القلة من السّكان في شمال فلسطين، من أجل الوصول إلى تحييد الدروز اللبنانيين والسوريين عن الصراع، وتفتيت لحمة الشعب الفلسطيني بسياسة فرّق تسد.

ولعلّ أبرز إضاءات الدراسة، هو تفكيك الأدوات التي استخدمها الصهاينة الأوائل منذ العشرينيات حتى اليوم للسيطرة على الدروز وغيرهم من الفلسطينيين، باستغلال أزمة الهويّة ولعبة «الأقلّيات والأكثريات»، ثم بتقسيمهم إلى «قوى سلبية وقوى إيجابية»، ودعم العملاء منهم وضرب رموزهم وتجمعاتهم الوطنية، أو تشويه صورتهم، كما دأبت الدعاية الصهيونية على فعله مع سلطان الأطرش، الذي أنصفه فرّو مستنداً إلى الوثائق الصهيونية المغمورة.

ورغم احترافية المسؤولين الصهاينة عن الملف الدرزي، تُظهر الدراسة أزمات الدروز الخاصة، كصراع العائلات والجهل والفقر الذي كان مسيطراً على القرى، وانتهازية وجشع بعض قادتهم، ثمّ هزيمة جيش الإنقاذ والهزائم العربية التي تلت، عناصر أقوى من قوة الصهاينة في الوصول إلى النتيجة الحالية. وهو ما دفع الشيخ أمين طريف، جدّ موفق لوالدته، ومعه معظم المشايخ، إلى الالتحاق بركب العميلَين صالح خنيفس ولبيب أبو ركن، والتخلّي التدريجي عن الارتباط بالعرب ثم بـ«الحياد»، وصولاً إلى الانصياع الكامل للمؤسسات الصهيونية، التي ورثت التأثير بالطائفة عن الاحتلال البريطاني.

المفارقة، أن الوعود التي يتلقّاها الدروز منذ العشرينيات، بـ«المواطنة» الكاملة في دولة إسرائيل، تكاد لا تزال هي هي، من حق استخدام الأرض إلى «المساواة» مع اليهود في القوانين والأنظمة، على الرغم من الأثمان التي تكبّدوها في خدمة الكيان العنصري.

عمامة الحكمة لا الخيانة

اليوم، يشترك طريف في الخديعة ذاتها: السعي للحصول على «حقوق» للدروز وإدخال تعديلات على «قانون القومية»، بالإضافة إلى مشروع للكهرباء هنا ومخطط توجيهي هناك، مقابل التغميس بدم الغزيين وأهالي الضفة، مستفيداً من التحريض الطائفي الذي يبثّه بعض المشبوهين من دعاة «الحركة الإسلامية» بين فلسطينيّي الداخل المحتلّ ضد الدروز بدل الصهاينة، فيعزز بذلك خوفهم من إخوانهم الفلسطينيين، ويقوّي شوكة «الهويّة الدرزية الإسرائيلية» المُختلقة.

يتجاهل طريف، ومعه عضو الكنيست صالح طريف، الأكثر نشاطاً وتأثيراً هذه الأيام بين الشخصيات الدرزية الموالية للاحتلال، أن إسرائيل تميّز حتى بين اليهود أنفسهم، وأنها مهما منحت الدروز العرب من «حقوق»، فإنها لن تتخلّى عن أصل وجودها كدولة عنصرية لليهود دون غيرهم. ويتجاهل أيضاً، أن هذا التكامل مع إسرائيل ينسف أصل فكرة حماية الأقليّة من أساسها، ليحوّل الدروز إلى أعداء للعالمَين العربي والإسلامي، حين يعتمر طريف عمامة الحكمة البيضاء فليطّخها بالعار، ناطقاً باسم المحتلّ.

لكن، كيف يخطط طريف لتجاوز مشاريع البنى التحتيّة المخصصة لربط مستوطنات الشمال بسكك الحديد وأنابيب الغاز وغيرها من التصميمات، التي ستقضي على ما تبقّى من مساحات الأراضي التابعة لبعض القرى ذات الغالبية الدرزية، وتقتلع عشرات آلاف أشجار الزيتون المعمّرة التي أطعمت الفلسطينيين من الدروز وغيرهم على مدى الألف عام الأخيرة؟ ليس واضحاً بعد سوى حلول طريف التقليدية، باستجداء قادة إسرائيل على تقديم الفتات، مقابل ثمنٍ باهظ على الدروز دفعه، ليس في فلسطين فحسب، بل في كل المنطقة، حيث يحاول طريف مدّ يده وبناء زعامة، تتخطى حدود سايكس ـ بيكو، مستفيداً من عدّة عناصر.

من الجولان إلى السويداء إلى لبنان

في السنوات الأخيرة، استغل طريف حالة الاهتراء التي أصابت المؤسسة الدينية الدرزية في السويداء وصراع مشايخ العقل، وضعف الدولة المركزية في الجنوب السوري بفعل الحرب الإرهابية التي دعمت فيها إسرائيل المجموعات المتطرفة والأزمة الاقتصادية الخانقة في الشام، لنثر أمواله على بعض رجال الدين والمؤثرين، مغذّياً مطالب الانفصال و«حقوق الدروز». وتتكامل جهود طريف مع الاهتمام المستجدّ للخارجية الأميركية بملفّ السويداء، وخصوصاً بعد حملة اللوبي السوري الجديد في واشنطن بدعم وتوجيه من اللوبي الإيراني، حتى صار رموز الإدارة الأميركية يتصلون بشيخ العقل حكمت الهجري، الساعي إلى الوصول بدوره إلى سلطة «زمنية» واهية.

وتبدو نتائج دور طريف بالسياسات التي تنتهجها سلطات الاحتلال ضد أهالي الجولان، والتي لم تكن لتجد أرضية لها لولا جهود طريف وأمثاله، إذ إن الحرب على سوريا وسياسات الترهيب والقمع والاعتقال واغتيال المعنيين بملف الجولان في دمشق، أوجدت ثغراتٍ عديدة تسلّل منها أصحاب مشروع حصول دروز الجولان على «الهوية» الإسرائيلية والتخلي عن الهوية السورية، بعد صمود أسطوري تجاوز الـ 50 عاماً. وأخيراً، وصل الأمر بانخراط العشرات أو ربّما المئات من أهالي قرى الجولان المحتل في الجيش الإسرائيلي وفي لجان حماية محلية تابعة للاحتلال، بذريعة الدفاع عن الجولان من «العدوّ»، في مقابل حملة ترهيب للوطنيين الصامدين في القرى الأربع!

لبنان أيضاً ليس بعيداً عن مشروع طريف، الذي استغل الانهيار الاقتصادي فيه، ليبدأ بضخ أموال التأثير بين يدَي بعض المشايخ، مستفيداً من غياب القوى الوطنية الفاعلة بمواجهة التغلغل الإسرائيلي في الساحة الدرزية، ومستغلاً الصمت المطبق للمشايخ والسياسيين الدروز عن دور طريف وخطورة ما يقوم به على مجمل دور الجماعة وموقعها في المشرق، عدا عن موقف يتيم للنائب السابق وليد جنبلاط دعا فيه الدروز الفلسطينيين إلى عدم القتال ضمن جيش الاحتلال.

نجحت إسرائيل في استلاب هوية الغالبية من الدروز الفلسطينيين في زمن «غفلة»، عسى أن لا ينجح طريف في بناء زعامة «غفلة» تكلّف الدروز تاريخهم ومستقبلهم.

فراس الشوفي – الاخبار

Leave A Reply